قالت دراسة علمية حديثة أن حوالي نصف التونسيات يتعرض للعنف،  وشملت دراسة المسح الوطني حول العنف ضد المرأة في تونس 3879 امرأة بين 18 و64 سنة يتوزعن على كامل تراب الجمهورية وبينت الدراسة ان قرابة 47.6% من النساء قد تعرضن خلال حياتهن الى أحد أشكال العنف.

وأشار  الباحث في علم الاجتماع التربوي طارق بلحاج محمد إلى أنه على الرغم من التشريعات القانونية "المتطورة" في المجتمع التونسي  لحماية حقوق المرأة الأدبية والمادية، إلا أن ظاهرة العنف ما زالت مترسخة في ثقافة بعض  التونسيين 
و أرجع ذلك إلى عجز القوانين عن توفير الحماية اللازمة للمرأة، محذّرا
 من أن هذه التشريعات قد تزيد من ردود الفعل الانتقامية والعدوانية تجاه المرأة نتيجة إحساس الرجل بالغبن والظلم، ليتحول العنف ضد المرأة رد اعتبار طبيعي لهيبة ومكانة الرجل.

وفسّر الباحث العنف الموجه ضد المرأة بهيمنة العقلية الذكورية التي ترى في المرأة كائناً قاصر الإدراك والأهلية، وتنحصر وظيفتها في الإنجاب وتدبير شؤون المنزل والأسرة، وقد تحتاج إلى "التأديب" من حين لآخر.

و تتعرّض نسبة مهمة من التونسيات الى العنف من باب رغبة الرجال في تحدي القوانين الحامية للنساء ، و يرى المراقبون أن الرجل التونسي لم يكن في آغلب الاحيان قابلا لحقوق المرأة التي جاء بها قانون الاحوال الشخصية منذ العام 1956 بمبادرة من الرئيس الاسبق الحبيب بورقيبة و دعمها الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي ، و هي حقوق تعتبر الاهم من نوعها في الدول العربية و الاسلامية الا أنها بقيت مرفوضة من قبل نسبة كبيرة من رجال تونس 

وحول المفارقة بين الحقوق التي تتمتع بها المرأة  التونسية  وبين تفشي ظواهر الاعتداء على النساء في المجتمع  التونسي قالت الناشطة الحقوقية بشرى بلحاج حميدة أن المرأة التونسية  ولئن حققت خطوات كبيرة في مسيرة تحررها وتطور مكانتها في المجتمع فهي لا تزال تعيش ضحية لما أسمته ب"النفاق الاجتماعي" مؤكدة أن نسبة كبيرة من النساء التونسيات مازلن يعانين من العنف الذكوري المتجذرة في عقليات أوساط مختلفة من المجتمع  التونسي .

و أوضحت بلحاج حميدة أن "النفاق الاجتماعي" يتجلى بشكل في ظاهرة ممارسة الشباب  التونسي  للجنس خارج الأطر القانونية، لكن المرأة هي التي تعاقب في النهاية، فإما أن تصبح أما عزباء منبوذة في مجتمعها أو أن تدخل السجن باسم ممارسة الزنا أوالبغاء السري.

وعبرت رئيسة الجمعية التونسية  للنساء الديمقراطيات أحلام بالحاج خلال ندوة "العنف المسلط على النساء في الفضاء العام والفضاء السياسي"  عن قلق الجمعية العميق لما تشهده الساحة الإقليمية والعالمية، ولاسيما  التونسية  منها "حول تصاعد العنف ضد النساء".
وقالت إن العنف الموجه ضد النساء "تطور بعد الثورة  التونسية  ليصبح عنفا سياسيا"، ملاحظة أن "الوضع أصبح مفزعا" حيث تشهد الساحة السياسية "استهداف النساء في الفضاء العام والفضاء السياسي ومحاولات للحد من وجود المرأة بتلك الفضاءات".
واشارت الى أن العنف السياسي تجلى مؤخرا في أشكال عدة، من بينها "استهداف النساء خاصة أثناء الحملة الانتخابية للمجلس الوطني التأسيسي، ولاسيما المرشحات المنتميات إلى جمعية النساء الديمقراطيات، وكذلك تعنيف النساء داخل المعاهد والجامعات والمؤسسات العمومية على غرار ما حدث بإذاعة الزيتونة وكلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة والمعهد الثانوي بحي التضامن" في العاصمة تونس 

و جاء في أحدث دراسة علمية حول العنف المساّط على المرأة التونسية  أن  النساء التونسيات يتعرضن  بدرجة أولى الى العنف الجسدي والنفسي بنسبة تقدر ب31.7%...ويمثل العنف النفسي أو البسيكولوجي ثاني أشكال العنف المسلط على المرأة بنسبة 29.9%.كما تتعرض المرأة الى العنف الجنسي من خلال اكراهها على بعض الممارسات ويمثل هذا النوع من العنف 15,7% من أشكال العنف.

