تحدث مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة طاهر السني أمام مجلس الأمن خلال جلسته المخصصة للنظر في البند المعنون "الحالة في ليبيا".
إلى نص الكلمة:
بسم الله الرحمن الرحيم
السيد الرئيس،،،
في البداية أهنئكم على ترأسكم المجلس وإدارتكم لجلسات هذا الشهر، كما أشكر السيد باتيلي والسيد ايشيكاني على إحاطتهما، كما نشكركم لتعازيكم ومواساتكم للشعب الليبي.
السيدات والسادة،،،
مر علينا خمس أسابيع منذ الفاجعة التي أصابتنا بسبب كارثة الفياضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق في شرق ليبيا وبالأخص مدينة درنة، والتي راح ضحيتها الالاف ولازلنا حتى اليوم ننتشل الجثث والجهود مستمرة في البحث عن المفقودين، هذه الكارثة التي لم نشهد لها مثيل في تاريخ ليبيا المعاصر، فقدنا فيها أيضاً العديد من فرق الانقاذ من الهلال الأحمر ومنتسبي المؤسسة العسكرية وغيرهم، والذين كانوا من اوائل الذين استجابوا لهذه الكارثة.
ورغم الأوضاع التي تمر بها البلاد، إلا أن ذلك لم يقف عائقاً أمام تضامن الشعب الليبي من كل الانحاء، وشاهدنا استنفار الأخوة وهَبتهم وفزعتهم متجاوزين كل الخلافات السياسية، حيث تم تسيير قوافل المساعدات والإغاثة من عديد المدن لمناصرة المتضررين، والتي بينت المعدن الحقيقي للشعب الليبي وقوة اللحمة الوطنية بين كافة مكوناته وأطيافه، والتي كانت بمثابة رسالة لجميع القوى السياسية المختلفة لتوحيد الصف والخروج من الأزمة الراهنة.
وفي اطار الاستجابة للأزمة، سارعت حكومة الوحدة الوطنية ومن خلال لجنة أزمة حكومية، وبالتنسيق مع اللجنة العليا للمجلس الرئاسي ومؤسسات المنطقة الشرقية ولجان الأزمة فيها، وكذلك مع السلطات المحلية والبلديات هناك، سارعت بالاستجابة الفورية لهذه الكارثة، حيث تم تسخير كل ما يمكن من امكانات الحكومة لتوفير الدعم اللازم وتقديم المساعدات للمتضررين والمناطق المنكوبة.
وفي هذا الصدد وبعد نداء السيد رئيس المجلس الرئاسي لطلب دعم المجتمع الدولي والتنسيق الحكومي لذلك، نود أن نتقدم بالشكر لكل الدول والمنظمات الدولية التي بادرت بمساندتنا لمواجهة هذه الكارثة سواء بارسالها فرق الانقاذ والاغاثة أو تقديمها للمساعدات. ونكرر هنا دعوتنا للمجتمع الدولي للاستمرار في مساعدة ليبيا لتخطي آثار هذه الأزمة غير المسبوقة، والمساهمة بفاعلية في جهود بدء التنمية والإعمار في المدن المنكوبة.
السيدات والسادة،،،
تابعنا اليوم احاطة السيد باتيلي وتطورات المشهد السياسي وجهود الخروج من الأزمة السياسية والتحديات المصاحبة، والتي كان آخرها ما تَبع اصدار مجلس النواب للقوانين الانتخابية، وما صاحب ذلك من اختلافات وملاحظات من أطراف سياسية مختلفة، لذا من المهم العمل سريعاً على معالجة النقاط التي لازالت محل جدل بآلية واضحة وإطار زمني محدد، حتى تكون القوانين قابلة للتنفيذ، ويتم تهيئة الظروف المناسبة ودعم المفوضية العليا للانتخابات لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في اقرب وقتٍ ممكن، انتخابات شفافة ونزيهة تُقبل نتائجها، وبها تنتهي كافة المراحل الانتقالية والانقسامات، وتستجيب لتطلعات الشعب الليبي الذي ضاق ذرعاً من الحلقة المفرغة والوضع الراهن.
السيدات والسادة،،،
تابعنا بعناية المفاوضات المتعلقة بمشروع قرار تجديد العقوبات على ليبيا، وفي هذا الصدد نود التأكيد على أهمية ومشروعية طلباتنا المتكررة للجنة العقوبات في موضوعي الأصول المجمدة وقائمة العقوبات على الأفراد.
