تشهد تونس تطورات متسارعة منذ اعلان الرئيس التونسي قيس سعيد في 25 يوليو الماضي،عن اجراءات استثنائية تضمنت تعليق عمل البرلمان، ورفع الحصانة عن نوابه، وإعفاء حكومة هشام المشيشي، وتولي رئيس الجمهورية كامل صلاحيات السلطة التنفيذية ورئاسة النيابة العامة.ورافقت هذه الاجراءات محاولات مستميتة من خصوم سعيد لانهائها فيما واجهها هو باستماتة أكبر.
 يبدو أن محاولات حركة النهضة والأحزاب الموالية لها لنقل الصراع السياسي الى الشارع التونسي باءت بالفشل،فبعد اسبوع من مظاهرات لأنصار الحركة وصفت "بالهزيلة"، شهدت العاصمة التونسية، ومدن عدة،الأحد 03 أكتوبر الجاري، تظاهرات ضمّت آلاف المؤيدين للقرارات التي اتخذها الرئيس التونسي، قيس سعيد، وسط دعوات بإنهاء منظومة الحكم، التي سيطرت على مقاليد السلطة، منذ سنوات، وحل البرلمان التونسي.
وتوافد مئات التونسيون على شارع "الحبيب بورقيبة"، وسط العاصمة التونسية، وعلى عدد من الميادين والساحات العامة بمختلف المحافظات، مثل ساحة الشلي في سوسة، وساحة البلدية وسط مدينة صفاقس،معلنين دعمهم للرئيس التونسي، ولقراراته التي اعتبروها ضرورية لإنقاذ البلاد من الشلل الاقتصادي والاجتماعي والخصومات السياسية، ولوضع حد للفساد المستشري وتحقيق مطالب التونسيين.
ورفع المتظاهرون شعارات مؤيدة للرئيس التونسي،ومنادية بضرورة حل البرلمان كما أطلقوا هتافات ضد رئيس البرلمان المجمد وزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي،مطالبين برحيله من البلاد.وأعلنت  عدة أحزاب سياسية مساندتها لهذه المظاهرة، ودعت أنصارها للنزول إلى الشارع والمشاركة بكثافة للدفاع عن قرارات 25 يوليو وعن الدولة، على غرار أحزاب "حركة الشعب" و"التيار الشعبي" و"حزب التحالف من أجل الجمهورية".
وجاءت المظاهرات الداعمة للرئيس التونسي وقراراته، بعد أيام من إعلانه تكليف، نجلاء بودن رمضان، بتشكيل حكومة جديدة، وهو ما قوبل بترحيب شعبي واسع، باعتباره سابقة في تاريخ تونس.وأعتبر ضربة موجعة لخصوم سعيد الذين كانوا ينتقدون عدم وجود حكومة لتسيير شؤون البلاد منذ اجراءات 25 يوليو الماضي.
ووصف الرئيس التونسي المظاهرات المؤيدة لقراراته بأنها "يوم تاريخي"،وقال قيس سعيّد، الإثنين 4 أكتوبر/تشرين الأول 2021، إن "1.8 مليون مواطن خرجوا إلى الشوارع يوم الأحد الفائت في مسيرات داعمة له"، معتبراً في تسجيل مصور نشره مكتبه على الإنترنت،أن "الشعب قال كلمته "وأضاف قائلا "لن نخيب آمال التونسيين".
وأكد قيس سعيد، أثناء لقائه نجلاء بودن،أنه "تم السطو على إرادة الشعب التونسي من قبل نظام خفي يريد التحكم في الدولة، ونحن لسنا تحت وصاية أي كان ومهمتنا هي تحقيق إرادة شعبنا الذي عبر عنها في هذه الأيام الخالدة".وأضاف سعيد أن "من يتحدث عن انقلاب في تونس، عليه أن ينظر إلى رقصات الشيوخ فرحاً بهذا المنعرج التاريخي الذي تعيشه تونس"، وفق تعبيره.
وفي المقابل،حاول زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي التصعيد من خلال  إعلانه أن مجلس النواب في حالة انعقاد دائم،وهو ما رد عليه عدد من النواب والشخصيات والأحزاب التونسية بتوجيه انتقادات لاذعة للغنوشي، معتبرين أنه يتحمل القسط الأكبر من الأزمة السياسية التونسية. وشدد النواب على أنه لا يمكن للغنوشي التحدث باسم النواب، وأنه "آخر من يتحدث عن الديمقراطية".
