بعد أن عبّر في مناسبات عدة عن غضبه من أداء وزراء حكومته، اتجه الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني الى إحداث تغييرات جذرية في التشكيل الوزاري أطاح من خلالها بعدد من الأسماء التي لم تنجح في القيام بمهامها على الوجه الأفضل، والتي سبق وأن وجه إليها اتهامات مباشرة بالفشل.
ويرغب الرئيس الغزواني في تجيير قدرات الحكومة الجديدة لمواجهة التحديات التي تحاصر بلاده على كافة الصعد، ولاسيما بعد أن تحدث مؤخرا عن الأوضاع الصعبة التي تمر بها موريتانيا حيث «يواجه الشعب الموت جوعا والدولة فقيرة، وبعض الأماكن لا يجد سكانها مياهاً للشرب، كما أنهم يعيشون في الظلام، لأنهم بدون كهرباء، وحتى في المدن التي توجد فيها خدمة الكهرباء فإنها تتقطع» وفق قوله.
والخميس قبل الماضي، أنتقد الغزواني الحكومة ودعا الوزراء إلى “التحلي بالمسؤولية والحرص على أداء الواجب”، وقال، في كلمة خلال حفل تخرج دفعة موظفين من المدرسة الوطنية للإدارة بالعاصمة نواكشوط، إن «أغلب الوزارات تعاني من انعدام هيئات لحل مشاكل المواطنين، هذا أمر غير مقبول (…) هناك نقص كبير في الرقابة على الخدمات العمومية” مشيرا الى أن “الرئاسة يصلها يوميا عدد هائل من رسائل المواطنين الذين يطرحون مشاكل بسيطة، كان بالإمكان حلها في الوزارات وإدارات الدولة».
ويرى محللون محليون، أن ولد الغزواني يشعر بحجم الضغوط الاجتماعية والاقتصادية في ظل الأزمات المتلاحقة داخليا وخارجيا، ويدرك أن المرحلة القادمة قد تعرف صعوبات أشد وتحديات أكبر نتيجة الأوضاع الدولية التي تنذر بأزمة اقتصادية عابرة للحدود والقارات، مشيرين الى أن الرئيس يبدو منذ توليه الحكم قبل ثلاث سنوات وهو غير راض على أداء وزرائه الذين يفترض أنهم يتولون مهامهم الرسمية تحت إدارته المباشرة.
وكان ولد الغزواني بيّن أن حديثه «ليس سياسياً، ولا علاقة له بالانتخابات»، قبل أن يوضح أنه «كان بوده أن تكون موريتانيا دولة غنية، لكن للأسف ذلك ليس هو الحقيقة، مع أن هناك آفاقاً لتغيير هذا الوضع، أي أنه ليس مقدراً لنا أن نبقى دولة فقيرة»، على حد تعبيره. ورغم أنه وعد منذ مجيئه للحكم في صيف 2019 بأن هدفه هو القضاء على الفقر، إلا أن لا شيء تغير في حياة الأغلبية الساحقة من الموريتانيين، فوفق معطيات رسمية، يعيش 31 بالمئة من سكان موريتانيا البالغ عددهم 4 ملايين نسمة تحت خط الفقر. وفي نوفمبر 2020، وصف البنك الدولي الاقتصاد الموريتاني بأنه "بالغ الحساسية للصدمات الخارجية كاضطراب أسعار المواد الأولية والظروف المناخية والأزمات السياسية"، مردفا أنه "يعتمد على المساعدات الدولية".
وقال البنك الدولي، في تقريره السنوي عن الاقتصاد الموريتاني لسنة 2020، إن نواكشوط تصنف "ضمن الدول الأقل تطورا حيث تحتل المرتبة 160 من أصل 189 دولة حسب الترتيب العام المعتمد على مؤشر النمو البشري".
وفي مناسبات عدة، كرّر الرئيس الموريتاني توجيه الانتقادات اللاذعة الى وزراء حكومته، وهو ما دفع بالوزير الأول المهندس محمد ولد بلال الى تقديم استقالته قبل أن يتم تكليفه من جديد بذات المنصب، وبعد 48 ساعة أعلن عن تشكيلة الحكومة الجديدة التي شهدت بصمات واضحة للرئيس ولد الغزواني تمثلت في تعيين عدد من الشخصيات المقربة منه في مناصب ذات أهمية استثنائية خلال هذه المرحلة.
