حاوره: عبد الستار العايدي

في إطار سلسلة من الحوارات تجريها ''بوابة إفريقيا الإخبارية'' حول الحريات في المغرب العربي فيما يلي مقابلة أعدها الصحفي التونسي عبد الستار العايدي مع نقيب الصحفيين التونسيين محمد مهدي الجلاصي حول وضع الحريات الصحفية وحرية التعبير ووضع المؤسسات الإعلامية في تونس عموما. 

كيف تصف مستويات الاعتداءات على الصحفيين بصفة عامة؟

الاعتداءات على الصحفيين لازالت متواصلة، خاصة من قبل قوات الأمن خاصة المتواجدة حين المظاهرات والمسيرة . دائما هناك ممارسات استبدادية تتمثل خاصة في التضييق على الصحفيين أثناء أداء عملهم وطلب تراخيص عمل في غير محلها باعتبار أن للصحفي كامل الحرية للتصوير في الشارع إلا إذا تعلق الأمر بأماكن ذات صبغة أمنية أو عسكرية ، وبسبب ذلك تتم مضايقة الصحفي ومنعه من العمل بالإضافة إلى الاعتداءات البدنية المباشرة .

أيضا هناك بعض المواطنين من قاموا بالاعتداء على الصحفيين وذلك بفعل التحريض المباشر سواء من بعض السياسيين أو نقابات أمنية . ويمكن القول أن أكثر تهديد لحرية الصحافة في تونس هي الاعتداءات المباشرة والبدنية على الصحفيين  

هل يعتبر تعليق اتفاقية الشراكة والتعاون بين نقابة الصحفيين ووزارة الداخلية سببا لاعتداءات الأمنيين على الصحفيين؟

إن تعليق الشراكة مع وزارة الداخلية جاء ردا على الاعتداءات وخاصة مع تسارع وتيرتها خلال تلك الفترة ، ولهذا قررنا تعليق هذه الاتفاقية. لا يمكن أن في شراكة وتعاون مع وزارة الداخلية في ظل منحها الصلاحية لموظفيها من رجال الأمن للاعتداء على الصحفيين.

يمكن القول أن الاعتداء على الصحفيين قد يحدث في أي بلد ولكن الخطير هو عدم تتبع المعتدين قانونيا مما منحهم حصانة ضد العقاب، هناك سياسة واضحة وممنهجة من وزارة الداخلية لتحصين أعوانها وضمان الإفلات من العقاب بعد ارتكابهم   هذه  المخالفات مثل المنع من العمل أو الاعتداءات المادية أو اللفظية على الصحفيين

هل هناك اقتراحات من جانبكم لوضع حد لذلك ؟

لقد قدمنا عديد المقترحات، وأصدرنا بيانات عديدة ، إلى جانب تنظيم تدريبات مشتركة مع وزارة الداخلية، إدارة مكافحة الشغب ووحدات التدخل وإدارة مكافحة الإرهاب، ولكن نفس الممارسات لازالت متواصلة وهذه التدريبات لم تمنع ذلك، ولذلك تم تعليق اتفاقية الشراكة مع شريك يواصل الاعتداء على الصحفيين. 

من خلال ما يحدث، هل ترى أن سقف حرية الرأي والتعبير بدأ يتقلص؟

لا استطيع القول قد تقلص، ولكن هناك محاولات تراجع عن حرية الصحافة والتعبير، هناك إرادة سياسية لتنفيذ هذا التراجع عن حرية الرأي وعن الحريات بصفة عامة.

من يريد التراجع عن مكاسب الثورة سيتخلى عن الحريات بأجمعها، مثلا لا يمكن التراجع عن حرية الصحافة ويقع منح حرية التظاهر، وما رأيناه أن نفس السياسة الأمنية التي تقمع المتظاهرين  والمحتجين هي نفسها التي تعتدي على الصحفيين وتحاكم المدونين لمجرد نشره تدوينة على مواقع التواصل الاجتماعي .

إرادة التراجع متوفرة، ولكن مقاومتها تتمتع بالصلابة والقوة من خلال جهود نقابة الصحفيين والاتحاد العام التونسي للشغل ورابطة حقوق الإنسان وكل مكونات المجتمع المدني التي تصدت لعودة القبضة الأمنية والتراجع عن حرية الصحافة والحريات وحقوق الإنسان عامة في تونس   

ما تم إنجازه وما هو مازال قائما، هل من حلول للوضع الهش للصحفيين في المؤسسات الإعلامية الخاصة؟

الحل الأول هو وجود اتفاقية مشتركة تحمي الصحفيين وتنظّم عملهم، لا يوجد أي قطاع يعمل دون وجود اتفاقيات، ويجب لقطاع الصحافة أن تكون له اتفاقية مشتركة خاصة به لتضمن للصحفي حقوقه المهنية والاقتصادية والاجتماعية، وهذه الاتفاقية تم تعطيلها من طرف هذه الحكومة والحكومات السابقة مما ساهم في بقاء قطاع الصحافة هشّا وانتهاك حقوق الصحفيين تصل إلى حد الجرائم.

