بالرغم من الهدنة المعلنة والجهود المتواصلة بحثا عن حل للازمة المتنامية في ليبيا،لازال التوتر سيد الموقف خاصة في ظل استمرار المناوشات بين الأطراف المتصارعة والتي تغذيها التدخلات التركية المتواصلة وهو ما يهدد بفشل فرص الوصول الى تسوية سياسية في البلاد التي تعاني منذ سنوات من فوضى عارمة جراء التدخل الغربي الذي اغتال الأمن والاستقرار فيها.
وتجددت الاشتباكات بين قوات الجيش الوطني الليبي والقوات الموالية لحكومة الوفاق،وأفادت مصادر مطلعة باندلاع اشتباكات عنيفة بين الطرفين في مناطق ورشفانة.وأعلنت القيادة العامة بالجيش الوطني الليبي ،بعد ظهر اليوم السبت ،سيطرة قوات الجيش بالكامل على الطريق الساحلي الرابط ما بين العاصمة طرابلس و مدينة غريان ،كما تمكنت من احراز تقدّم في منطقة العزيزية و الهيرة ،فضلا عن السيطرة على معسكر العكرمي في منطقة الهيرة ،جنوب العاصمة طرابلس.


وأفاد المتحدث الاعلامي باسم ما تسمى بـ بركان الغضب التابعة لقوات حكومة الوفاق ، عبد المالك المدني، السبت، بسقوط ثلاثة قتلى في صفوف قوات الوفاق، أثناء الاشتباكات مع قوات الجيش في الرملة والعزيزية جنوب العاصمة طرابلس.وأوضح المدني، في تدوينة له عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أن القتلى هم إبراهيم مصطفى شتوان، وعبدالباسط محمد التهامي، ومحمد علي عوض، وجميعهم من مصراته.
وأعلنت حكومة الوفاق تعليق الملاحة في مطار معيتيقة الدولي بالعاصمة طرابلس، إثر تجدد الاشتباكات مع قوات الجيش الوطني الليبي، ما يخرق الهدنة المتواصلة إلى حد الآن والتي تم الإعلان عنها في 12 يناير الماضي.وسقطت عدة صواريخ "من طراز غراد"،أمس الجمعة، في عدة أماكن من العاصمة الليبية، بما في ذلك المطار الوحيد الذي لا يزال يعمل في طرابلس، ما أسفر عن إصابة شخص على الأقل وأضرار مادية.
ويستخدم المطار لتمركز القوات التركية والمرتزقة الموالين لأنقرة ولاطلاق الطائرات المسيرة التي أعلن الجيش الليبي إسقاط 10 منها خلال الأيام الثلاثة الماضية.ووفق صفحة غرفة عمليات الجيش الليبي، استطاعت وسائل الدفاع الجوي إسقاط 6 طائرات تركية مسيرة خلال الأربع وعشرين ساعة الماضية، ليرتفع عدد الطائرات التي تم إسقاطها في الأيام الثلاثة الماضية إلى 10 طائرات.
ونشر الجيش الليبي ملخصا لعمليات القوات والتي جرت يوم الجمعة، وشملت عدة عمليات، حيث قامت وحدات تابعة لسلاح المدفعية والصواريخ باستهداف عدة مواقع تركزت فيها قوات تركية ومرتزقة تابعة لها.ووفق شعبة الإعلام الحربي التابعة لقيادة الجيش الليبي، فإن قصف المدفعية والصواريخ استهدف تمركزاً لمجموعات عسكرية تركية ومرتزقة داخل قاعدة معيتيقة العسكرية، تم من خلالها تدمير مخزن للأسلحة والذخائر داخل القاعدة.
 وأشارت صفحة شعبة الإعلام الحربي أن القصف استهدف أيضا مخزناً للأسلحة والذخائر في غابة النصر التابعة لميليشيات "غنيوة".وأضافت الصفحة أن من بين الأهداف التي تم قصفها مخزناً للأسلحة وتمركزات لمجموعات ميليشياوية، تتمركز في مشروع الموز .وأشار الإعلام الحربي إلى ان عمليات الإستطلاع الراداري مُستمرة لإقتناص أي تحركات مشبوهةٍ للطائرات المُعادية في سماء العمليات العسكرية.