فوزير الداخلية الجديد محمد أحمد ولد محمد الأمين، قادم من ديوان الرئاسة، وهو من مواليد 1959 في بومديد بولاية لعصابة، وتمت تسميته بهذا الاسم تيمنا باسم والد الرئيس الموريتاني ولد الغزواني سليل احدى أكبر المشيخات الصوفية في موريتانيا وهي الطريق الغظفية التي تمثل مزيجاً بين الطريقة القادرية والطريقة الشاذلية.
ويعدّ ولد محمد الأمين، من أبرز المقربين من الرئيس ولد الغزواني ، وهو متخرج من سلك الإداريين في المدرسة الوطنية للإدارة، وعمل حاكما في أكثر من مقاطعة قبل أن يعين أمينا عاما لبلدية نواكشوط في عهد العمدة الداه ولد الشيخ ، كما عمل مستشارا فنيا لوزير الداخلية واللامركزية المرحوم لمرابط سيدي محمود ولد الشيخ أحمد قبل أن يختاره المجلس العسكري في الحكومة الانتقالية الأولى 2005 -2006 وزيرا للداخلية والمواصلات ثم انتقل إلى الخارجية حيث عين سفيرا في تركيا التي أنشأ فيها السفارة الموريتانية هناك وقضى فيها ثماني سنوات قبل أن يحول في نهاية 2018 إلى باماكو، وخلال رئاسيات يونيو 2019 كان أبرز المرافقين للمترشح ولد الغزواني ليتولى بعد ذلك منصب مدير الديوان الرئاسي ، وهو ما يعني مدى الثقة التي يحظى بها من لدن الرئيس، وما تعيينه وزيرا للداخلية في هذه المرحلة بالذات إلا إشارة مهمة الى حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه في ظل جملة التحولات المهمة داخليا وخارجيا.
وأما وزير الخارجية والتعاون والموريتانيين في الخارج الجديد الدكتور محمد سالم ولد مرزوك ، فقد جاء من منصب وزير الداخلية و اللامركزية، وهو حائز على دكتوراه في الجيوفيزياء بدرجة حسن جدا، كم تونس 1987 ، وأكاديمي وباحث بجامعة نواكشوط ، سبق أن تولى خلال فترة التسعينيات من القرن الماضي إدارة حقائب التجهيز والنقل والمياه والطاقة والعدل والصحة والشؤون الاجتماعية وشغل منصب مستشار برئاسة الجمهورية مكلف بالقطاع الريفي ، وشغل من فبراير 2002 إلى أبريل 2013 مهمة المفوض السامي لمنظمة استثمار نهر السنغال ومن 2010 إلى 2013 مهمة الرئيس العالمي للشبكة الدولية لمنظمات الأحواض ، ومن 2016 الى 2019 مهمة المستشار الدبلوماسي لرئيس الجمهورية السابق محمد ولد عبد العزيز.
ويعتبر ولد مرزوك من الشخصيات السياسية المخضرمة في إدارة الشأن العام بالبلاد، وقد استطاع أن يحافظ على حضوره في مراكز القرار خلال مراحل سياسية عدة منذ الرئيس الأسبق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع.
وأما بقية الوزراء، فهم وزير المالية إسلم محمد امبادي المفتش بالوزارة ذاتها، والذي سبق له أن تولى منصب المدير العام لإدارة الضرائب، ووزير الوظيفة العمومية والعمل محمد عبد الله عثمان، القادم بدوره من إدارة التقييس وترقية الجودة في وزارة التجارة، ووزير التحول الرقمي الشيخ الكبير مولاي الطاهر الذي كان الى حين تعيينه في هذا المنصب محافظا للبنك المركزي الموريتاني، وشغل قبل ذلك مناصب أخرى منها منصب وزير الشؤون الاقتصادية والصناعة ووزير التشغيل والدمج والتكوين المهني.
وأول أمس الخميس، أصدر الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، مرسومًا بتعيين محمد الأمين ولد الذهبي محافظًا للبنك المركزي بعد أن كان يشغل منصب وزير المالية منذ وصول ولد الغزواني إلى الحكم.
