مع استمرار الفوضى في ليبيا، تشير التقارير الأخيرة إلى أن الولايات المتحدة تدرس زيادة انخراطها الدبلوماسي والعسكري في ليبيا. وفى 10 يوليو، ذكرت شبكة "سي إن إن" أن إدارة ترامب قد تستكمل قريبا سياسة جديدة لتعزيز وتوسيع الحضور الأمريكي في ليبيا.

وإذا ما تحقق ذلك، فإن هذه السياسة الجديدة لليبيا يجب أن تعطي الأولوية لتحقيق الاستقرار في البلاد بالتنسيق مع الحلفاء الأوروبيين الرئيسيين. وعلى الرغم من تردد الرئيس ترامب سابقا في اعتبار ليبيا ذات أهمية حاسمة للأمن القومي الأمريكي، أصبح من الواضح الآن أن الولايات المتحدة لا تستطيع تجاهل التهديد الأمني الذي تطرحه ليبيا على حلفاء الولايات المتحدة في جنوب البحر الأبيض المتوسط.

ويواجه جنوب أوروبا ثلاثة تهديدات أمنية رئيسية قادمة من ليبيا: الهجرة غير المشروعة، والنشاط الإجرامي، والإرهاب.

وتعد ليبيا أكبر نقطة عبور للمهاجرين نحو أوروبا؛ إذ وصل أكثر من سبعين ألف مهاجر إلى إيطاليا هذا العام؛ وفاق العدد 180 ألف شخص في عام 2016. وتشرف المنظمات الإجرامية على شبكات الاتجار بالبشر عبر الحدود من أفريقيا جنوب الصحراء إلى البحر الأبيض المتوسط وتهرب المنتجات بما في ذلك المخدرات والأسلحة. ويستفيد الإرهابيون وغيرهم من الجماعات المسلحة المتطرفة في ليبيا من هذه الأنشطة الإجرامية.

كما أن الحدود الليبية التي يسهل اختراقها تفيد المنظمات الإرهابية، كداعش، الذي شن هجمات انطلاقا من ليبيا في الدول المجاورة مثل تونس وكذلك في أوروبا.

وهذه التهديدات هي نتائج ، وليست أسبابا، لعدم الاستقرار، وغياب سيادة القانون في ليبيا.

وقد أثار تعاون حرس السواحل الليبي مع الميليشيات المسلحة القوية في المدن الساحلية في البلاد انتقادات لانتهاكات حقوق الإنسان. وقد اتهم محققون تابعون للأمم المتحدة وناشطون بعض الجماعات المسلحة بالقيام بدوريات من أجل حماية مصالحهم الإجرامية الخاصة.

وإذا كان داعش قد خرج من معقله الليبي سرت في أواخر عام 2016 بمساعدة الضربات الجوية الأمريكية، فإن الجماعة لم يتم استئصالها بأي حال من الأحوال من البلاد. وقد يسعى تنظيم داعش للاستفادة من الشبكات الإجرامية الليبية عندما تتجمع.

ولا يزال مجلس الرئاسة المدعوم من قبل الأمم المتحدة وحكومة الوفاق الوطني غير قادرين على تأكيد السلطة على البلاد في الوقت الذي يواجهان المعارضين في طرابلس والخصوم في الشرق.

وإزاء هذه الخلفية، دعت إيطاليا مرارا المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة، إلى الارتقاء بحل الصراع في ليبيا باعتباره أولوية من أولويات الاستقرار العالمي. وحتى الآن، يبدو أن تلك النداءات وقعت على أذان صماء؛ وقال ترامب في آذار / مارس إنه لا يتوقع دورا الولايات المتحدة في ليبيا خارج نطاق مكافحة الإرهاب.

ومع ذلك، فإن تقرير "سي إن إن" يمكن أن يشير إلى أن وجهة نظر الإدارة قد تحولت أو أن الأفراد داخل الإدارة الذين يعترفون بأهمية استقرار ليبيا قد يسودون في صياغة سياسة ليبيا.

وعلاوة على ذلك، أكد اجتماع عقد مؤخرا بين وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس ووزيرة الدفاع الإيطالي روبرتا بينوتي على التعاون الأمريكي والإيطالي في مجال الإرهاب وأزمة المهاجرين، وبالتالي أهمية حل الأزمة الليبية.