واتهم الجيش الوطني الليبي قوات حكومة الوفاق مدعومة بوحدات تركية وعناصر متشددة في ليبيا بتصفية أسرى الجيش الليبي.وقال الناطق باسم القيادة العامة للجيش الوطني الليبي أحمد المسماري،  الجمعة،في تدوينة عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك":أنه "في تتابع لسلسلة الإجرام التي تقوم بها العصابات المسلحة التابعة لحكومة السراج المعززة بوحدات من الجيش التركي الغازي وعناصر إرهابية متطرفة والتي أصبحت تتطور يومًا بعد يوم قامت بتصفية عدد من عناصر الجيش الوطني الذين سقطوا في أيديهم ومنهم جرحى ومصابون، ضاربة بالقانون الدولي الإنساني، واتفاقيات جنيف، وتعاليم الدين الإسلامي، عرض الحائط"، وفق تعبيره.
من جهة أخرى،واصلت تركيا جرائمها ضد المدنيين في ليبيا،حيث استهدفت طائرة مسيرة تركية،الخميس، سيارة مدنية في منطقة الرواجح جنوبي العاصمة طرابلس ما أدى مقتل ركابها وهم خمسة أفراد من أسرة واحدة.ونشر اللواء أحمد المسماري، الناطق الرسمي باسم الجيش الوطني الليبي،مقطع فيديو لاستهداف السيارة مشيرا الى أنها "جريمة من جرائم أردوغان في ليبيا في إطار تنفيذ مخططه الاستعماري الجديد".
وبالتزامن مع ذلك تصاعدت الخسائر التركية في ليبيا حيث أعلن مدير إدارة التوجيه المعنوي في الجيش الوطني الليبي العميد خالد المحجوب مقتل نحو 15 عسكريا تركيا في قصف استهدف مواقع داخل مطار معيتيقة بالعاصمة طرابلس الخميس والجمعة.والأحد الماضي قُتل أيضاً 16 عسكريا تركيا ممن يشاركون بالعمليات في ليبيا، وقبلها في يناير قتل 4 جنود أتراك خلال قصف للجيش الوطني الليبي على ميناء طرابلس.
وكانت قد ترددت أنباء بقوة عن مقتل الجنرال خليل سوسيال عضو هيئة أركان الجيش التركي وقائد القوات التركية في ليبيا، إثر إصابته خلال قصف للجيش الليبي استهدف مؤخراً سفينة تحمل أسلحة تركية بميناء طرابلس.واعترف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ نحو أسبوع بمقتل جنود من قواته دون تحديد عددهم.
وعلى وقع هذه التطورات الميدانية،تزايدت المخاوف الأممية من احتمال انهيار كامل للهدنة بين الأطراف المتصارعة في ليبيا،حيث عبر المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة الجمعة عن عدم تفاؤله بتواصل الهدنة بين الفرقاء الليبيين، في وقت لم تحقق فيه المحادثات العسكرية "5+5" بجنيف أي تقدم يذكر.


