عادت الخلافات لتطفو على سطح العلاقات بين إقليمي برقة وطرابلس ، رغم الخطوات المتقدمة ظاهريا والتي تم قطعها في مجال توحيد المؤسسات تحت غطاء حكومة الوحدة الوطنية المشكلة في مارس الماضي على أنقاض حكومتي الوفاق في غرب البلاد والحكومة المؤقتة في شرقها.
ويتهم فاعلون سياسيون في إقليمي برقة وفزان حكومة المهندس عبد الحميد الدبيبة بفتح المجال أمام إقليم طرابلس للاستئثار بالسلطة الفعلية سواء من خلال التعيينات المسقطة ، أو من خلال تهميش المسؤولين المحسوبين على الإقليمين الشرقي والجنوبي ، وهو ما دفع برئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح ، الى توجيه رسالة الى الدبيبة  طالبه فيها بمنح الصلاحيات الكاملة لنائبي رئيس مجلس الوزراء ( عن إقليمي برقة وفزان ) والوزراء وبالتأكيد على ان يكون العمل مؤسساتيا ، كما دعاه الى إعادة كل الإدارات والأجهزة الى الوزارات التي كانت تتبعها قبل أن يتم إلحاقها برئاسة الحكومة  
جاء ذلك ، في ظل انتقادات واسعة لمحاولات تهميش الوزراء المحسوبين على المنطقة الشرقية والموظفين الذين كانوا يعملون في ظل الحكومة المؤقتة التابعة للبرلمان قبل أن يتم تشكيل حكومة الوحدة الوطنية ونيلها ثقة البرلمان في منتصف مارس الماضي ، الى جانب حالة الجدل التي بلغت مستوى الخلاف الصريح بين المجلس الرئاسي ووزارة الخارجية حول التعيينات في البعثات الليبية بالخارج
فقد استنكرت لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب قرار الدبيبة القاضي بتشكيل لجنة لحصر وتصنيف موظفي وزارة الخارجية ، والذي اقتصر فقط على حصر موظفي وزارة الخارجية بالحكومة المؤقتة ومقرها مدينة البيضاء ( شرق ) ولم يشمل موظفي وزارة الخارجية بما كانت تسمى “حكومة الوفاق” ومقرها مدينة طرابلس( غرب )
واعتبرت اللجنة، القرار انحيازا لجانب دون الأخر وتجاوزا لمخرجات اتفاق جنيف الذي جاء بحكومة الوحدة الوطنية، معبرةً عن بالغ قلقها من أن يكون لهذا القرار عواقب وخيمة على مسار التوافق الوطني وتوحيد المؤسسات في الحكومة المؤقتة وحكومة الوفاق.
وأشار اللجنة إلى أن “هذا القرار يبدو كتصفية حسابات مع السلطات السابقة، وسيغذي المشاعر بالإقصاء والظلم في الوقت الذي نسعى لطي صفحة الماضي الأليم، علما أن موظفي الحكومة المؤقتة من كافة أنحاء ليبيا وليسوا من جهة واحدة” وفق نص البيان
كما عبرت اللجنة عن استغرابها مما وصفته بالتجاوز القانوني لوزيرة الخارجية، بقيامها بمراسلة رئاسة الوزراء لتشكيل اللجنة المذكورة رغم أن هذا يقع ضمن اختصاصات وزارتها ، ودعت الدبيبة إلى “سحب القرار فوراً واعتباره في حكم العدم وإعادة صياغته بحيث يشمل تصنيف الموظفين في كلتا الوزارتين بالحكومة المؤقتة وحكومة الوفاق وأي حكومات سابقة”.
وفي الثالث من يوليو الجاري ،قرر رئيس مجلس الوزراء بحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة عبد الحميد الدبيبة، تشكيل لجنة تتولى حصر وفرز ملفات الموظفين بـوزارة الخارجية بالحكومة المؤقتة، وتحديد من تنطبق بشأنهم شروط وضوابط العمل في الخارجية من عدمه.
وجاء في القرار أن اللجنة شكلت وفقا للقانون رقم (2) لسنة 2001م، بشأن تنظيم العمل السياسي والقنصلي ولائحته التنفيذية، وتعديلاتهما.
وتشكلت اللجنة من: مدير الشؤون الإدارية والمالية بوزارة الخارجية والتعاون الدولي رئيسا، وعضوية كل من: عبد الخالق إبراهيم أبوزيد عن إدارة الشؤون القانونية والشكاوى بديوان رئاسة مجلس الوزراء، ومدير مكتب التفتيش والرقابة بوزارة الخارجية، ومدير إدارة التنظيم الإداري والملاكات بوزارة الخدمة المدنية.
وحسب القرار، يكون للجنة مقرر يتولى تحرير محاضرها وتوثيق اجتماعاتها وحفظ ملفاتها ونتائج أعمالها، وتتم تسميته من قبل رئيس اللجنة.
ومن مهام اللجنة فرز الموظفين وتصنيفهم بما يوافق التشريعات النافذة لشغل الوظيفة بوزارة الخارجية، وحصر وفرز الملفات التي لا تتوافر فيها شروط وضوابط العمل بالوزارة، واقتراح اتخاذ ما يلزم من إجراءات بشأنها.
كما تختص اللجنة بالتنسيق مع الجهات المعنية في شأن التثبت من مستندات شغل المعنيين لوظائفهم. ويمكن لها الاستعانة بمن ترى الحاجة إليه، فيما تقرر عرض تقرير بنتائج أعمالها على وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش، لإحالة ما يستوجب إحالته إلى رئيس مجلس الوزراء لاتخاذ اللازم بشأنه.