فيما يتعلق بالأموال والأصول المجمدة، وطلباتنا بالسماح للمؤسسة الليبية للاستثمار بإدارة هذه الأصول تحت التجميد، من المهم التأكيد على أهمية التعاون بين لجنة العقوبات والمؤسسة للتوافق على الآليات اللازمة لإدارة هذه الأصول المجمدة، بما يجنبها مزيد من الخسائر والتآكل واستغلال بعض الدول لذلك. لأن هذا القرار من المفترض أنه لحماية ثروات الليبيين والحفاظ عليها وليس لمعاقبتهم.
وفي هذا الشأن نؤكد أيضاً ان أصول واموال المؤسسة الليبية للاستثمار والتي يجب ألا يتم اقحامها بأية قضايا او دعاوى تخص تعويضات أو غيرها، كون المؤسسة تتمتع بالاستقلالية وذات طابع سيادي، وأي مساس بتلك الأموال والأصول يعتبر مخالف لقرارات مجلس الأمن ذات العلاقة.
اما بخصوص قائمة العقوبات على الأفراد، نتمنى البناء على ما شهدناه من بوادر إيجابية أبدتها بعض دول المجلس في التعامل مع هذا الملف، والاستجابة لطلبات ليبيا المتكررة في هذا الشأن، برفع أسماء عدة أفراد من القائمة سواء لأسباب انسانية أو لانتفاء سبب وجودهم عليها بالأساس، فكفى تسييس لهذه الملف.
ختاماً،،،
ورغم أن هذه الجلسة لمناقشة الوضع في ليبيا، وحاولنا فيها ايصال صوتنا لكم بالخصوص، الا أنه لا صوت اليوم يعلو على صوت الشعب الفلسطيني ومعاناته، فنحن لا يمكن أبداً أن نتجاهل صرخات النساء والأطفال وما يتعرض له المدنيين الأبرياء في قطاع غزة، من قتلٍ وقصف وحصار، وقطع للماء والكهرباء ومنع للمساعدات الانسانية ومحاولات للتهجير القسري.
والسؤال الذي يراود الجميع، أين حقوق الانسان وحماية المدنيين مما يحدث في غزة هذه الأيام؟
اليست هذه جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية حسب القوانين الدولية؟
أليس ما يحدث الآن هو عقاب جماعي، بل يصل الى ابادة جماعية، فهل تنتظرون رواندا جديدة؟ إن استمرار قطع الكهرباء والماء حتى على المستشفيات سيحولها قريباً لمقابر جماعية.
إن حمّام الدم الذي استمر لعقود وطال آلاف الأبرياء يجب أن يقف، فإن قتل المدنيين الأبرياء العزل مرفوض ومدان في كل الأعراف والأديان، و لكن شعوب العالم ترى وتتابع ازدواجية المعايير وسياسة الكيل بمكيالين التي تنتهِجُها عديد الدول والخلط بين المعتدي والمعتدى عليه وبين حق الدفاع عن النفس والمقاومة ضد الاحتلال، لذا لا يمكن اختزال القضية الفلسطينية فقط في أحداث 7 اكتوبر الماضي، بل علينا النظر بشمولية ولأصل الصراع، واستمرار الظلم والانتهاكات وسياسة الاستيطان، وقتل حلم السلام الذي امتد لخمس وسبعين عاماً، ناهيك عن الحصار الجائر على قطاع غزة، الذي تحول لأكبر سجن مفتوح عرفته الانسانية… حتى ضرب اليأس سكانها… ومن يولد هناك للأسف يولد ميتاً.
وحتى نستطيع البدء في ايجاد حلول جذرية للأزمة الحالية و تبعاتها، يجب العمل فوراً على ثلاث أشياء، الوقف الفوري لاطلاق النار وادخال المساعدات الانسانية وايقاف أي محاولة لتهجير أهالي غزة من أرضهم…فلا أحد سينتظر حدوث نكبة جديدة .. وهذا الموقف والطلبات الثلاث تم التعبير عنها كموقف عربي موحد… واليوم أنقله لكم.
ومن هذا المنبر نؤكد على موقف ليبيا الثابت والموحد تجاه القضية الفلسطينية، هذه القضية العادلة والتي يعتبرها الشعب الليبي بكل أطيافه— قضيته الأم، ولا يرى حل لهذه الأزمة الا من خلال تطبيق العدالة واسترجاع حقوق الشعب الفلسطيني بما يرتضون، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشريف.