تراوح الزمة الليبية مكانها مع تواصل الانقسامات السياسية واستمرار الصراع العسكري الذي تغذيه التدخلات الخارجية وعلى رأسها تركيا الساعية الى اطالة أمد الفوضى في البلاد بما يخدم غاياتها ومخططاتها في نهب الثروات النفطية.وفي ظل هذه الأوضاع المقلقة تتجدد التحركات محليا وخاصة التحركات القبلية لادارة الملف الشائك الذي فشلت الجهود الأممية في فك شفرته.
الى ذلك،ظهر في المشهد الليبي جسم جديد تحت مسمى المجلس الأعلى لمشايخ وأعيان ليبيا، الذى يمثل جميع القبائل الليبية والذى صدر تشكيله من اللجنة التى كلفت من قبل "الملتقى العام لمشايخ واعيان ونخب ليبيا" التى عقد بمدينة ترهونة 20 فبراير الماضى،ليكون الممثل الوحيد والمعتمد من كافة القبائل الليبية.
وشهدت منطقة هراوة الخميس 05 مارس 2020،اجتماعا ضم أغلب شيوخ وأعيان القبائل الليبية لاعلان تأسيس المجلس الأعلى للقبائل الليبية على مستوى ليبيا.وانتخب شيوخ وأعيان القبائل الليبية الشيخ صالح الفاندي شيخ قبائل ترهونة رئيسًا للمجلس.


وقال الفاندي في تصريح صحفي ،إن هذا الاجتماع يأتي استكمالا للاجتماع الأخير الذي عقد في مدينة ترهونة والذي ضم كافة مشايخ وأعيان القبائل الليبية ،مشيرا أن أي اجتماع يعقد خارج هذا المجلس أو عن طريق قبائل لم تحضر اجتماع ترهونة الأخير فإنه لا يمثل القبائل الليبية، وإنما يمثل الأشخاص المجتمعة فحسب.
ونقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية عن نائب رئيس المجلس الأعلى لمشائخ وأعيان ليبيا لقطاع النفط الشيخ السنوسي الحليق،قوله أن المجلس المشكل يحظى بشرعية كبيرة من الشارع الليبي، مضيفاً أن المجلس يضم مشائخ وأعيان ليبيا من الأقاليم الثلاثة وأن الشرعية التي حصل عليها المجلس هي ذات الشرعية التي حصل عليها الجيش والبرلمان من الشارع الليبي.
ويتجه المجلس الجديد الى الانخراط في العملية السياسية في ليبيا،حيث أكد حليق،إن المجلس سيطالب البعثة الأممية رسميا المشاركة في اجتماعات جنيف التي لم تحدد بعد، بعد فشل الجولة الأولى في 26 فبراير/ شباط المنصرم.وشدد على ضرورة مشاركة المجلس في أي اجتماعات مقبلة سواء في الداخل أو الخارج وأنه أصبح قوة فاعلة ومؤثرة في الشارع الليبي بحيث يصبح دوره بمثابة مجلس الشيوخ الأمريكي في الوقت الراهن.
وتستند القبائل الليبية إلى الوزن الثقيل الذي تتمتع به في المجتمع الليبي؛باعتبارها مكونا رئيسيا للمجتمع وعاملا مهما في المشهد السياسي والاجتماعي.ويؤكد العديد من المتابعين للشأن الليبي أن الأمل يبقى معلقا على عاتق القبائل الليبية لإيجاد التوازن السياسي وجلب الاستقرار في ليبيا حيث يمكن للقبائل أن تساهم في المصالحة من خلال دورها الفريد في الحفاظ على الأمن في البلاد.