بعض المؤسسات الإعلامية الخاصة تنتهك حقوق الصحفي ولكن الدولة على مستوى تفقدية الشغل ووزارة الشؤون الاجتماعية ، وهذا يعتبر تواطئا من الدولة ضد قطاع الصحافة،  كذلك الدولة تقوم بتشجيع المؤسسات الإعلامية الخاصة على عدم نشر الاتفاقية المشتركة مما يصبحون ملزمين بمنح الصحفيين حقوقهم الدنيا .

الحل الثاني، يجب أن تكون المؤسسات الإعلامية الخاصة مؤسسات رابحة وتتمتع بالإشهار العمومي وبصفة عادلة لتستمر في عملها ، كما يجب أن تكون مؤسسات تحترم أخلاقيات المهنية.       

ولن يتم إنجاز كل ذلك إلا بنشر الاتفاقية المشتركة كخطوة أولى ونشر قانون وكالة الإشهار التي تنظّم توزيع الإشهار بإنصاف وعدالة وتفعيل دور الدولة الرقابي من خلال تفقدية الشغل لأن الوضع الحالي منفلت من عقاله. تقوم بعض المؤسسات الإعلامية تقوم بتعيين شخص نكرة وبأجر يصل إلى 5000 دينار ولكن الصحفي الذي يقوم بمجهود مضني في لإنتاج المضامين الإعلامية يكون أجره زهيدا.

ما هي أهم المسائل العالقة في مؤسسات الإعلام العمومي، وما أفضت إليه مفاوضات النقابات الأساسية؟

يجب تطوير مؤسسات الإعلام العمومي وهيكلته لأن النظام الأساسي لإعلام العمومي لازال قديما ولم يتم تحويره منذ عقود ولا يواكب هذا العصر، وذلك مثلا هناك مهن جديدة في الإعلام تم إحداثها مثل « community management » التي لا توجد في النظام الأساسي للمؤسسات الإعلامية.

كما يجب تطوير السياسة الإدارية للمؤسسات الإعلامية العمومية، حيث تم الإبقاء على هيكلة متخلفة وتعيين رئيس مدير عام لمؤسسة إعلامية ما لتنظيم المسائل اليومية بدل أن يكون له دور استراتيجي ومهمته تطوير المؤسسة.

الإعلام العمومي بين التخلف عن الركب والاستنزاف اليومي ويتجه نحو العجز في تقديم المضامين الإعلامية.

بالنسبة لمفاوضات النقابات الأساسية، تم إمضاء اتفاقية تسوية الوضعيات الهشة للعاملين في مؤسسات الإعلام العمومي، ولازالت مسألة تعيينات المديرين العامين التي تشمل مؤسسة الإذاعة التونسية ووكالة تونس إفريقيا للأنباء ، كذلك القانون الأساسي لمؤسسات الإعلام العمومي الذي مازال محلّ تفاوض.

هناك رؤيتين مختلفتين، الرؤية المحافظة التي تسعى للحفاظ على الوضع القائم لمؤسسات الاعلام العمومي ورؤية مخالفة تقول بوجوب تطويرها جذريا. 

هل يمكن الحديث عن ملفات فساد داخل مؤسسات الإعلام العمومي أو المؤسسات التابعة للدولة تحت تصرف مؤتمن عدلي؟

لم أطلع على ملفات فساد تخص هذه المؤسسات ، ولكن نحن نسمع عن ملفات فساد تخصها، مثل الحديث عن أعوان لا يعملون ولكنهم يتقاضون أجورهم أو صفقات إنتاج الأعمال الدرامية . لا يمكن تصديق ما يروج له إلا بعد الاطلاع على ملفات واضحة. 

وضع الإعلام في خضم الصراع السياسي المحتدم بين رئيس الحكومة وحركة النهضة من جهة ورئاسة الجمهورية من جهة أخرى؟

الإعلام في جزء منه لم يصطف مع أي من المتصارعين، ولكن بعض الأحزاب السياسية تحاول السيطرة على وسائل الإعلام وتوجيهها عن طريق تعيين المديرين العامين مثل ما حدث في وكالة تونس إفريقيا للأنباء من محاولة تعيين مدير عام تابع لحركة النهضة.

