عبارة فرق تسد، مازالت صالحة للاستخدام في نظر القوى الاستعمارية الكبرى وشركاتها الضخمة، فقد عول عليها المستعمرون الأوروبيون في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وطبقوها كي ينهبوا الشعوب ويبقوها تابعة ومتخلفة. ونيجيريا هذا البلد الغني بثرواته وبخاصة النفط، لم يسلم يوماً من الاضطرابات العنيفة منذ استقلاله عن الاستعمار البريطاني والذي أقام هذا الكيان على أسس قبلية وعرقية ودينية بطريقة تخدم مصالحه، حيث تعاني نيجيريا، أكثر الدول اكتظاظا بالسكان في أفريقيا مع 200 مليون نسمة، من انعدام الأمن وتفاقم حوادث الخطف الجماعية شمال غرب البلاد التحديات الأمنية في نيجيريا التي يشهد شمالها الشرقي منذ 2009 نزاعاً دموياً وهجمات تشنها جماعة "بوكو حرام" وتنظيم "داعش" الإرهابيان أدت إلى نحو 36 ألف قتيل ومليوني نازح.
إنّ أحد أهم أسباب تفشي العنف في نيجيريا، يرجع إلى نظرة الاستعمار لها من الأساس باعتبارها مجرد شركات تدر له أرباحا وينهب من خلالها الخيرات الأفريقية وليست دولة أو كيانا، ونتيجة لذلك، أصبحت نيجيريا مشروعا صناعيا أكثر من كونها مجتمعا من الناس أصحاب حقوق مشروعة في تحديد شؤونهم المحلية، وللأسف، فالشعب النيجيري وأرضه لم يكن أبدا في نظر المستعمر يستحق حقوقا بل شركات تدر أموالا وتقوم على ممارسات الاستعباد والنهب، وتسبب ذلك في خلق مشكلة صعوبة توحيد النيجيريين في حقبة ما بعد الاستعمار البريطاني، والحقيقة التي لا مناص منها، أنّ الشركات قادت العملية الاستعمارية وارتبطت بعواقب أخرى تتضمن أنها خلقت العنف المنظم وأدت إلى تسليح الشعب وأنظمته الاجتماعية والسياسية. وما تشهده نيجيريا اليوم من عنف مسلح يؤكد من جديد رغبة المستعمرين الجدد وشركاتهم العملاقة في تقسيم هذا البلد وإنهاكه من خلال تسعير نار الفتن من كل شكل ولون.
فشركة شل النفطية العملاقة تسيطر على ثروة نيجيريا النفطية وهي تساهم في تلويث بيئة المنطقة أيضا إضافة إلى سعيها المحموم بالتعاون مع الولايات المتحدة لتمزيق هذا البلد الأفريقي وإبقائه بما يحويه من تنوع اثني وديني وثقافي، مجتمعاً متخلفاً وفقيراً وجاهلاً وهي تتبادل المعلومات الاستخباراتية مع واشنطن بشأن النشاط المسلح وتغذي الاضطرابات المسلحة وقد زرعت عملاء لها في كل المؤسسات الرئيسية النيجيرية وهذا ما تؤكده وثائق موقع ويكيلكس، ولطالما استغلت الأدوات السياسية في نيجيريا لمصلحتها بل يعتبرها البعض أقوى من الحكومة النيجيرية ذاتها. والثابت اليوم، أن الهجمات الإرهابية التي شنتها ''بوكو حرام'' تسببت بخسائر وصلت قيمتها إلى 6 مليارات دولار، نتيجة عمليات التدمير، خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وما يفاقم الوضع أنه يتزامن مع ظهور تنظيم "داعش" الإرهابي في غرب إفريقيا، بجانب عصابات الخطف والسرقة في جميع أنحاء منطقة شمال نيجيريا.
وفي هذا السياق، لا زالت المعارك محتدمة بين الجيش النيجيري وجماعة ''بوكو حرام'' المتطرفة والمرتبطة بتنظيم القاعدة. وجماعة ''طالبان'' المعروفة في نيجيريا بلغة الهاوسا بـ''بوكو حرام'' (أي التربية الغربية حرام)، فقد تشكلت في كانون الثاني 2004، من طلاب تخلوا عن الدراسة واتخذوا من قرية كاناما في ولاية يوبي (شمال شرق نيجيريا) المحاذية للحدود مع النيجر قاعدة لهم، لكن السلطات قالت: إنها تأسست منذ العام 1995... وضمت الجماعة عند إنشائها حوالي مائتي شاب مسلم متطرف بينهم نساء، وتبنوا على غرار نظام ''طالبان'' السابق في أفغانستان هدف إقامة دولة ''إسلامية'' شمال البلاد، ولاسيما بعد أن تمركزت الجماعة في أربع ولايات نيجيرية هي بوشي وبورنو وكانو ويوبي. وفي عام 2005، صرح أحد قادة الجماعة، أن الأخيرة تعتزم شن تمرد مسلح وتنظيف المجتمع من ''الفسق والفجور''. وكانت ولاية كانو الأكثر سكاناً بين الولايات النيجيرية أل 36 بعد ولاية لاغوس، حيث يقيم فيها ما لا يزيد عن 8 ملايين نسمة، منهم ثلاثة ملايين في مدينة كانو، والتي نظراً لتلقيها موازنة ضعيفة من الموازنة الاتحادية، هي الولاية التي رحب معظم سكانها بتطبيق الشريعة، علها تكون شبكة الخلاص لبؤسهم الاقتصادي والاجتماعي.