وقال النائب عن حزب "التيار الديمقراطي"، هشام العجبوني،في تدوينة نشرها على صفحته عبر "فيسبوك"، إن "راشد الغنوشي هو الذي تسبّب في حدث 25 يوليو بتعسّفه على الدستور والنظام الداخلي، باعتماد منطق المغالبة والمرور بقوة وبتهاونه إزاء العنف اللفظي والمادي داخل البرلمان، وباستفزازه لقيس سعيد في عديد المحطات، وبإسقاطه لحكومة إلياس الفخفاخ ليتحالف مع نبيل القروي، الغنوشي هو آخر من يمكنه الحديث عن احترام الدستور وعن الحفاظ على مسار الانتقال الديمقراطي".
من جهتها قالت النائبة المستقلة، أميرة شرف الدين،في تدوينة نشرتها على صفحتها عبر "فيسبوك"، أن "الشعب كنس كل النواب بسبب الإدارة العرجاء لهذا الشخص رئيس مجلس النواب.. وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم بسبب غطرسته وتنكره لإرادة الشعب، ودفعنا ثمن ما قام به هو وتحالفاته المشبوهة".وأضافت شرف الدين "رئاسة مجلس نواب الشعب لا تمثلني، وعليه فإن بيان ما سمي مكتب مجلس نواب الشعب الصادر باسم راشد الغنوشي لا يمثلني، وكل دعوة موجهة للنواب لا تلزمني".
وتشهد تونس منذ سنوات أزمات على جميع الأصعدة وفشل حكومي متواصل وسط اتهامات لحركة النهضة بالتسبب في ما آلت اليه البلاد.وقام متظاهرون في مدينة المنستير الساحلية، الأحد، باقامة جنازة رمزية ورمي تابوت النهضة في شاطئ القراعية أمام منزل الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة بمدينة المنستير كدليل على نهاية الحركة سياسيا.
 وفي غضون ذلك،أعلن رئيس حركة "الشعب" التونسية، زهير المغزاوي،الإثنين، أنّ الرئيس التونسي قيس سعيد، أبلغه بأنّه سيدعو إلى حوار بعد الإعلان عن تشكيلة الحكومة الجديدة، وأنه "لن يوجه الدعوة إلى حركة النهضة باعتبارها جزءا من المشكلة، ولأنها المسؤولة عن الخراب في البلاد"، بحسب تعبيره.
ونقلت اذاعة "موزاييك" المحلية عن المغزاوي قوله إنّ "سعيد سيشرع في مسار تشاركي بعد تشكيل الحكومة الجديدة، يشمل الاتحاد العام التونسي للشغل، والمنظمات والقوى الحية والأحزاب باستثناء حركة النهضة، التي اعتبر أنها مسؤولة عن الأزمة في البلاد".وأكد المغزاوي، أن رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي بحد ذاته، "أصبح غير قادر على حكم حزبه"، وفق تعبيره.
وكان الرئيس التونسي قيس سعيّد،قد أبلغ نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في مكالمة هاتفية،السبت الماضي،عزمه اطلاق حوار وطني لحل الأزمة في تونس.وقالت الرئاسة الفرنسية ان "سعيد أشار إلى أن الحكومة ستتشكل في الأيام المقبلة، وأن حوارا وطنيا سيبدأ في أعقاب ذلك".فيما لم يشر بيان صدر عن مكتب الرئيس التونسي بعد المكالمة إلى أي خطط للحوار.
وكشفت المُكلفة بتشكيل الحكومة، نجلاء بودن، عن ملامح حكومتها المُرتقبة.وقالت في تدوينة نشرتها على حسابها على "تويتر" إن "الحكومة ستتكون من كفاءات نسائية وشباب قادر على إحداث الفارق في هذه الفترة العصيبة التي تمر بها البلاد".وأضافت أن من أولوياتها "النهوض بالاقتصاد وتحسين الأوضاع المعيشية والصحية والحد من البطالة.
ويعقد الكثيرون آمالا كبيرة على رئيسة الحكومة الجديدة كونها لا تنتمي إلى تيار سياسي أو حزبي وهو ما يزيد من فرص نجاحها في تشكيل حكومة توافقية ومنسجمة يمكنها مواجهة التحديات القائمة وتجاوز الفشل الذي عرفته الحكومات السابقة التي كانت تدار من طرف الأحزاب وسط صراعات على النفوذ واغفال لمتطلبات المواطن الذي بات يعيش منذ سنوات أوضاعا اقتصادية صعبة.