وتضم الحكومة الجديدة كذلك محمد ولد عابدين ولد امعييف وزيرا للصيد والاقتصاد البحري، ومحمد ولد اسويدات، وزيرا للتنمية الحيوانية بعد أن كان أمينا عاما لوزارة الثقافة والشباب والرياضة والعلاقات مع البرلمان، وآدام بوكار سوكو وزيرا للزراعة، بعد أن تولى منذ أغسطس 2020 منصب وزير أمين عام لرئاسة الجمهورية، وأشرف قبل ذلك على حقيبة التعليم الأساسي.
كما تضم الحكومة الجديدة ولد اليدالي وزيرا للتجهيز والنقل، وسيدي محمد ولد الطالب أعمر الذي يتولى رئاسة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم وزيرا للمياه والصرف الصحي، ومحمد الأمين آبي الشيخ الحضرامي القادم من منصب مكلف بمهمة في مؤسسة الرئاسة وزيرا للتعليم العالي والبحث العلمي، وختار ولد الشيباني وزيرا للثقافة والشباب والرياضة والعلاقات مع البرلمان.
وآلت أربع حقائب وزارية في الحكومة الجديدة الى نساء، إذ تم تعيين صفية بنت انتهاه، في منصب وزيرة العمل الاجتماعي والطفولة والأسرة، خلفا للناها بنت هارون ولد الشيخ سيديا.
وتم تعيين آيساتا داوودا جالو، وزيرة البيئة والتنمية المستدامة، خلفا لمريم بكاي، وتم تعيين زينب أحمدناه، في منصب الوزير الأمين العام للحكومة، خلفا لجالو أمدو صمبا.
كما تم تعيين لاليا كمرا، وزيرة التشغيل والتكوين المهني، خلفا للطالب ولد سيد أحمد الذ غادر الحكومة.
فيما غادرت الحكومة، أيضا الناها بنت مكناس، التي تم تعيينها في منصب الوزيرة المستشارة برئاسة الجمهورية، خلفا لكمبا با.
وغادر الحكومة 15 وزيرا، من أبرزهم وزير الخارجية إسماعيل ولد الشيخ أحمد، ووزير المالية محمد الأمين الذهبي، ووزيرة التعليم العالي آمال الشيخ عبدالله، ووزير الصحة سيدي ولد الزحاف، ووزير المياه والصرف الصحي حسنه ولد بوخريص.
وحافظ 10 وزراء على حقائبهم وهم وزير العدل محمد محمود ولد بيه، والدفاع حننا ولد سيدي، والاقتصاد عثمان مامادو كان، والشؤون الإسلامية الداه ولد أعمر طالب، والتهذيب الوطني محمد ماء العينين، الذي أضيفت له مهمة الناطق باسم الحكومة.
وكما حافظ على موقعه في الحكومة، وزير البترول والمعادن والطاقة عبد السلام ولد محمد صالح، والإسكان والعمران سيد أحمد ولد محمد.
وأبرز الوزير الأمين العام لرئاسة الجمهورية يحيى ولد أحمد الوقف إن الحكومة الجديدة تأتي في “ظرفية استثنائية يمر بها العالم”، في إشارة إلى تداعيات جائحة كورونا والحرب الروسية في أوكرانيا، وما يصاحبها من ارتفاع في أسعار المواد الغذائية والمحروقات ،وأضاف أنه في هذه الظرفية فإن ولد الغزواني حرص على “الرفع من فعالية الأداء الحكومي عمومًا، وخاصة فيما يتعلق منه بتحسين ظروف المواطنين” ،كما شدد على “إصلاح الإدارة وتحسين جودة الخدمات”، وذلك من خلال التركيز على “مستوى شموليتها وتقريبها من المواطن” ،مؤكدا أن الهدف من ذلك هو تمكين المواطن من “إجراء كافة معاملاته واستيفاء كل حقوقه بيسر وسلامة وكرامة، تكريسا لأولوية وتقدم المواطنة على سائر ما سواها من الاعتبارات الأخرى”، وفق تعبيره.
ويأتي الفريق الحكومي الجديد من أجل “ضخ نفس جديد في الجهاز الحكومي للرفع من ديناميكيته من حيث السرعة والجودة في تنفيذ ما ترجم إليه برنامج تعهداتي من سياسات عمومية وبرامج تنموية”، ومن أجل “تعزيز مشاركة الشباب في صنع القرار وفي تدبير الشأن العام”.