أما فيما يتعلق بالعنف الاقتصادي المسلط على موارد المرأة فيمثل 7.1% وهو الأقل حدة وتداولا.وترتفع حدة العنف المسلط مع ارتفاع العمر وتدني مستوى التعليم، وترتبط أشكال العنف أساسا بمستوى تعليم الشريك، فكلما تدنت درجة التعليم يرتفع مؤشر العنف وقد تمت ممارسة العنف على سيدات شركاؤهن من الأميين (30% من الحالات)، فيما كان مستوى الشريك جامعيا عند 6.4% من المعنفات.
و تعتبر البطالة من أبرز أسباب العنف الجسدي والنفسي، حيث تصل نسبة ممارسة العنف عند الشركاء الباحثين عن عمل 33.9% بالنسبة الى العنف الجسدي ويمارس 46.8% من الشركاء الباحثين عن عمل عنفا نفسيا.أما فيما يتعلق بتقسيم التعرض الى العنف حسب الجهات والخصائص الديمغرافية والاجتماعية فتتعرض النساء الأقل تعليما للعنف، وتقوم النساء «المتعلمات بالحرص في اختيار شريك الحياة ليكون مستقلا وصاحب مستوى تعليمي محترم ومورد رزق مما يسا هم في تجنب العنف.
وتتعرض النساء في الجهات بصفة خاصة للعنف، وفيما سجلت منطقة الجنوب الغربي أعلى مستويات التعرض للعنف بنسبة 32.8%، فإن منطقة الجنوب الشرقي هي المنطقة التي تتعرض فيها نساؤها الى أقل معدلات العنف بنسبة 12.9% كما تم تسجيل معدلات مرتفعة من العنف في منطقة تونس  الكبرى (28%) والوسط 26.7%.و قالت نتائج الدراسة أن المتسبب الأول في العنف المادي المسلط على المرأة هو الشريك (الزوج أو الخطيب أو الصديق)، بنسبة  47.2% من الحالات.
وتتعرض المرأة في هذه الحلقة الحميمة الى العنف النفسي 68.5% والعنف الجنسي 78.2% والعنف الاقتصادي 77.9% وتتسبب العائلة (الأب أو الأخ أو أحد أفراد العائلة) في العنف المادي لدى 43% من الحالات، وللعنف النفسي عند 16.7% من الحالات والاقتصادي عند 22.1% من الحالات.
وصرحت 6% من النساء أنهن تعرضن الى العنف في محيطهن العملي.وقد تعرضت 20.3% من السيدات الى العنف المادي والمتمثل في أشكال متعددة من صفع وإلقاء بأحد الأواني على المرأة أو ضرب وشد من الذراع والشعر، أو ضرب بالحزام والعصا أو حرق أو تهديد بسلاحوقد تعرضت 17.4% من النساء الى الصفع طيلة حياتهن!!ولا تعتبر طرق التعنيف نادرة حيث تعترف السيدات أنهن تعرضن للركل بالقدم في 5.9% من الحالات والضرب بالحزام والعصا 5.8% وضرب الرأس على الحائط 3.1% والتهديد بسلاح 1.9%كما تتعرض 24.8% من النساء للعنف النفسي من خلال شتم وكلمات جارحة 11.3% ومنع المرأة من التعبير عن رأيها 10.8% والتهديد بالعنف 9.3% والمنع من الخروج 8.8% اضافة الى أشكال الهجر والتقليل من القيمة ومحاولة اخراجها والسخرية من الشكل والخيانة والحرمان من أطفالها أو من زيارة الأهل...
وتتعرض 5.2% من النساء الى العنف الاقتصادي مع الشريك من خلال الحرمان من مصروف اللباس والحاجيات الخاصة أو عدم الانفاق على الأسرة من الزوج أو مصادرة أموالها...و يؤثر العنف لدى 54.4% من الحالات في الحياة اليومية ومنهن من تركن العمل بسبب العنف ( 2% ).وقد فقدت 16.2% من النساء المعنفات الوعي وتعرضت 4.6% منهن الى كسور، وتفقد 27% منهن التركيز.وتغادر 40.9% من السيدات منزل الزوجية نحو منزل الأهل في 87.7% من الحالات.وغالبا ما تبقى المرأة المعنفة صامتة في 42.1% من الحالات وحتى اذا ما تحدثت عن الموضوع فللعائلةوتختلف أسباب عدم التصريح وتتلخص في غياب الثقة والشعور بالعار والخجل، فيما تعتبر 55% من النساء ان العنف مسألة عادية