عقب أحداث 2011 و خاصة مع وصول دونالد ترامب للبيت الأبيض لم يكن حضور الولايات المتحدة الأمريكية قويا في المشهد الليبي. ومع ارتفاع حدّة الصراع الإيطالي الفرنسي حول لعب دور في الملف الليبي اختارت واشنطن تزكية المعسكر الإيطالي إلا أنها لم تنخرط بشكل محوري في هذا الصراع.
لكن منذ منتصف العام الماضي بدأت أولى المؤشرات البارزة على تحول الدور الأمريكي، وعقب يومين فقط من انعقاد مؤتمر باريس حول ليبيا، حيث زار قائد قوات "الأفريكوم" الأمريكية، الجنرال توماس والدهاوسر، العاصمة طرابلس، والتقى رئيس حكومة الوفاق الوطني فائز السراج.
يرى مراقبون أن تعيين ستيفاني ويليامز القائم السابق بأعمال السفارة الأمريكية في ليبيا كنائب لرئيس البعثة الأممية للشؤون السياسية بتوصية مباشرة من الرئيس الأمريكي يؤشر إلى أن أمريكا تريد أن يكون لها دور مباشر في الصراع الليبي، ومن المرجح أن السياسة الأمريكية تريد حالة من الاستقرار في ليبيا لعدة اعتبارات من أهمها: أن النفط الليبي سيغطي جزءاً من فاقد النفط الإيراني في السوق العالمي وهو بذلك سيحقق الاستقرار في أسعار النفط، كما أن هذا الاستقرار سيمثل فرص استثمارية بديلة للشركات الأوروبية التي قد تتضرر استثماراتها في إيران نتيجة العقوبات الأمريكية، إضافةً لذلك تريد أمريكا أن تلعب دور أكبر في توحيد السياسة الأوروبية المتباينة نحو ليبيا ساعيةً بذلك إلى ترميم علاقتها مع الدول الأوروبية نتيجة للتوترات الحاصلة من بعض القضايا وعلى رأسها الملف الإيراني، والضرائب التي فرضتها أمريكا على الصادرات الأوروبية إليها.
عسكريا،أعلن الجيش الأمريكي أنه لم يشارك في غارة على موقع لتنظيم القاعدة في مدينة أوباري الليبية. وكان المتحدث باسم فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني قد قال في بيان، أول أمس الأربعاء: إن "قوات أمريكية ليبية مشتركة قصفت موقعاً يتمركز به عدد من أفراد تنظيم القاعدة بضواحي مدينة أوباري".
وأوضح المتحدث محمد السلاك في بيان: "يأتي هذا العمل المشترك بين المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني والحكومة الأمريكية متزامناً مع لقاء وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، ووزير الخارجية محمد سيالة، في الاجتماع الدولي لمكافحة تنظيم داعش، الأسبوع قبل الماضي".
من جانبه ناشد رئيس المجلس الرئاسي، فايز السراج الجنرال توماس والدهاوسر، قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا، بزيادة وتوسيع نطاق التنسيق الأمني والعسكري مع الأجهزة العسكرية والأمنية الليبية، وألّا يقتصر التعاون الاستراتيجي على مكافحة الاٍرهاب. وطالب السراج على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن الجنرال توماس والدهاوسر بإعداد برنامج تدريبي ميداني لوحدات عسكرية خاصة بالاستعانة بمدربين من "الأفريكوم".
وبين الكاتب كارلو مونوز، في مقال على موقع "ذي واشنطن تايمز" أن بعض الخلافات ظهرت بين القادة العسكريين الأمريكيين والبيت الأبيض حول دور الولايات المتحدة مستقبلا ليبيا، وقد تساءل هؤلاء القادة عن مبررات الإدارة الأمريكية بالقول إن النجاح الذي تحقق مؤخرا ضد تنظيم الدولة يسمح لليبيا أن تواصل لوحدها المعركة ضد الإرهاب، دون مساعدة أمريكية مباشرة.
تعمل الإدارة الأمريكية بمنطق ترتيب الأولويات إلا أنها لا تعتبر الفصل في الملف الليبي بمعزل عن باقي ملفات المنطقة،فملف مكافحة الإرهاب، وكون ليبيا من أكثر الوجهات التي من المرجح أن ينتقل إليها عناصر من الجهاديين الهاربين من سوريا.
أيضاً فإن أمريكا تريد بإحياء العملية السياسية في ليبيا وإنهاء الصراع قطع الطريق أمام التوسع الروسي في المنطقة بعد تقارير استخباراتية بحسب واشنطن تايمز أشارت إلى وجود تواصل بين موسكو وقائد عملية الكرامة وسعي موسكو إلى أن يكون لها وجود عسكري في ليبيا، وهو ما يجعلها تقف على بوابة الاتحاد الأوروبي الجنوبية.