بدا واضحا منذ اليوم الأول لإعلان الجيش الليبي إنطلاق عملية تحرير العاصمة الليبية طرابلس من سلطة المليشيات المسلحة التي ترسخ وجودها في البلاد منذ إندلاع الأزمة فيها في العام 2011،أن المعركة لن تكون سهلة في ظل الدعم الذي تحضى به المليشيات من طرف دول اقليمية سرعان ما تحركت في محاولة للدفاع عن حلفائها الذين يمثلون الذراع الحامي لمصالحها في بات نهبا لتجار الشعوب.
لكن التبجح الذي ظهرت به القيادات المليشياوية وبعض الوجوه الارهابية متوعدة بهزيمة الجيش الليبي سرعان ما اصطدمت بواقع العمليات العسكرية على الأرض.حيث نجح الجيش الليبي في التقدم منذ الأيام الأولى لبداية العمليات العسكرية ليسيطر على عدة محاور في العاصمة بينها "صلاح الدين" و"طريق المطار" و"الكريمية" وبات على بعد بضع كيلومترات من المدينة.
وكشف اللواء عبد السلام الحاسي، آمر غرفة عمليات طرابلس بالجيش الليبي،في حوار لوكالة "سبوتنيك"،الأربعاء الماضي، أن القوات المسلحة العربية الليبية تقترب من العاصمة بمسافات متفاوتة من محور لآخر، وأن بعض الوحدات وصلت إلى ضواحي العاصمة الشرقية والغربية والوسط، وبعض الوحدات تبعد مسافة 15 كيلومترا عن مركز العاصمة.
وفي الوقت الذي بدأت فيه حدة الاشتباكات في التصاعد مع تواصل تقدم الجيش الليبي،استهدف قصف صاروخي عنيف في ساعة متأخرة من مساء الثلاثاء حيي ابو سليم والانتصار السكنيين في جنوب العاصمة،ما أسفر عن سقوط عدد من الضحايا المدنيين بين قتيل وجريح وفقا لتقارير اعلامية.
وسرعان ما ظهر رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج،ومن قبله وزير داخليته فتحي باشاغا صحبة آمر المنطقة العسكرية الغربية اللواء أسامة الجويلي،منددين بقصف المدنيين ومتهمين قوات الجيش بقيادة المشير خليفة حفتر بالمسؤولية عن قتل وإصابة مدنيين في هذا القصف،في مشهد وصفته صحيفة "العرب" اللندنية بأنه مسرحي سيء الإخراج.
وبالتزامن مع ذلك سارعت قنوات ومواقع على شبكات التواصل الاجتماعي تابعة لجماعة "الاخوان" الى كيل الاتهامات للجيش الليبي بعد لحظات من القصف متهمة اياه بالوقوف وراء استهداف المدنيين وسط عمليات تحريض بضرورة التظاهر ضد الهجوم العسكري الذي تشنه القوات المسلحة لتحرير المدينة.
وفي ردها على ما وصفته بالادعاءات،سارعت شعبة الإعلام الحربي، التابعة للجيش الوطني الليبي، بنشر مقطع فيديو قالت المليشيات إنه "يوضح قصف الجيش الليبي للمدنيين"، مؤكدة أنه يعود لعام 2015 وانه خاص بالعمليات العسكرية في اليمن وليس ليبيا. وأضافت شعبة الإعلام، في بيان، علي صفحتها بموقع "فيسبوك": "كعادتها وعند كل هزيمة أمام ضربات رجال قواتنا المسلحة، تبدأ مليشيات لصوص الاعتمادات المجرمة في حالة الجنون والقصف العشوائي على أحياء العاصمة في محاولة يائسة لاستعطاف العالم لكي يهب لنجدتها وإنقاذها من مصيرها المحتوم".
وقال رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب طلال الميهوب، في بيان له إن التشكيلات المسلحة في العاصمة طرابلس قامت بقصف المدنيين وترويعهم لاستعطاف المجتمع الدولي" مضيفا " تبين جليا هذه الفبركة بتوقف القصف فجأة "وزيارة رئيس المجلس الرئاسي لأماكن القصف مرتين".
من جهته،وصف المتحدث باسم الجيش الليبي أحمد المسماري، القصف العشوائي الذي استهدف أحياء بالعاصمة طرابلس ما أدى إلى سقوط ضحايا من المدنيين بأنه "جريمة حرب".وقال المسماري خلال مؤتمر صحافي عقده اليوم الأربعاء، "إن المناطق التي تعرضت للقصف تقع خارج مدى صواريخ الجيش الليبي"، مشيرا إلى أن القصف في طرابلس تم عبر "راجمات 107" محدودة التدمير.
ونفى المسماري، استخدام الجيش الليبي صواريخ جراد في معركة طرابلس، قائلا "ليس لدينا صواريخ يصل مداها من منطقة تمركزنا إلى منطقة القصف، هدفنا ليس قتل المدنيين، ولم نستهدف أي مقر عسكري وسط الأحياء السكنية بطرابلس، قوات الوفاق تضحي ببعض المواطنين لتأليب الرأي العام ضد الجيش الوطني للحصول على دعم دولي لتمرير قرار بريطاني في مجلس الأمن ضد الجيش.
وفشلت بريطانيا التي تقدمت بمشروع قرار يطالب بوقف فوري للقتال في غرب ليبيا،ونقلت وكالة "فرانس برس"،عن دبلوماسيين في الأمم المتحدة، أن مشروع قرار حول ليبيا عرضته بريطانيا على الدول الـ14 الأخرى الأعضاء في مجلس الأمن الدولي ويطالب بوقف لإطلاق النار والسماح بإيصال المساعدات الإنسانية إلى مناطق القتال بالقرب من طرابلس بلا شروط، "لم يلق إجماعًا بعد".
