أصدر مجلس الوزراء الإيطالي، الجمعة، مرسوماً يقضي بإرسال بعثة عسكرية بحرية إلى المياه الإقليمية الليبية؛ لدعم حرس السواحل المحلي، وفق ما نقله التلفزيون الإيطالي الحكومي. وذكر التقرير المتلفز أن "جلسة مجلس الوزراء يوم الجمعة أصدرت المرسوم الذي ينص على إرسال بعثة عسكرية تضم سفناً إيطالية إلى المياه الإقليمية الليبية؛ لدعم عمل خفر السواحل المحلية". وتتمثل مهمة البعثة الإيطالية في "المساعدة على التحكم في تدفقات الهجرة، من خلال وقف قوارب المهربين، وإعادة المهاجرين إلى البر الليبي"
رفض داخلي
انتقد برلماني إيطالي معارض المرسوم الحكومي الخاص بمنح خفر السواحل الليبي زوارق دورية بحرية لمراقبة المياه الليبية والتصدي للهجرة غير الشرعية، مشيرًا إلى أن «ليبيا لم توقع على إتفاقية جنيف ودولة بلا حقوق حتى لليبيين»، على حد وصفه. وقال النائب المنتمي لكتلة «أوروبا+»، أمين عام الحزب الراديكالي الإيطالي، ريكاردو ماجي، خلال جلسة نقاش عام بمجلس النواب: «مع المرسوم الحكومي نحن نمنح أدوات خفر السواحل والشرطة المالية الإيطالية لتعزيز خفر السواحل في دولة لا وجود لها، لإعادة أشخاص تم إنقاذهم في البحر إلى بلد غير آمن»، بحسب وكالة «آكي» الإيطالية.
وأضاف: "ليبيا لم توقع على اتفاقية جنيف، بلد بلا حقوق حتى لليبيين أنفسهم، وفيه تحدث، كما جاء على لسان المفوض السامي لمفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فظائع لا يمكن تصورها". وتابع البرلماني الإيطالي المعارض: "لا كيان في ليبيا يمتلك سلطة حقيقية، تتمتع بالاعتراف والشرعية، فهناك مجلس رئاسي منفصل عن برلمان.. لا توجد حكومتان، بل لا حتى حكومة واحدة فاعلة". وأردف: "لذلك عندما تعطي إيطاليا زوارق دورية إلى خفر السواحل الليبي، إلى أي جهة عسكرية أو شبه عسكرية تؤول؟. فضلًا عن ذلك، فإن القطع البحرية الممنوحة ليست مناسبة لعمليات الإنقاذ في البحر، بل في الحقيقة هي زوارق دورية لاعتراض وإعادة المهاجرين"، على حد تعبيره.
موافقة مشروطة
اشترط الحزب الديمقراطي الإيطالي المعارض إدخال ثلاثة تعديلات للتصويت لصالح المرسوم الحكومي الخاص بمنح حرس السواحل الليبي 12 زورق دورية، الذي سيعرض على مجلس النواب الأسبوع القادم. وتنص التعديلات المقترحة على الائتلاف الثنائي الحاكم (حركة خمس نجوم-رابطة الشمال)، وفق وكالة الأنباء الإيطالية «آكي»، وجود هيئات تابعة للأمم المتحدة على متن سفن خفر السواحل الليبي، وكذلك في مخيمات اللاجئين في ليبيا، كما يشترط الحزب الديمقراطي مصادقة الحكومة الليبية على اتفاقية جنيف. وفي مقابلة مع صحيفة إيطالية، عزا رئيس الحزب الديمقراطي ماتّيو أورفيني التصويت المشروط لصالح المرسوم الحكومي بمجلس النواب على الرغم من إقرار برلمانيه للمرسوم في وقت سابق بدون تحفظ في تصويت بمجلس الشيوخ، إلى عدم وجود أي نوع من الضمانات.
