يعيش الجنوب الليبي منذ سنوات أزمات متتالية، وغيابا شبه تام لمؤسسات الدولة، ناهيك عن الوضع الأمني المتردي، والنقص في كافة مقومات الحياة، حيث ألقت الأزمات بكل ثقلها على سكان المناطق الجنوبية، من عجز عن توفير السيولة وتوقف دائم للكهرباء وخاصة غياب كل مقومات الظروف الصحية الملائمة، تضاف إلى أزمة انقطاع البنزين وغلاء الأسعار.

حيث يتعرض الجنوب الليبي منذ سقوط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011، إلى هجمات من قبل مجموعات أجنبية خارجة عن القانون، أبرزها المجموعات التشادية المسلحة التي استغلت الفراغ الأمني والسياسي لتكرار هجومها واستهدافها المنشآت العامة والخاصة في محاولة منها لبث الرعب لدى سكان هذه المناطق ليسهل فيما بعد السيطرة عليها.

ويسهم الجنوب الليبي بنحو نصف إنتاج ليبيا من النفط بمقدار نصف مليون برميل يومياً، بينما يشكل انتشار الجماعات المسلحة تحدياً أمام التنمية الاقتصادية في هذه المناطق.

ويزخر الجنوب الليبي بثروات نفطية ومنجمية جعلته محط أنظار التنظيمات المتطرفة، فليبيا تملك أكبر احتياطي نفطي في القارة الأفريقية يقدر بـ 3.94 في المئة من احتياطي العالم. إضافة إلى مناجم الذهب التي اكتشفت عام 2011 والتي يبقي أهمها منجم مدينة الكفرة الذي تسيطر عليه المجموعات.

في نفس الإطار، تزداد المخاوف من محاولات تنظيم داعش الإرهابي، تنظيم صفوفه من جديد، بعد أكثر من عامين على دحره في معقله الرئيسي مدينة سرت الساحلية في ديسمبر 2016، على أيدي قوات "البنيان المرصوص" التابعة للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس، بدعم من طيران القوات الأمريكية في أفريقيا.

وترتفع مستويات المخاطر الإرهابية خاصة في مناطق الجنوب الليبي، حيث تنتشر العناصر الإرهابية التي تستغل حالة الفراغ الأمني، وحدود البلاد المفتوحة نتيجة ضعف الرقابة لتهدد بهجمات انتقامية تسعى من خلالها لبث الخوف.

حيث يرى مراقبون أنه عقب إسقاط الدولة، حاولت جماعات وعصابات، بل ودول، تسهيل نهب الثروات، من ذهب ويورانيوم وفوسفات ونفط، واستخدام الجنوب منطلقاً للهجرة غير القانونية، بل ومأوى للمتمردين من دول الجوار، ليتحولوا إلى جنود، حسب الطلب، عند داعش الإرهابي وأخواته، مستغلة في ذلك حالة الفراغ الحكومي والصراع المشتعل في الشمال.

مؤخرا، تعرضت مدينة "مرزق" في الجنوب الليبي لعدة هجمات واشتباكات خلال الشهر الجاري، وسط تبادل الاتهامات بين قوات الوفاق الليبية وقوات الجيش الليبي حول السبب في تدهور الأوضاع هناك.

ووفق آخر إحصاءات للأمم المتحدة، فإن قتلى الاشتباكات في مرزق وصل منذ تجددها مطلع الشهر الجاري لأكثر من 90 شخصا، فيما نزحت أكثر من 1285 أسرة من داخل مرزق إلى المناطق المجاورة.

في ذات السياق، يعاني قطاع الصحة في منطقة الجنوب الليبي من واقع مأساوي، وسط حالة التناسي والإهمال التي تعاني منها منذ سنوات، وفي ظل الغياب الكامل لمؤسسات الدولة الأمنية والخدمية. فالفوضى الأمنية هي صاحبة الكلمة العليا في الجنوب، حيث يتصاعد بين حين وآخر توتر أمني بين الجماعات المسلحة في صراع متكرر يهدد حياة المواطنين، علاوة على انتشار العصابات والتنظيمات الارهابية.

وقال مدير المركز الطبي سبها عبد الرحمن عريش في تصريحات صحفية، إن إشكالية الكهرباء أثرت بشكل كبير على أداء المركز، نافيا أي تجاوب من المسؤولين ووزارة الصحة بحكومة الوفاق. 

وأشار عريش إلى أن المستشفى يعاني نقصا حادا في الوقود منذ عدة أيام، مبينا أنه اضطر لتوفير الوقود من السوق السوداء بعد تعطل المولد الخاص بمستودع سبها النفطي، ناهيك عن عطل محطة التحلية التي تعد المحرك الرئيسي لمشغلات غسيل الكلى.

وفضلا عن نقص الأدوية والمستلزمات الطبية، يعاني الجنوب من مغادرة الكوادر الطبية الأجنبية نتيجة الظروف الأمنية والإدارية في الدولة، كما لم تسلم المستشفيات من الاعتداءات، كغيرها من مؤسسات الدولة، سواء على مبانيها أم العاملين بها. ففي الفترة بين 1 أيار/ مايو 2017 و1 أيار/ مايو 2018، سجلت الأمم المتحدة 36 اعتداء على المرافق الطبية أو العاملين في المجال الطبي أو المرضى، رغم أنه من المرجح أن يكون العدد الفعلي أعلى من ذلك بكثير. ومن بين الحوادث التي تذكرها الوثيقة، تعرض مركز سبها الطبي في جنوب ليبيا للقصف أو الإصابة بالرصاص الطائش 15 مرة وذلك بين شهري فبراير ومايو 2018.