وقالت روسيا انها ترفض النسخة المعدلة من مشروع قرار بريطانى في مجلس الأمن حول وقف الأعمال القتالية فى ليبيا.ووفق وكالات أنباء أعرب الوفد الروسي في مجلس الأمن عن استغرابه من تجاهل ملاحظاته على مشروع القرار البريطاني بشأن ليبيا، داعيا لمزيد من المشاورات كي يخرج مشروع القرار متوازنا.
وتنقسم المجموعة الدولية حول العملية العسكرية التي يودها الجيش الليبي لتحرير العاصمة الليبية،ويرى مراقبون،أن المجموعة الدولية بما في ذلك القوى التي تعارض هجوم قوات الجيش على طرابلس،تدرك أن العاصمة الليبية أصبحت رهينة ميليشيات مسلحة بعض منها متشددة وأخرى متهمة من قبل الجيش الليبي بالتورط في أنشطة إجرامية مثل تهريب البشر.
وتتخوف عدة دول من انضمام عناصر ارهابية ومطلوبين للحرب ضد الجيش الليبي خاصة مع تتالي ظهور عدة أسماء مطلوبة في ساحة المعارك.وأعرب مسؤول في الخارجية الفرنسية لـ"العربية" عن قلقهم من مساهمة مجموعات إرهابية في معركة طرابلس.وأقر المسؤول الفرنسي بمساهمة المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي الحاسمة بقتال بتنظيم داعش.
ويشير الكثير من المتابعين للشأن الليبي أن اتهام الجيش الليبي بقصف المدنيين لا يعدو أن يكون محاولة من المليشيات المسلحة لتشويه الجيش الليبي في وقت بات يحضى فيه بدعم محلي واسع.ويتجلى ذلك واضحا في الدعوات المتسارعة للتظاهر ضد الجيش الليبي ورفض دخوله للعاصمة والتي وصلت الى المؤسسات التعليمية.
حيث دعت نقابة أعضاء هيئة التدريس بجامعة طرابلس، جميع أعضاء هيئة التدريس للمشاركة والخروج في المظاهرة السلمية،الأربعاء الموافق 17 ابريل، بميدان الشهداء ضد قصف المدنيين والإحياء السكنية التي تعرضت للقصف من قبل من وصفتهم بـ "قوات حفتر المعتدية على العاصمة طرابلس".لكن هذه الخطوة سرعان ما قوبلت بالرفض من قبل أعضاء الهيئة.
وتتزامن محاولات التشويه هذه مع تحركات يقودها المحور التركي-القطري،الداعم لمليشيات الاسلام السياسي المسيطرة على العاصمة الليبية في محاولة لتأليب المجتمع الدولي على الجيش الليبي.وبدا ذلك في بيانات الشجب والتنديد الصادرة عن البلدين المناهضة للقوات المسلحة العربية الليبية في حربها على الإرهاب وتطهير العاصمة من ميليشيات المال والإرهاب.
ودفع ذلك، لجنة الدفاع والأمن القومى النيابية فى مجلس النواب الليبى،الأربعاء،لمطالبة مجلس الأمن والمجتمع الدولى بلجم دولتى قطر وتركيا للكف عن التدخل فى شئون ليبيا الداخلية والعمل على دعم القوات المسلحة الليبية فى حربها على أخر معاقل الإرهاب فى طرابلس ورفع حظر التسليح عنها.
واستنكرت اللجنة فى بيان لها،التدخل القطرى والتركى السافر وغير المقبول بدعم الإرهاب والتطرف بالمال والسلاح لتبقى البلاد فى حالة فوضى وعدم استقرار وأخرها التصريحات القطرية فى الأمم المتحدة المناهضة للقوات المسلحة الليبية فى حربها ضد الإرهاب وتطهير العاصمة من ميليشيات المال والإرهاب.
وأدانت اللجنة انتهاك البوارج الحربية التركية للمياه الإقليمية فى محاولة بائسة لدعم المجموعات الإرهابية من خلال المنافذ البحرية والجوية بمدينتى طرابلس وزوارة.
ويشير مراقبون الى أن المحور التركي القطري يشعر بالقلق من خسارة حلفائه في ليبيا وهو ما سيفقده امتيازات كبيرة ومصالح ضخمة كانت توفرها له مليشيات التيار الاسلامي الموالية له.ويأتي ذلك في وقت تشير فيه الوقائع على الأرض الى قرب انتهاء نفوذ المليشيات مع تقدم كبير بات يحرزه الجيش الليبي وسط قناعة شعبية متنامية بخطر فوضى المليشيات على البلاد.
وفي ظل الأوضاع الراهنة لا يزال المدنيون في ليبيا يدفعون الثمن،في جو من عدم الاستقرار، والانقسام السياسي، والانهيار الاقتصادي.ويعيش الكثيرون في ظروف غير آمنة، وبيئات معادية شديدة الخطورة، ولا يحصلون سوى على القليل من الرعاية الصحية، أو الأدوية الأساسية،أوالغذاء، أو مياه الشرب الآمنة، أو المأوى، أو التعليم.ويأمل الليبيون في إنهاء سنوات من الألم والخوف وإرساء دولة مستقرة وآمنة تحقق مستقبلا أفضل للشعب