موقف الجيش من التدخل الإيطالي
سبق أن حذرت القيادة العامة للجيش الليبي في 30 يونيو 2018، بعض الأطراف الدولية التي ترغب في إنشاء وجود عسكري لها في بعض مناطق الجنوب الليبي بحجة التصدي للهجرة غير الشرعية. وجاء التحذير بعد تأكيد تقارير إعلامية إيطالية، على أن اتفاقا جرى بين رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق المدعومة دوليا فايز السراج، ووزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفني ، بإنشاء قاعدة عسكرية في مدينة غات جنوب غرب البلاد.
وأعاد تحذير القيادة العامة إلى الإذهان التوتر الذي حصل بينها وبين إيطاليا منتصف العام الماضي، بعد أن هددت إيطاليا بتحريك بوارجها نحو السواحل الليبية للسيطرة على الهجرة. وأعطى خليفة حفتر حينئذ أوامره لسلاح الجو بالتصدي لأي قطع بحرية إيطالية تنتهك حرمة السيادة الليبية. وقالت مصادر عسكرية إن حفتر أعطى أوامره كذلك للبحرية الليبية في بنغازي ورأس لانوف وطبرق بالتصدي لجميع القطع البحرية الإيطالية التي لا تملك تصاريح دخول رسمية إلى المياه الإقليمية الليبية.
لكن التوتر سرعان ما هدأ بعد زيارة قام بها حفتر إلى روما وتراجعت إيطاليا في ما بعد عن تنفيذ تهديداتها. وتثير المبررات التي تقدمها إيطاليا لإنشاء قاعدة عسكرية في غات الشكوك. ويقول مراقبون إن الهدف ليس التصدي للهجرة غير الشرعية، وإنما حماية حقل الوفاء الذي ينطلق منه خط الغاز الرابط بين إيطاليا وليبيا، بالإضافة إلى حرب النفوذ بين إيطاليا وفرنسا للسيطرة على الثروات المكتشفة حديثا في التشاد والنيجر والتي تحتاج إلى ليبيا كمنفذ لإيصالها إلى أوروبا.
أطماع إيطالية
وتعتبر روما، ليبيا منطقة نفوذ لها، فجغرافيًا لا تفصل ليبيا عن إيطاليا إلا أمواج المتوسط، وتاريخيًا كانت ليبيا أهم المستعمرات الإيطالية في إفريقيا حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، ولم تنقطع الصلات بين البلدين حتى عندما كانت ليبيا في عزلة جراء العقوبات التي فرضت عليها عام 1992، فقد ظلت شركة "إيني" الإيطالية المستثمر الأساسي في الغاز والنفط الليبي، وكانت روما إحدى بوابات عودة ليبيا للمجتمع الدولي التي بدأت تدريجيًا 2003. يقر مراقبون أن روما تأمل في الحصول على النصيب الأكبر من السوق الليبية وتأمين أسواق مستقبلية لإصلاح اقتصادها المتردي، في ظل المنافسة مع العديد من القوى الإقليمية في ليبيا خاصة بمجال النفط، فليبيا تحتوي على ثروات هائلة من النفط وتقدر احتياطاتها بنحو 46.6 مليار برميل، وهي الأكبر في إفريقيا.
وتستورد إيطاليا 80% من احتياجاتها من الطاقة، ويذهب نحو 32% من إنتاج النفط الليبي إلى إيطاليا ليمثل 25% من وارداتها، كما تستورد إيطاليا نحو 12% من احتياجاتها من الغاز من ليبيا أيضًا. يذهب آخرون أن إيطاليا ترى في ليبيا "المستعمرة" القديمة التي لا يجب مزاحمتها عليها، فليبيا بالنسبة إليها مجال حيوي خاص وأرض خصبة لا يجب أن يكثر حولها الطامعون، لذلك فهي تسعى إلى عدم تهميش دورها في العملية السياسية في ليبيا والحفاظ على مصالحها النفطية وضمان إدارة عملية مكافحة تهريب اللاجئين.