ربما نشأ الإنسان المعاصر تشريحياً، قبل نحو 200 ألف سنة في المنطقة التي يطلق عليها اليوم اسم بوتسوانا، جنوب أفريقيا، وذلك حسب النتيجة التي توصل إليه فريق دولي من الباحثين، تحت إشراف فانيسا هايس، من معهد جارفان لأبحاث الطب في مدينة سيدني بأستراليا. غير أن باحثين ألمانيين يعارضان هذه الفرضية التي نشرها الباحثون في العدد الحالي من مجلة «نيتشر» المتخصصة.
ركز الباحثون تحت إشراف هايس على المجموع الجيني لما يعرف بالمتقدرات، وهي التي تمد خلايا الجسم بالطاقة. ويتم توارث هذا المجموع عبر الأم.
أوضحت هايس في البيان الصادر عن معهدها أن «متقدرات الحمض النووي تعمل عمل كبسولة الزمان للأمهات اللاتي تنحدر عنهن، وتتراكم فيها المتغيرات الوراثية ببطء، على مدى أجيال».
أضاف الباحثون 198 مجموعاً وراثياً لمتقدرات تعود لإنسان العصر الحالي، إلى قواعد البيانات المتوافرة حالياً، وحللوا إجمالاً 1217 من هذه المجاميع الوراثية.
ركز الباحثون خلال ذلك على بصمة وراثية بعينها، وهي بصمة هابلو جروب L10، وهي مجموعة جينات مأخوذة من حمض دي إن إيه متقدرات بشرية مفردة متوارثة عن الفرع النسائي من الأسلاف، وهي موجودة في مجموعة خويسان العرقية، والتي تعيش اليوم في جنوب أفريقيا.
مزج الباحثون نتائج التحليلات الجينية مع البيانات الجيولوجية وإعادة تصور المناخ جنوب أفريقيا خلال فترة الـ250 ألف سنة الماضية.
واعتمد الباحثون على ذلك في رسم التطور التالي: اختفت بحيرة ضخمة فيما يعرف اليوم ببتسوانا، حوض ماجاديجادي، بسبب تغيرات جيولوجية في القاع، مخلفة مساحة رطبة ممتدة، نشأت بالقرب منها مجموعة هابلو جروب L10 قبل نحو 200 ألف سنة، وأصبحت على مدى الـ70 ألف سنة التالية علامة متميزة للسكان هناك.
ربط الباحثون تحت إشراف هايس، من خلال عمليات محاكاة، مراحل الجفاف التي شهدتها المنطقة، بالمناخ الرطب، بما في ذلك التفاوت الناتج عن دوران الأرض حول محورها، ودورانها حول الشمس.
نتج عن ذلك «ممرات خضراء» أدت في البداية، وخلال فترة زمنية قبل 130 ألف سنة إلى 110 آلاف سنة إلى نزوح مجموعات سكانية إلى الشمال والشمال الشرقي، ثم النزوح في ما بعد إلى الغرب والجنوب.
ووصلت أهم مجموعة سكانية بامتداد ساحل ما يعرف اليوم بناميبيا إلى ما يعرف اليوم بدولة جنوب أفريقيا.
تقول هايس: «خلافاً للمهاجرين ناحية الشمال الشرقي، يبدو أن النازحين الذين توجهوا ناحية جنوب غرب قد تكاثروا وسجلوا نمواً سكانياً مستمراً».
قال الباحثون إن جزءاً ثالثاً من السكان الأوائل ظل في المنطقة. ورغم أن الباحثين لا يستبعدون أن يكون الإنسان المعاصر تشريحياً، قد نشأ في العديد من المناطق، إلا أن منطقة ماجاديجادي وفرت ظروفاً مثالية لذلك.
رغم إشادة جان جاك هوبلين، مدير معهد ماكس بلانك لدراسة تاريخ تطور الإنسان، بمدينة لايبتسيج الألمانية، بالتحليل الجيني المفصل الذي قام به معدو الدراسة، إلا أنه انتقد النتائج التي استخلصها الباحثون من هذا التحليل، وقال إن الدراسة تتجاهل معلومات مهمة لعلم المتحجرات.
وأشار هوبلين بشكل خاص إلى موقع جبل إيجود الأثري، في المغرب، حيث عثر باحثون تحت إشراف هوبلين على متحجرات تعود للإنسان المعاصر، تشريحياً، والتي يزيد عمرها على 300 ألف سنة.
ورأى هوبلين أن تاريخ البشرية أكثر تعقيداً مما تصوره الدراسة.
كما غلبت النظرة النقدية على تقييم إليانور سكيري، من معهد ماكس بلانك لتاريخ البشرية، بمدينة يينا، قائلاً إن سكان مجموعة هابلو جروب L10، لم يكونوا قبل نحو 200 ألف سنة البشر الوحيدين الذين عاشوا في أفريقيا.
وقالت البروفيسور ريبيكا أكرمان من معهد أبحاث التطور البشري في كيب تاون بجنوب أفريقيا: صدمت من هذه الدراسة وأعتقد أنها غير مسؤولة على الإطلاق.
وأضافت إن مديري المعهد اتفقوا على أنه لا يمكن الإدلاء ببيانات شاملة مثل تلك التي جاءت في الدراسة بشأن «التطور المعقد للغاية لأنواعنا» اعتماداً على زاوية علمية محدودة للغاية.