وقال سلامة إن "الوضع في ليبيا خلال اليومين الماضيين يشير إلى احتمال انهيار حالة وقف إطلاق النار"، مضيفا "وقع انتهاك خطير للغاية لوقف إطلاق النار في البلاد، في الواقع كان من الممكن أن يؤدي إلى تقويض شبه كامل لوقف إطلاق النار مع قصف مناطق كثيرة، وتعرض مطار طرابلس لهجمات".
وتواصلت ، الجمعة، مباحثات المسار السياسي الليبي في يومها الثالث بجنيف، ولم تفصح بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن قوائم المشاركين والقضايا المدرجة في جدول الاجتماعات، حيث لم يحدد موعد نهايتها.وغاب ممثلو مجلس النواب الليبي عن المباحثات، حيث انتقد المجلس البعثة الدولية بشأن تدخلها في اختيار ممثليه في طاولة الحوار.
وتواجه محادثات جنيف تعثرا لافتا منذ انطلاقها؛ بسبب هشاشة الوضع الميداني والتحفظات التي تبديها شخصيات سياسية ليبية حول المشاركين في المحادثات وحول طبيعة الدور الأممي. فشلت الأمم المتحدة في إقناع طرفي النزاع للمشاركة في هذا الحوار، بعدما أعلنت الكيانات السياسية مقاطعتها على خلفية ما اعتبرته غموضاً محيطاً بأجندة اللقاء والمشاركين فيه، وربطت جلوسها على طاولة الحوار بتنفيذ مجموعة من الشروط.
ويشترط الجيش الوطني الليبي انهاء المليشيات المسلحة واخراج المرتزقة والارهابيين الموالين لتركيا من الأراضي الليبية.وقال قائد الجيش الوطني الليبي في تصريحات الأسبوع الماضي إن "مفاوضات جنيف لن تفضي إلى نتيجة إلا إذا انسحب المرتزقة الأتراك والسوريون وتوقفت تركيا عن تسليم أسلحة لطرابلس وتمت تصفية الجماعات الإرهابية".وأكد حفتر أنه "في حال لم تتوصل مفاوضات جنيف إلى إرساء السلام والأمن في البلاد ولم يعد المرتزقة من حيث أتوا عندها ستقوم القوات المسلحة بواجبها الدستوري للدفاع عن البلاد من الغزاة الأتراك – العثمانيين".


وقبل أسبوعين،عقد آلاف من شيوخ وأعيان القبائل والمدن والنخب الليبية،اجتماعا موسعا في مدينة ترهونة، جرى خلاله التشاور حول الأوضاع القائمة في البلاد.وخولت القبائل للجيش الوطني الليبي حسم المعركة والقضاء على الميليشيات، مع التأكيد على مقاومة جميع أشكال الغزو الخارجي، ورفض أي اتفاقيات دولية تشكل خطرا على الأمن القومي، في إشارة إلى مذكرتي التفاهم البحري والأمني اللتين وقعهما السراج مع أردوغان في نوفمبر الماضي.
كما طالب البيان الختامي الأمم المتحدة بسحب اعترافها بما يسمى بالمجلس الرئاسي ومجلس الدولة اللذين لم يحصلا على اعتراف مجلس النواب الليبي، داعيين إلى محاكمة المجلسين بجريمة خيانة الوطن.وقررت القبائل الليبية الإعلان عن تشكيل مجلس مشايخ وأعيان ليبيا واعتباره الجسم الشرعي والوحيد الممثل لكل القبائل الليبية.
وأكد رئيس المجلس الأعلى لقبيلة الزوية الليبية، الشيخ السنوسي الحليق الزوي،في تصريح لوكالة "سبوتنيك" الروسية،السبت 29 فبراير/شباط،أن القبائل قامت في اجتماع ترهونة "بتشكيل جسم شرعي ويعتبر بمثابة مجلس للشيوخ وهذا الجسم يمثل الشعب الليبي ويتكون من 15 شيخا من المشايخ من الشرق والغرب والجنوب من كل تركيبات المجتمع الليبي وهم من يتحدثون ويمثلون ليبيا شرعياً"، موضحا أن مهام هذا المجلس تتمثل في "المواجهة والنقاش مع كل من يتحدث على القضية الليبية والآن القرار قرار المشايخ والأعيان هم من يمثلون الليبيون وليس أفراد خارج الوطن يتحدثون عن ليبيا هذا شيء مرفوض".


وتعتبر القبائل والمكونات الاجتماعية في كافة المدن والقرى والأرياف الليبية هي صمام الأمان لترسيخ قواعد السلم الاجتماعي وهي الضامن الأول لقيام دولة مدنية ديمقراطية مستقرة.ويرى مراقبون أن محاولات تجاوزها ستفشل فرص الوصول الى تسوية في البلاد.ويحضى الجيش الليبي بدعم كبير من القبائل الليبية في حربه ضد المليشيات والمتطرفين والمحاولات التركية لغزو البلاد.ويشير كثيرون الى أن الحسم العسكري قد يكون السبيل الأكثر موضوعية لانهاء الفوضى ودحر الأطماع التركية التي تزداد خطورة يوما بعد يوم.