كما نشاهد في الإعلام الخاص أن من يؤثث البرامج السياسية من الحاضرين ليسوا صحفيين ، وأغلبهم تابعين لأحزاب سياسية أو نواب برلمان سابقين أو تابعين للسلطة، حيث أصبحت البرامج تقدم وجهة نظر الأحزاب أو غيرها بدل تقديم وجهة نظر الشعب والدفاع عن مصالحه . 

إلى ماذا تدعو الصحفيين والمؤسسات الإعلامية؟

يجب على الصحفيين احترام أخلاقيات المهنة الصحفية والانحياز لمشاغل الناس، ويجب على الإعلام عامة أن يكون منحازا لقضايا الوطن والضغط على السلطة لمنع الفساد والتجاوزات ولا يكون مساهما في تعويم القضايا المهمة أو مساهما في تأزم الأوضاع .

في إطار موضوع الفساد، كيف بالإمكان التعامل صحفيا لضمان أكثر ما يمكن من الحيادية والشفافية؟

في ما يخص موضوع الفساد هناك مدونات سلوك عديدة، أولا يجب احترام خصوصية الناس ولا يجب الحديث عن ملف فساد دون التثبّت ما إذا كان الشخص فاسدا أو بريئا.

ثانيا، يجب أن يكون للصحفي صلاحية النفاذ للمعطيات، القانون يكفل ذلك ولكن الحكومة لا تسمح بذلك.   

وأخطر من ذلك في موضوع الفساد أن عددا من الفاسدين   والسياسيين يمتلكون مؤسسات إعلامية رغم أن القانون يمنع ذلك، إلى جانب ذلك تداخل المهن مثل المحامي الذي يؤثث برنامج تلفزي الذي يترافع عن متهم بالفساد صباحا وفي المساء يتحدث عن قضيته التي ينوب فيها عن موكّله، وهذا يعتبر خلطا ولا يحترم الحيادية والشفافية.  

كيف يمكن حماية الصحفي ومصادره باعتباره يسعى لكشف الفساد؟

هناك سبيلين يكفلهما القانون لحماية الصحفي ومصادره ، حسب قانون النفاذ إلى المعلومة وقانون مكافحة الإرهاب. وفي حالة واحدة حسب تقدير قاضي التحقيق وفي ما يخص قضايا أمن الدولة وأمن المواطنين . 

ويجب أن يكون للصحفي أن تكون له صفة "المبلّغ"، التي تحمي مصادره وتحميه في حياته اليومية وتوفر له حصانة ضد أي تهديد في ما يخص موضوع الفساد الذي كشفه. 

لماذا يصف البعض مراسلي المؤسسات الإعلامية الأجنبية بأنهم خونة وينفذون أجندات أجنبية ؟ 

في إطار الاعتداءات على الصحفيين عامة بسبب التحريض، كذلك مراسلي القنوات الأجنبية يتعرضون أيضا للتحريض والاعتداء، من يعمل مع أي مؤسسة أجنبية هو صحفي يؤدي عمله ككل الصحفيين ولكن تتم محاسبته على أنه ينفذ سياسة تلك الدولة في تونس،  حتى أن بعض السياسيين ونواب البرلمان يقومون بالتحريض ضد هؤلاء الصحفيين عمدا رغم علمهم أن ذلك غير مؤكد وغير صحيح.    

الصحفي المواطن وذلك حسب نجاحه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، هل يهدد مهنية وصدقية الصحفي المختص؟

الصحفي المواطن لا يهدد مهنية أو صدقية الصحفي المختص، مثلا حادثة جورج فلويد التي قامت بتصويرها سيدة أمريكية وتحصل الفيديو على جائزة بوليتزر الدولية مما كان سببا في تحرك الرأي العام العالمي وتغيير المساندة لجو بايدن في الانتخابات الأمريكية، كذلك ما حدث في حي سيدي حسين بتونس العاصمة قامت بتصويره مواطنة تونسية، هذا الفيديو الذي أجبر رجال الأمن المتورطين على تغيير أقوالهم وضمان حق ذلك الطفل .

الصحفي بالمنطق الكلاسيكي لا يمكن له أن يكون ملمّا بكل ما يحدث رغم وجوده في الشارع ، ولذلك أعتبر وجود صحافة المواطنة ضروري ومهم . ويجب على الصحفي المواطن أن يكون دقيقا ويعطي الصورة كاملة وليس توظيف البعض منها .