وقال منتدى أوكار للتنمية والثقافة والإعلام إن التشكيلة الوزارية الجديدة بقيادة المهندس محمد ولد بلال مسعود، حملت بوادر تحول جذري في نظرة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني للأوضاع السياسية والاقتصادية بالبلد، وسعيه الحثيث لضبط الأمور وتعزيز الشفافية والحكم الرشيد، وهي أمور حملها الرجل وشغلت باله منذ انتخابه رئيسا للجمهورية يونيو 2019.
وأبرز المنتدى في بيان له أمس الجمعة ، إن حجم التغيير الذي طال تشكيلة الحكومة، ونوعية الأفراد القادمين إليها، وآلية الاختيار، كلها أمور تبعث على الطمأنينة، وتعزز منسوب الأمل لدى النخبة، وتقطع الطريق أمام دعاة التثبيط والإرباك الذين يحاولون قلب الحقائق على أرض الواقع، وإلهاء الرئيس والحكومة بالحوارات الجانبية، والقضايا الهامشية، والتشاور غير المقيد بآجال زمنية، معتبرا أن عودة الأمر إلى أهل الاختصاص والخبرة والتجربة كان المعيار الذى حكم مجمل الملفات، كالداخلية والدفاع، والعدل، والتعليم، والثقافة والتجهيز والإسكان، والمياه، ومندوبية تآزر، وقطاع البيطرة، ناهيك عن إعطاء دفع جديد وراحة لمؤسسة الرئاسة بتعزيز معاوني الرئيس برجل ثقة وصاحب خبرة وتجربة، وله علاقات وازنة كالوزير الأول السابق يحي ولد أحمد الوقف.
وأعلنت رئاسة الجمهورية في موريتانيا، الخميس ، أنه تم تعيين محمد عالي ولد سيدي محمد مندوبا عاما لوكالة التضامن ومكافحة الإقصاء "تآزر"، بعد أن كان يشغل منصب رئيس المنطقة الحرة في نواذيبو.
وتم تعيين الناها بنت مكناس وزيرة مستشارة برئاسة الجمهورية بعد أن كانت تشغل منصب وزيرة للتجارة والصناعة والسياحة في الحكومة المستقيلة، وهو المنصب الذي يشغله في الحكومة الجديدة لمرابط ولد بناهي.
وبحسب مراقبين ، فإن الحكومة الجديدة وإن كانت تعتمد بالأساس على الكفاءات الوطنية « التكنوقراط » ، إلا أنها لن تستطيع الإفلات من الضغوط السياسية التي تواجهها سواء بسبب التحديات الداخلية أو الضغوط الإقليمية والدولية ،ويرى المحلل السياسي أحمد ولد مولاي امحمد ، إن الرئيس ولد الغزواني « وهو الغاضب المحبط من أداء أكثر الشخصيات التي منحها كامل الثقة وكامل الصلاحيات والموارد، يدرك اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أن الجمهورية الإسلامية الموريتانية يجب أن تكون بالفعل دولة قانون ومؤسسات وليست دولة لوبيات ونفاق وتملق وتدليس وكذب على المواطن وخديعة للحاكم على طريقة بعض الأنظمة السابقة، لذلك فإن الرئيس لم يكن في معرض تمثيل للرجل الغاضب، بل كان غاضبا بالفعل وما يزال، وأتوقع شخصيا تغييرات جذرية وغير مسبوقة، بل ومحاكمات للمفسدين من أعضاء الحكومة الحالية وكبار المسؤولين الذين نهبوا ثروات الوطن وحولوا قطاعاتهم إلى إقطاعيات خاصة، بفعل ثقة رئيس الجمهورية فيهم ومنحهم كامل الصلاحية في الإدارة والتسيير، وهي مسؤولية سيجد الرئيس نفسه ملزما بتحمل تبعاتها عبر محاكمة هؤلاء بتهم الفساد والتبديد وهو ما ستشهده الأيام والأسابيع القادمة، إن كانت غضبة الحليم ما تزال على حالها وكان الرئيس جادا بالفعل في بناء دولة قانون ومؤسسات حقيقية » وفق تقديره.