وتعرض قرار الدبيبة الى انتقادات واسعة ، حيث اعتبره معارضوه محاولة للانقلاب على الاتفاق السياسي وتصفية حسابات مع الحكومة المؤقتة التي كان يرأسها عبد الله الثني وحظيت بثقة مجلس النواب في 22 سبتمبر 2014 لتمارس مهامها من مدينة البيضاء ، بعد سيطرة منظومة فجر ليبيا على العاصمة طرابلس في إطار انقلاب تيار الإسلام السياسي والميلشيات الجهوية على نتائج الانتخابات البرلمانية آنذاك ، معتبرين أن القرار كان يمكن أن يحظى بالقبول لو أنه شمل كافة الموظفين المعينين سواء في وزارة الخارجية والتعاون الدولي التابعة لحكومة الثني أو في نظيرتها التابعة لحكومة الوفاق برئاسة فائز السراج المتهمة بدفع العشرات من أمراء الحرب ومسلحي الميلشيات والمقربين من جماعة الإخوان الى وظائف مهمة في الخارجية وفي البعثات الديبلوماسية من سفارات وقنصليات ، إضافة الى ملفات الفساد الذي كان مستشريا داخلها وتم الكشف عنه من قبل ديوان المحاسبات في عدد من التقارير المعروض أغلبها على مكتب النائب العام
ولا تقف الخلافات بين شرق وغرب البلاد عند هذا الحد ، وإنما تصل الى ملف التعيينات الديبلوماسية ، وهو ما جعل المتحدثة باسم المجلس الرئاسي نجوى وهيبة تعلن “أن المجلس الرئاسي أصدر قرارا بإلغاء تعيينات في بعثات دبلوماسية في الخارج حفاظا على الوحدة الوطنية والأسس والمعايير المهنية في التعيينات من هذا المستوى”.
ويعتبر الحديث عن الحفاظ على الوحدة الوطنية أساس القرار ، إشارة الى الخلافات الجهوية والمناطقية حول التعيينات أو الإعفاءات المثيرة للجدل ، سواء كانت لفائدة هذا الطرف أو ذلك،
وكان المجلس الرئاسي وجه في مايو الماضي تحذيرات إلى وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش ، داعيا إياها إلى ضرورة التريث في اتخاذ بعض القرارات المتعلقة بإعفاء وتعيين موظفين وسفراء في البعثات الديبلوماسية خارج البلاد.
واعتبر رئيس المجلس محمد المنفي أن وزيرة الخارجية ارتكبت مخالفة صريحة بإعفاء ثلاثة سفراء ومندوبين، والإسراع في تعيين آخرين مكانهم ، كما طلب منها عدم اتخاذ أي إجراء يتعلق بتسمية أو إعفاء أو سحب السفراء وممثلي الدولة الليبية، إلا عن طريق اقتراح من رئيس الحكومة موجه إلى المجلس الرئاسي.
وتعلق الأمر بقرار إعفاء وفاء بوقعيقيص سفيرة ليبيا في الولايات المتحدة ، وصالح الشماخي مندوب ليبيا لدى جامعة الدول العربية ، وسنية غومة سفيرة ليبيا في سلطنة عمان ،من مناصبهم
 لكن المنقوش دافعت عن نفسها، وأكدت أنها مارست اختصاصاتها وفق صحيح القانون والاتفاق السياسي فيما يخص إبلاغ السفراء والمندوبين بانتهاء فترة إيفادهم بالخارج وعدم رغبة الوزارة بالتمديد لأي منهم، وتكليف أقدم الدبلوماسيين بمهام تسيير تلك السفارات والبعثات ، وأكدت حرص الوزارة على أن تسود روح الانسجام بين مختلف الأطراف المعنية بإدارة ملف البعثات الديبلوماسية والسفارات الليبية في الخارج،، وألا تتورط في خلافات وقعت فيها السلطات السابقة ما أدى الى إرباك التمثيل الدبلوماسي لليبيا، وفق تعبيرها،  وأدى لخلق حالة فوضوية داخل البعثات الدبلوماسية الليبية،
ويرى المراقبون أن الخلافات الحادة سواء بين شرق وغرب البلاد أو بين المجلس الرئاسي ووزارة الخارجية ، أدى الى ظهور بوادر فوضى معلومات ، اضطر الوزارة الى التحذير مما وصفته بانتشار العديد من الشائعات المغرضة المنافية للحقيقة بخصوصها ،  داعية إلى عدم الانسياق وراء مثل هذه الادعاءات ، والى التنبيه الى ما قالت إنها لاحظته في الآونة الأخيرة، من انتشار شائعات على مواقع التواصل الاجتماعي، حول صدور قرارات تعيين مستشارين في السفارات الليبية، إضافة إلى تقديم وزيرة الخارجية لاستقالتها معتبرة أن هذه الأخبار لا تمّت للحقيقة بصلة، وهي تهدف إلى التشويش على عمل الوزارة ، ومطالبة  وسائل الإعلام كافة بتحري المصداقية والموضوعية والتأكد من المصادر الرسمية المعتمدة قبل نشر الأخبار أو تداولها.
لكن هذا التوضيح من الوزارة لا يبدو كافيا أمام المواقف الصادرة سواء عن المجلس الرئاسي أو عن مجلس النواب ، ولاسيما في ظل تكريس مبدأ المحاصصة المناطقية والجهوية والحزبية الذي بات يطغى على التعيينات والانتدابات ليهدد عملية توحيد المؤسسات ولاسيما في غياب مشروع المصالحة الوطنية الذي قد يفرض الاعتماد على الكفاءات بدل التركيز على الولاءات والانتماءات بمختلف اشكالها.