ويقول المتخصص في الشؤون النيجيرية في ''مؤسسة الأبحاث للتنمية'' ''مارك أنطوان بيروز دو مونكلو'' أنه توجد صعوبة كبيرة في تحديد الجهة التي ترتبط بها حركة ''طالبان'' نيجيريا مشيراً إلى أن إسم ''طالبان'' هو فقط للدلالة على اعتماد الخطاب الذي تعتمده حركة ''طالبان'' الأفغانية، لكن ذلك لا يعني على الإطلاق وجود تمويل للمجموعة النيجيرية من قبل مجموعات أفغانية أو باكستانية. ويوضح أنّ ''وجود مقاتلين تشاديين أو من النيجر مع طالبان نيجيريا لا يعني أن التنظيم له تشعبات عالمية، فالسبب في ذلك يعود بكل بساطة إلى تداخل الحدود''. وبحسب الاعترافات التي أدلى بها المقبوض عليهم من أنصار ''بوكو حرام'' يتبين: أن زعيمهم، الذي كان يلقب بـ ''ملا عمر نيجيريا''، كان يحلم بإقامة إمارة ذات مظاهر طالبانية في شمالي نيجيريا يطبق فيها أفكاره التي تعتبر تعليم الفيزياء والعلوم من المحرمات وكذلك دراسة اللغات والعلوم الغربية وبخاصة اللغة الانجليزية السائدة في نيجيريا.
والمعارك الأخيرة التي تدور بين جماعة ''طالبان''نيجيريا والجيش تهدد جدياً وحدة نيجيريا، التي نالت استقلالها عن بريطانيا في 1 أكتوبر عام 1960، ففي هذا البلد الإفريقي ذو الأكثرية المسلمة يتحرك بحر من المجموعات الإثنية الكبيرة التي تعتقد أدياناً توحيدية ووثنية لا حد لها. و يتوزع السكان في نيجيريا وفق نسب تقارب 47 في المائة من المسلمين (خصوصا في المناطق الشمالية) و 34 في المائة من المسيحيين، و19 في المائة من أتباع الديانات الإغريقية التقليدية. وتتميز التركيبة الإثنية في نيجيريا بنوع من التعقيد. فالشمال مسلم تقطنه قبائل ''الهوسا/الفولاني'' و التي تمثل 31 في المائة من سكان نيجيريا. و ينتمي مسلمو مناطق الشمال إلى الثقافة الإسلامية في الساحل الإفريقي الغربي منذ بداية القرن التاسع عشر، وهم يعتمدون تقليدياً قضاء شرعياً ويقيمون مركزاً خاصاً لطبقة أرستقراطية منبثقة من حملات الجهاد لنشر الدين الإسلامي التي قامت في القرن الماضي.
وهناك قبائل ''اليوربا'' التي خرجت بديانة خاصة بها هي خليط من المسيحية والإسلام والطقوس الوثنية، وتمثل 30 في المائة وتقطن الجنوب الغربي والعاصمة الاقتصادية: لاغوس، وتضم قبائل ''اليوربا'' أكثر من ثلاثين مليون شخص، معروفة بأن غالبيتها من المسيحيين، و معروف من جهة أخرى أن مسلمي المناطق الجنوبية الذين اعتنقوا الإسلام في عصر حديث، و في أيام السلم، هم أقل تمسكاً بالتميز الإسلامي من مسلمي المناطق الشمالية. وتمثل ''الايبو'' 17 في المائة وتقطن الجنوب الشرقي، و سبق أن حاولت هذه القبائل الاستقلال مابين 1967 ـ 1970، مما فجر حرباً أهلية عرفت بحرب البيافرا التي قادها الجنرال المتمرد ''أوجو كيو'' و أودت بحياة مابين 600 ألف و مليون شخص. و يضاف لما سبق إثنيات أخرى صغيرة ليصبح إجمالي عدد الإثنيات التي تتكون منها نيجيريا 250 إثنية لم يوحدها معاً سوى قبضة الاستعمار، وسواء هذا أو ذاك فإن أي منهم لم ينجح في بناء الدولة القومية في نيجيريا.
خلاصة الكلام: إنّ الأزمة في نيجيريا متجذرة في الفساد والسياسة العرقية والدينية والحزبية، وانتماء القادة النيجيريين إلى مجموعات عرقية مختلفة يشكل تحديا للأمن القومي. والتحدي بالنسبة للمجتمع الدولي يتمثل بالتضامن الدولي لحل هذه الأزمة التي لا تقف عند حدود، فالتطرف الديني له من يدعمه في العالم، ويمكن أن يعبر الحدود ليصل إلى كل بلد، وكذلك هناك دين معتدل لا يقلّ إقناعاً، وله مؤيدوه في كل أنحاء العالم ويجب أن يبعث الأمل. فالكبار والصغار بحاجة إلى فهم الدين والتواصل من خلاله، وعلى الجميع التعايش واحترام معتقدات وممارسات الدين الآخر، وهذا سيكون سبباً في الإثراء المعرفي، وليس تهديداً، وهذا تحدٍ تواجهه نيجيريا بمدارسها ومؤسساتها وشركاتها وجامعاتها من أجل العثور على مسار للسلام والتحرك مرة أخرى بعيداً عن الصراع الديني.
*مصطفى قطبي
كاتب صحفي من المغرب.