إن قرار الناتو بشن حملة قصف شرسة لمساعدة المتمردين الإسلاميين على الإطاحة بالعقيد القذافي في عام 2011 يجثم فوق رأس بريطانيا اليوم مثل سحابة سامة. ذلك أن مهاجم مانشستر سلمان عبيدي، ينحدر من عائلة ليبية اتهمت بالانتماء إلى من حركات جهادية في ذلك البلد.

استراتيجية إرسال سلاح الجو الملكي ضد قوات القذافي روج لها بحماسة، وهذا سيظل عارا عليه إلى الأبد ،  رئيس الوزراء آنذاك ديفيد كاميرون الذي أدت سياسته المتهورة إلى تغيير النظام مع وصول الإسلاميين إلى السلطة، جنبا إلى جنب مع أتباعهم العنيفين.

وكما كان الحال مع جماعات المعارضة في تونس ومصر وسوريا قبل ما يسمى بالربيع العربي، كان أولئك الذين كانوا ضد حكم القذافي متطرفين في أيديولوجيتهم العمياء القائمة على كراهية الحكومات العلمانية وغير الدينية.

ولكن على الرغم من كل الأدلة ، كذب علينا كامرون وشركاؤه الأوروبيون المخدوعون بالقول لنا بأنهم في الواقع مؤيدون للديمقراطية ، ومناصرون للتسامح والتعددية.

وحذر بعضنا - بمن فيهم أنا وخبراء آخرون في الشرق الأوسط يكتبون لهذه الصحيفة - مرارا وتكرارا من أن جدول أعمال هؤلاء المتمردين كان أكثر شرا، ومن أننا سندفع ثمنا رهيبا لسذاجة كاميرون.

بالنسبة لأولئك الذين درسوا التاريخ وعاشوا في المنطقة، كان من الواضح أنه على الرغم من الانقسامات الداخلية والمنافسات، فإن كل تلك الجماعات الجهادية المتباينة في ليبيا كان لها طموح طاغ ومظلم جدا: استبدال نظام القذافي العلماني بنظام قائم على تفسيرهم المتشدد للشريعة، قبل الاستيلاء على حقول النفط في البلاد، وأخيرا قطع جميع العلاقات مع الدول الغربية التي يحتقرونها علنا.

ولهذا السبب، تم حظر المجموعات واضطُهد أعضاؤها من قبل القذافي والزعماء العرب العلمانيين الآخرين بلا رحمة، وكان ينظر إليها بشكوك عميقة في الغرب - باستثناءٍ واحد ملحوظ.

رحبت الحكومة البريطانية بوالد سلمان عبيدي ، رمضان في بلادنا بأذرع مفتوحة في عام 1993 كجزء من سياسة ليبرالية متهورة تتمثل في منح ملاذ سياسي للناشطين الإسلاميين من ليبيا والدول العربية الأخرى.

 لم يفهم السيد كاميرون ولا اعتبر آثار التغيير القسري للنظام

 كان الاعتقاد الخاطىء هو أنهم سيتدفأون في الدولة المضيفة التي تقدم لهم الملاذ، ويعمدوا إلى تعديل آرائهم من خلال تجربة جديدة للعيش في ديمقراطية مفتوحة.

وبدلا من ذلك، فإن الكثيرين منهم لم يستمروا فقط في إثارة التمرد في البلدان التي أتوا منها، بل دعاوا صراحة إلى الحكم الإسلامي في وطنهم الجديد. وغضت الحكومات البريطانية المتعاقبة الطرف عن هذا الخداع.

وأخيرا، بعد أن أعطي لهم ملجأ هنا لتطوير كراهيتهم ضد كل ما نعتز به، وجد الإسلاميون الخداع المثالي في ديفيد كاميرون وهم يسعون لتحقيق حلمهم في إنشاء دولة إسلامية في ليبيا.

 عاد والد سلمان عبيدي إلى ليبيا في عام 2011 للقتال جنبا إلى جنب مع القوات المرتبطة بالقاعدة ضد القذافي، بدعم من ضربات الناتو الجوية. وبعد مقتل القذافي، أمضت عائلة عبيدي مزيدا من الوقت في ليبيا.

 وبفضل كاميرون، تمكنوا أخيرا من الانغماس في ما أصبح الآن بلدا دمويا، لا توجد فيه حكومة عاملة، بلاد تغرق في الأسلحة التي تم الاستيلاء عليها من مستودعات الجيش الليبي المهجورة و تغرق في الاضطرابات القبلية والدينية التي تركت كل يوم مئات الجثث في الشوارع. وكانت النتيجة أن الإسلاميين باتوا على وشك الظفر بكل شيء.

ومما يثير الدهشة أن كاميرون سافر في هذه المرحلة إلى ليبيا لتمجيد "انتصاره العظيم"، مشيدا بفجر عهد ديمقراطي جديد قبل أن يترك البلاد لمصيرها الفوضوي، الفقير والمدمَّر.

