منذ أن وقع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع رئيس حكومة الوفاق الليبية التي يرأسها فايز السراج، مذكرتي التفاهم البحرية الأمنية العسكرية، في نهاية شهر نوفمبر 2019، أصبح التدخّل التركي في المشهد الليبي أكثر علنيّةً من أي وقت مضى.
وتشهد التطورات الأخيرة للملف الليبي المتمثلة أساسا في سيطرة قوات حكومة الوفاق على قاعدة الوطية الجوية، تأكيدًا على سياسة أنقرة التوسعية المتمثلة في تحقيق أطماعها خاصة من خلال الاستحواذ على غاز شرقي المتوسط.
وبدا واضحاً الدعم التركي اللامحدود لقوات الوفاق في عملية السيطرة على القاعدة الجوية الإستراتيجية، من حيث الدعم العسكري واللوجستي، من أسلحة ومقاتلين ومعلومات استخباراتية. حيث تحول الدور التركي مع اقتراب الجيش من السيطرة على قلب العاصمة طرابلس، من داعم لحكومة السراج إلى مشارك مباشر في المعارك على الأرض.
من ذلك، يُتداول داخل الأوساط السياسية الليبية التي تشير إلى أن تركيا هي التي ستقوم بإدارة القاعدة الجوية الآن لتكون منطلقاً لعمليات عسكرية جوية ضد أهداف للجيش في محاور عدة للقتال، خصوصاً وأن هناك قواعد جوية عسكرية أخرى تحت سيطرة المجموعات الداعمة للوفاق كـمعيتيقة و مصراتة.
وقد أكّد هذه الأطروحة الصحفي التركي إلكر سيزار إذ أقر أن سيطرة الوفاق على قاعدة الوطية نقطة تحول لها حيث ستتوقف عن الاكتفاء بالتكتيك الدفاعي. وقال إلكر في تصريحات صحفية، إن قاعدة الوطية ستكون مكانا مثاليا للطائرات دون طيار التركية، ولكن من الخطأ تسميتها قاعدة تركية من الآن.
من جانب آخر، تتصاعد الأصوات الليبية الحاشدة إلى دعم دولي ضد التدخلات العسكرية التركية فى الشأن الداخلي الليبي ما من شأنه أن يزيد من حدّة الصراع الداخلي فى البلاد ويفشل أي إمكانية الحل السياسي للأزمة التى تعيشها ليبيا منذ 2011، إذ دعا المتحدث الرسمى باسم الجيش الليبي اللواء أحمد المسماري لتحرك عربي عاجل من أجل وقف التدخلات التركية بعد التصعيد الذى أدى للعنف وعرقلة مساعى إيجاد مخرج سياسى للأزمة الليبية، موضحا أن التدخل العسكرى التركي خطير للغاية ويجب أن يوضع أمام الدول العربية لوقفه.
إذ قال المتحدث باسم الجيش الليبي، أحمد المسماري، "إن تركيا نقلت إلى ليبيا نحو 2000 عسكري تركي، فضلاً عن آلاف المرتزقة السوريين، مؤكدة على قدرة الجيش الليبي في مواجهة التدخل التركي".
وأضاف المسماري، "أنهم يتعجبون من إشارة الولايات المتحدة، لطائرات روسية في بياناتها وتصريحات مسؤوليها، دون ذكر للطائرات التركية"
وأوضح المتحدث باسم الجيش الليبي، أن قطر تقوم بتجهيز قاعدة الوطية لصالح تركيا، حاليًا. مشددا على ضرورة وقف نقل المرتزقة السوريين إلى ليبيا، مؤكدًا أن استمرار تركيا في إرسال الإرهابيين يدد الأمن القومي لدول المنطقة.
من ناحيته، حذر المهندس موسى مصطفى موسى رئيس حزب الغد من أن هناك مخططا قطريا تركيا لتحويل قاعدة الوطية في ليبيا لتكون بؤرة ومركز للمقاتلين المرتكزة خاصة من سوريا والعراق بل وبعض الشباب العربي مستغلا ظروفه الاقتصادية برعاية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يجندهم لقتل العرب بتمويل قطري بعدما أعلن الجيش الليبي سيطرته على منطقة الكازيرما وكوبري المطار جنوب طرابلس.
وأكد موسى في تصريحات صحفية أن تركيا أنشأت قاعدة جوية بتمويل قطري لنقل الأسلحة والمعدات العسكرية والإرهابيين عبر طائرات جوية لقاعدة الوطية وطرابلس وكذلك مطار مصراتة الذي أصبح المركز الرئيسي لإستقبال الأسلحة التركية بتمويل قطري.
وأشار إلى أن الأجهزة والسلطات الليبية حصلت على وثائق ومستندات تؤكد على الدعم القطري والتركي لحزب العدالة والبناء الذراع السياسي لجماعة الإخوان في ليبيا ومدهم بالأسلحة لقتال الجيش الليبي ومحاولة إيقاف زحفه.
وفي ذات السياق، أكد رئيس ديوان المجلس الأعلى لمشايخ وأعيان ليبيا، محمد المصباحي، في تصريحات صحفية أنه لا يستبعد إقدام ميليشيات الوفاق المسنودة من قوات تركية بالهجوم على منطقة الهلال النفطي والسيطرة عليها.
المصباحي تحدث عن الأطماع التركية في ثروات بلاده، وسعي أنقرة لتعزيز تواجدها بالساحة الليبية سياسياً واقتصادياً.
وقال المصباحي إن الليبيين بحاجة للدعم العربي، مجددا دعوتَه لمصر والإمارات والأردن والسعودية بتفعيل اتفاقيات الدفاع لمساعدة ودعم ليبيا في مواجهة الإرهاب، مشيرا إلى تعرضهم لهجمة إخوانية يقودها الرئيس التركي أردوغان وداعش والإخوان.
ولا تخفي دول الجوار الغربي لليبيا قلقها من تأثير التدخل التركي المباشر في الأزمة الليبية على أمنها وحدودها حيث تخشى تونس والجزائر أن يتسلل الإرهابيون الذين كان أغلبهم يقاتل ضمن جماعات متشددة و من داعش في سوريا إليها عبر الحدود الليبية بعد أن أمنت لهم تركيا السلاح.
وحذرت أحزاب ومنظمات مدنية في تونس من الدور الخطير الذي تلعبه تركيا في الجارة ليبيا وتأثيراته على أمن البلاد خصوصا بعد سيطرة قوات الوفاق والميليشيات على قاعدة الوطية العسكرية القريبة من الحدود التونسية.
فقاعدة الوطية، وحسب المتابعين للشأن الليبي وحتى من خلال تأكيدات من مسؤولين أتراك ستتحول إلى قاعدة تركيّة في ليبيا إذا استتب لها أمر السيطرة عليها. هذه القاعدة القريبة جدًا من الحدود التونسيّة قد تصبح قاعدة تركيّة قريبًا ما قد يدخل عناصر تهديد جديدة على الأمن القومي التونسي من خلال تحويل القاعدة إلى قاعدة تركيّة ومن خلال تكديس المرتزقة السوريين من التنظيمات الإرهابية المتطرفة في مناطق قريبة من الحدود الشرقيّة للبلاد.