وفي هذا السياق،قال عضو مجلس النواب محمد العباني إن شيوخ وأعيان ليبيا اختاروا جسما يعبر عن قبائل البلاد، مشيرا إلى أن دوره سيكون مقابلا لدور المنظمات الاجتماعية والسياسية في الدول الأخرى نظرا لعدم وجودها في ليبيا.وأضاف العباني في تصريحات لسبوتنيك أن مجلس أعيان وشيوخ ليبيا سيقوم بدور إيجابي في حل الأزمة الليبية خلال الفترة المقبلة، مؤكدا أن صفة المجلس شعبية بحتة باعتباره ناتجا عن حراك شعبي في مدينة ترهونة.
وتسعى القبائل الليبية لحشد الدعم للجيش الليبي في قتاله ضد الارهاب والغزو التركي،وكانت الاجتماعات التشاورية التي عقدت قبل مؤتمر ترهونة أكدت أن عدداً من المجالس الاجتماعية رأت ضرورة دعم وتأييد المؤسسة العسكرية الليبية،والتأكيد على رفض الاتفاقات المشبوهة الموقعة بين حكومة الوفاق والنظام التركي ورفض استجلاب مرتزقة أجانب من الخارج إلى الأراضي الليبية، ووجوب حل جميع الميليشيات المسلحة ونزع أسلحتها.
واجتمع 4 الآلاف شخص من شيوخ وأعيان القبائل والمدن والنخب الليبية،في 20 فبراير الماضي، فى مدينة ترهونة غرب ليبيا على مدار يومين، للتأكيد على أن ليبيا دولة مستقلة ذات سيادة وموحدة، موضحين أن بلادهم تعاني انقساما سياسيا وغزوا  تركيا وتدفقا متواصلا للمرتزقة والإرهابيين، مؤكدين مقاومتهم للتدخل الخارجي وفي مقدمته الغزو التركي ورفض أي اتفاقية تشكل خطرا على الأمن الليبي.
وفي 21 فبراير/شباط، أعلن الناطق الرسمي باسم القيادة العامة، اللواء أحمد المسماري، في خطاب متلفز،ترحيب القيادة العامة بمخرجات اجتماع أعيان وحكماء ليبيا والنخب الوطنية في مدينة ترهونة، والذي أكد على الثوابت الوطنية التي لا يمكن التنازل عنها وتمثل الروح الحقيقية للدولة ومطلبًا لكل أبناء الشعب الليبي.
وكانت القبائل الليبية أعلنت اغلاق حقول ومنشآت النفط في أغلب مناطق البلاد، احتجاجا على التدخل العسكري التركي في ليبيا، وذهاب إيرادات النفط إلى المليشيات المسلحة الموالية لحكومة الوفاق.وأعلنت قبائل المنطقة الشرقية، في بيان، أن الأموال المتدفقة من إنتاج النفط، يستخدمها فائز السراج لوقف تقدم الجيش الوطني، الذي يخوض حربه ضد الإرهاب لتطهير المدن من الميليشيات.
وجاء قرار القبائل الليبية، عقب اجتماعها في منطقة الزويتينة (شرق)، تعبيراً منها عن رفضها استعمال الثروة النفطية، إنتاجاً وتصديراً، في تمويل التدخل التركي، ودفع أجور المرتزقة الأجانب، وتوريد الأسلحة لمواجهة الجيش الوطني.وبعد ساعات من إغلاق حقول ومنشآت النفط في المنطقة الشرقية .أعلن حراك غضب فزان غلق حقلي الشرارة النفطي والفيل الواقعين بجنوب غرب ليبيا وذلك قبيل عقد مؤتمر برلين الدولي حول ليبيا.
واستضافت العاصمة الألمانية برلين، في 19 يناير/ كانون الثاني 2020، مؤتمرا دوليا حول ليبيا بمشاركة دولية رفيعة المستوى.وأصدر المشاركون بيانا ختاميا دعوا فيه إلى تعزيز الهدنة في ليبيا، ووقف الهجمات على منشآت النفط، وتشكيل قوات عسكرية ليبية موحدة، وحظر توريد السلاح إلى ليبيا ووقف التدخلات الخارجية في الشأن الليبي.


لكن تركيا واصلت نقض تعهداتها مع استمرار تدفق المرتزقة الموالين لها الى ليبيا بجانب شحنات السلاح والطائرات المسيرة.وأعتبر إغلاق الحقول والمنشآت النفطية أخطر ضربة توجه لسلطات طرابلس منذ العام 2011، خصوصا وأنها ناتجة عن حراك شعبي تقوده القبائل المؤثرة في مواقع الإنتاج والتصدير، والتي تتهم حكومة فايز السراج بتمويل المليشيات والمرتزقة.
وبسبب ارتهانها للأجندات التركية،وضعت حكومة الوفاق نفسها أمام القبائل الليبية،التي وضعت خمسة شروط لإعادة فتح الحقول والموانئ النفطية، وهي إسقاط الاعتراف بحكومة فايز السراج، وتغيير رئيس المصرف المركزي، ومدير المؤسسة الوطنية للنفط، وتشكيل حكومة تسيير أعمال، وكذلك التوزيع العادل للثروة، من خلال تقسيمها إلى 4 أقاليم.
وتعيش ليبيا منذ العام 2011 على وقع انفلات أمني كبير بسبب الانقسامات وغياب الدولة ما كرس لانتشار المليشيات والتنظيمات الارهابية.ومنذ الرابع من أبريل/نيسان 2019،أطلق الجيش الليبي عملية عسكرية لانهاء سطوة المليشيات في طرابلس واستعادة سلطة الدولة.ودخلت تركيا على خط الصراع تحملها أطماع في مد نفوذها في البلد الغني بالنفط.ويرى مراقبون أن القبائل الليبية قد تكون الورقة الأهم لانهاء الأزمة في البلاد كونها هي صمام الأمان لترسيخ قواعد السلم الاجتماعي وهي الضامن الأول لقيام دولة مدنية ديمقراطية مستقرة.