مثل توني بلير في العراق، لم يفهم كاميرون ولم ينظر في عواقب تغيير النظام القسري.

الليبيون المصدومون بالقذائف تسلموا واقعا جديدا ومروعا من قبل كاميرون وحلفائه في الناتو، حيث أصبحت ليبيا أرضا خصبة للإرهاب الإسلامي.

بمعنى ما ، تمخضت نتائج ذلك بتفجير مانشستر. ومن ليبيا المنفلتة بجنون لأي حكم، تمكن سلمان عبيدي، الذي يقوم بزيارات متكررة لأسرته، من زراعة كراهيته القاتلة في الغرب.

ونحن نعلم الآن أيضا أن والده خاض معارك مع مجموعة مرتبطة بتنظيم القاعدة، ويزعم أن شقيقه الأصغر له صلات بداعش.

 لقد اكتسبت الدولة المنبوذة أهمية متزايدة للجهاديين الإسلاميين بوصفها امتددا لخلافة "الدولة الإسلامية" المعلنة في سوريا، و العراق. وأعربت داعش عن أملها في إنشاء قاعدة جديدة في ليبيا، حيث تتمتع القاعدة أيضا بوجود قوي.

ومع انحسار أراضي داعش في أماكن أخرى، فر آلاف الجهاديين نحو ليبيا على أمل إقامة جماعة إسلامية أخرى، حيث يمكن شن هجمات قاتلة - مثل تلك التي وقعت في مانشستر - ضد أوروبا.

سعى القادة الجهاديون إلى إقامة نوع من الممرات بين ليبيا وسوريا - حيث كان كاميرون، بصفته رئيسا للوزراء، يحاول أيضا الإطاحة بالدكتاتور العلماني بشار الأسد، بينما كان يدافع عن قضية المتمردين "المعتدلين" غير الموجودين.

ويَسَّر هذا الممر تدفق المال والرجال والأسلحة بين سوريا وليبيا.

 مهاجم مانشستر وجد نفسه مغمورا في ليبيا تتحول بسرعة إلى بوتقة جديدة من الإرهاب على عتبة أوروبا

 وكان أن وجد مفجر مانشستر، سلمان عبيدي، نفسه مغمورا في ليبيا تتحول بسرعة لتصبح بوتقة جديدة للإرهاب على عتبة أوروبا.

 ويبدو أن عبيدي - كما يبدو الآن - ينتمي لخلية جهادية بريطانية ليبية أوسع - تمكنت من استخدام "الممر الجهادي" للسفر بين ليبيا وسوريا والحصول على تدريب إضافي وشامل في معسكرات الإرهاب السورية.

وبجواز سفره البريطاني ، يمكنه أن يطير إلى بلدنا من ليبيا كلما اختار ذلك، بحرية ليطلق عنان الموت على مواطنيه البريطانيين.

وبالإضافة إلى الإرهابيين الذين يعملون في إفلات من العقاب في ليبيا، أصبحت البلاد مركزا رئيسيا للتعامل مع الأسلحة ومسرحا لعمليات تهريب واسعة النطاق ومنفلتة حيث تم إرسال مئات الآلاف من المهاجرين عبر البحر المتوسط في قوارب لإغراق أوروبا.

هذا هو إذن إرث كاميرون - على الرغم من أن توني بلير يجب أن يتحمل بعض المسؤولية عن إطلاق الفوضى في العراق من خلال المساعدة في إسقاط صدام حسين، الذي كان جنرالاته القدامى متورطين في إنشاء داعش.

وتشكل هذه الاكتشافات حرجا كبيرا للقادة السياسيين والاستراتيجيين العسكريين الذين "هندسوا" أزمة ليبيا في عام 2011. وينبغي أن يكون زعماء الحكومة وقادة الاستخبارات الحاليون غاضبين لأنهم تركوا البلدين لمواجهة العواقب الوخيمة.

إن القول بأن يدي كاميرون ملطختين بدماء ضحايا مانشستر قد يكون استنتاجا صارخا جدا. لكن ما لا يمكن الجدال فيه، بينما لا تزال بلادنا في حالة تأهب قصوى للإرهاب، وتصطاد أعضاء الخلية الجهادية الباقين، هو أنه لوكان حَكَم رؤساء وزراء أكثر حكمة من ديفيد كاميرون قبل ست سنوات، فإن التفجير الانتحاري في مانشستر لم يكن ليقع على الأرجح.

*بقلم جون برادلي ، مؤلف كتاب : "كيف اختطف الإسلاميون ثورات الشرق الأوسط"

**بوابة افريقيا الإخبارية غير مسؤولة عن مضامين الأخبار والتقارير والمقالات المترجمة