من عادة العرب أنهم يعيشون بالنوادر. كل مجتمع يصنع الطرفة حسب ثقافته الخاصة والظروف التي يعيش فيها. ولا يخلُو التاريخ العربي من المزحة والابتسامة حتى في غير موضعها. فشهر رمضان قديما كان دائما مجالا للحكايات الطريفة حتى في فترات الإسلام الأولى، وهي حكايات تُزيّن مع الزمن ويُضاف ويُنزعُ عنها لتصبح أكثر قيمة عند الناس ويتداولونها لزرع البسمة والتقليل من الشهوات والتخفيف من الضغط اليومي الذي يعيشونه.

هناك في تاريخ العرب شخصية طريفة معروفة بالطمع وحب الطعام، وهي شخصية أشعب بن جبير الذي عاش في القرن الـ35 هجريا، وكان يُوصف كل من يأكل بنهم كبير بأنه مثل أشعب، وذُكر عن أشعب أنه دخل على "أحد الولاة في أول يوم من رمضان يطلب الإفطار وجاءت المائدة وعليها جدي، فأمعن فيه أشعب حتى ضاق الوالي وأراد الانتقام من ذلك الطامع الشره فقال له: اسمع يا أشعب إن أهل السجن سألوني أن أرسل إليهم من يصلي بهم في شهر رمضان، فامضي إليهم وصل بهم, واغنم الثواب في هذا الشهر، فقال أشعب وقد فطن إلى غرض الوالي منه: أيها الوالي لو أعفيتني من هذا نظير أن أحلف لك بالطلاق والعتاق إني لا أكل لحم الجدي ما عشت أبداً فضحك الوالي ودعاه إلى المائدة."

من الراوايات المتوارثة عند الملسمين في رمضان أن رجلا إلى فقيه، قائلا، يا إمام إني أفطرت يوماً في رمضان. فأجاب له الإمام: اقضِ يوماً مكانه. قال: قضيت، وأتيت أهلي وقد صنعوا "مأمونية" (نوع من الحلوى الفاخرة)، فسبقتني يدي إليها، فأكلت منها، قال الإمام: اقضِ يوماً مكانه. قال الرجل: قضيت، وأتيت أهلي وقد صنعوا هريسة، فسبقتني يدي إليها. فسارع الإمام بالقول: أرى ألا تصوم بعد ذلك إلا ويدك مغلولة إلى عنقك.

وروي عن أعرابي أنه وُجد يأكل ثمارا في رمضان، فنهره الناس: ما تفعل يا أعرابي، فأجاب إن الله قال في سورة الأنعام: "وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ۚ كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ"، وأنا لست ضامنا حياتي وخفت أن أموت قبل وقت الإفطار وقد ارتكبت معصية.

كما ذكرت بعض الكتب أن أحد الحمقى دخل "على أحد الخلفاء في إحدى الليالي الرمضانية وهو يأكل فدعاه الخليفة ليأكل فقال، إني صائم يا أمير المؤمنين فسأله هل تصل النهار بالليل ؟ فأجابه لا ولكني وجدت صيام الليل أسهل من صيام النهار وحلاوة الطعام في النهار أفضل من حلاوته في الليل".

وفي رواية أخرى أن من عادة عمر بن عبدالعزيز عندما كان واليا بالمدينة أن كل صلواته في رمضان كانت في مسجد رسول الله. وبينما هو يصلي العصر رأى أعرابيّا يأكل بجانب قبر الرسول، فأنهى صلاته ثم اقترب منه له: أمريض أنت؟ قال: لا، قال: أعلى سفر؟ قال: لا، قال: فما لك مفطر والناس صائمون؟ قال الأعرابي: إنكم تجدون الطعام فتصومون، وأنا إن وجدته لا أدعه يفلت مني، ثمّ أنشد:

ماذا تقـول لبائـس متوحـد كالوعل في شعب الجبال يقيم

يصطاد أفراخ القطـا لطعامـه وبنـوه أنضاء الهموم جثـوم

والقوم صاموا الشهر عند حلوله لكنـه طول الحيـاة يصـوم.

ومما حكي أيضا في تاريخ العرب أن الناس وجدوا رجلا قد أفطر في شهر رمضان فأخذوه إلى الوالي، فقال له: يا عدو الله أتفطر في شهر رمضان؟ فأجاب الرجل: أنت أمرتني بذلك. "قال الوالي: هذا شرّ، كيف أمرتك؟ قال الرجل: حدثت عن ابن عباس: أنه من صام يوم عرفة كأنما صام عاما وقد صمته فكأني صمت كل رمضان، فضحك الوالي وأخلى سبيله".

كما ذكرت العرب أن رجلا دخل قرية في رمضان، فوجد كل من فيها مفطرين. تعجّب وسألهم: ألستم في رمضان؟
 
قالوا: بلى، ولكن شيخنا يصوم عنا. "فذهب إلى دار الشيخ مستغرباً، ودخل وكان الوقت نهاراً، فرأى أمام الشيخ سفرة طويلة، وعليها أنواع من الأكل والثمار، والشيخ يلوك الطعام، فقال: يا شيخ، علمت من أهلك أنك تصوم عن أهل البلد؟ فردّ الشيخ قائلاً: يا جاهل، من يصوم عن أهل بلد، أَلَا يتسحّر مرّة كلّ نصف ساعة؟