ووفقا لتقرير شبكة "سي إن إن" فان السياسة الجديدة لليبيا ستهدف إلى دعم المصالحة بين الفصائل المتنافسة في الشرق والغرب وسترسل ما يصل إلى خمسين جنديا من القوات الأمريكية الخاصة إلى ليبيا على أساس دوري للمشاركة في عمليات مكافحة التجسس، وتدريب القوات الليبية.

كما ستسعى السياسة الأمريكية لليبيا إلى إعادة فتح السفارة الأمريكية في طرابلس وإعادة تواجد الولايات المتحدة في مدينة بنغازي.

وقد تواجه هذه الخطة العديد من التحديات العاجلة. وأولها الحرب الجارية بالوكالة في ليبيا التي أضعفت بشدة المجلس الرئاسي / حكومة الوفاق.

وستحتاج الولايات المتحدة إلى إقناع مصر والإمارات العربية المتحدة بوقف دعمهما لمجلس النواب وخليفة حفتر في الشرق ودفع جميع الأطراف إلى الحضور إلى طاولة المفاوضات بقيادة الأمم المتحدة ، وبحسن نية.

وفي الوقت نفسه، وفيما يتعلق بمسألة التدريب، لم تشهد برامج التدريب الأوروبية للقوات الليبية نجاحا كبيرا، كما أن الجهود الأميركية لتدريب القوات في سوريا في الحرب ضد داعش شهدت أيضا تقدما ضئيلا.

إن إعادة تأسيس الوجود الدبلوماسي الأميركي في طرابلس سيبعث برسالة دعم قوية إلى المجلس الرئاسي/ حكومة الوفاق. وكانت خطوة إيطاليا في وقت سابق من هذا العام بأن تصبح أول بعثة دبلوماسية غربية تعيد افتتاح سفارتها في طرابلس بمثابة تصويت ثقة هام للحكومة التي تدعمها الأمم المتحدة.

غير أن القتال ما زال مستمرا بالقرب من طرابلس بين قوات الميليشيات المتناحرة المعارضة للمجلس الرئاسي / حكومة الوفاق الوطني. وعلى الرغم من أن حفتر أعلن مؤخرا أن بنغازي تحررت من المتطرفين من قبل جيشه الوطني الليبي، فإن الأمن في المدينة لا يزال غير مضمون.

وعلى وجه الخصوص، ينبغي النظر بحذر لما ذكرته شبكة "سي إن إن" بشأن سعي السياسة الجديدة إلى توثيق التعاون وتبادل المعلومات الاستخبارية مع حفتر. إذ من الواضح أن الرجل القوي يجب أن يدرج في أي تسوية لإنهاء الصراع الليبي.

إلا أنه، في أي تسوية، يجب تمكين الحكومة المركزية لتأسيس السلطة وتعزيز الحكم الرشيد؛ إذ لا يمكن لحفتر أن يحكم البلاد عسكريا. وإذا استمر حفتر في رفض قبول الإشراف المدني، فإن مشاركة المخابرات الأمريكية معه وجيشه الوطني الليبي من شأنها أن تضر بمصداقية المجلس الرئاسي / حكومة الوفاق.

يجب على الولايات المتحدة اتباع سياسة جديدة بشأن ليبيا بالتنسيق مع الشركاء الأوروبيين الرئيسيين، بما في ذلك إيطاليا التي جعلت من استقرار ليبيا هدفا أساسيا. وعند القيام بذلك، ينبغي التركيز على القضاء على الشبكات الإجرامية في ليبيا التي تؤدي إلى تفاقم قضية المهاجرين وتمكين الجماعات الإرهابية.

وهذان التهديدان هما الأكثر تأثيرا على الأمن القومي الأوروبي، وبالتالي المصالح الأمنية للولايات المتحدة. وعلاوة على ذلك، فإن زيادة الاستقرار في ليبيا يمكن أن تسهم في تمكين المجلس الرئاسي/ حكومة الوفاق للاضطلاع بجهود إعادة الإعمار الحاسمة.

وينبغي أن تواصل إيطاليا الضغط على إدارة ترامب بشأن أهمية تحقيق الاستقرار في ليبيا. إن المشاركة الغربية المنسقة ضرورية لإنهاء انعدام الأمن في ليبيا، والتصدي للتهديدات الرئيسية للمصالح المشتركة عبر الأطلسي، ودعم الجهود الليبية لإيجاد حل تفاوضي للأزمة.

 

*كريم ميزران كبير باحثين بمركز رفيق الحريري للشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلسي، وإليسا ميلر مساعدة مدير في المركز

**بوابة افريقيا الإخبارية غير مسؤولة عن مضامين الأخبار والتقارير والمقالات المترجمة