تتجه جماعة الإخوان الى تشديد قبضتها من جديد على مصرف ليبيا المركزي وفق مخرجات حوار منتجع أبوزنيقة بالمغرب الأقصى ، فيما يتعرض وفد مجلس النواب الى انتقادات واسعة بسبب وقوعه مرة أخرى في فخ قوى الإسلام السياسي امتدادا لما وقع في جوار الصخيرات الذي أفضى الى اتفاق ديسمبر 2015 ، حيث تبين أن وفد مجلس الدولة الاستشاري يقود المفاوضات بكثير من الحنكة ومن الاعتماد على خبراء ومستشارين متعددي الجنسيات ويعلمون من خلف الأضواء ، في حين يتحرك وفد البرلمان بنزعات فردانية تخص رئيس المجلس عقيلة صالح والمقربين منه ،
ولعل أبرز دليل على هذا الوضع هو ما تم التوصل إليه بخصوص إدارة مصرف ليبيا المركزي ، حيث أكد رئيس حزب العدالة والبناء على التزكية من مجلس الدولة الذي يسيطر عليه قيادات الإخوان"، مشيرا إلى أن "الأغلبية داخل مجلس إدارة المصرف ستكون من نصيبهم".
وقبل ذلك. أعلن رئيس مجلس الدولة الاستشاري والقيادي في حزب العدالة والبناء ،  خالد المشري ، أنه تم الاتفاق على أن يكون محافظ مصرف ليبيا المركزي من شرق البلاد ، شريطة أن يكفل المجلس أن يتكفل المجلس الخاضع للإخوان بتعيين نائب المحافظ ويكون له دور في اختيار أعضاء مجلس الإدارة ، وذلك في تجاوز واضح لصلاحيات البرلمان
وأوضح المشري  في مقابلة تليفزيونية ،انه جرى الاتفاق مع وفد مجلس النواب على أن تكون حصة البرلمان ثلاثة مقاعد في مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي على أن يتم عرض أسماء المكلفين بها على مجلس الدولة أولاً للموافقة، ما يعني أن اختيارات السلطة التشريعية الوحيدة المعترف بها دوليا أصبحت تخضع لمراقبة مجلس الدولة وهو كيان تم تشكيله لإعادة تدوير جماعة الإخوان بعد هزيمتهم في انتخابات يونيو 2014 وانقلابهم على نتائجها من خلال سميت آنذاك بعملية « فجر ليبيا » الإرهابية التي أدت الى الانقسام السياسي الحاصل الى الأن في البلاد
وبين  المشري أنه تم الاتفاق على أن يتم تسمية المحافظ و3 أعضاء من مجلس الإدارة من طرف مجلس النواب، بينما نائب المحافظ و4 من أعضاء مجلس الإدارة يسميهم مجلس الدولة، من خلال مراحل ومعايير وضوابط محددة،
وحول وظيفة المحافظ يختار مجلس النواب عددا معينا من المرشحين للمنصب ويعرض أسماءهم على مجلس الدولة، الذي يقوم بتقليص العدد إلى 3 ليختار من بينهم مجلس النواب من يراه صالحا
ووفق المشري ، فإن « المعايير تشمل ضمانات لاختيار غالبية أعضاء مجلس إدارة المصرف المركزي بحيث لا يستطيع المحافظ أن يتغول أو ينفرد بالقرار وتمرير أمور غير منطقية أو مقبولة» ، مشيرا إلى أن المحافظ في ظل قانون المصرف المركزي لا يستطيع لوحده أن يفعل أي شيء يتعلق بالسياسات العامة للمصرف التي تدار من قبل مجلس الإدارة
ويرى المراقبون أن هذا الاتفاق سيعطي جماعة الإخوان سيطرة شبه مطلقة على المصرف ، نظرا لأن المادة 19 من قانون المصارف تجيز لنائب محافظ مصرف ليبيا المركزي عقد اجتماع لمجلس الإدارة شرط حضور غالبية الأعضاء 4+ 1 الذي هو نائب المحافظ وبالتالي يجوز للنائب والأعضاء الأربعة إصدار القرارات في غياب المحافظ، وهم يمتلكون النصاب القانوني لتمريرها .
وبذلك، وفي حالة غياب أو تغييب المحافظ وأعضاء مجلس الإدارة المعينين من قبل مجلس النواب ، يمكن لنائب المحافظ والأعضاء الأربعة المعينين من قبل مجلس الدولة الاستشاري الخاضع للإخوان اتخاذ القرارات التي يرونها ، وبالتالي وفي حالة حصول أية أزمة جديدة بين شرق البلاد وغربها، فإن المصرف سيكون كما كان خلال السنوات الماضية تحت سيطرة ذات مراكز النفوذ في غرب البلاد
كما أن عدد المعينين من قبل مجلس الدولة سيمنحهم حق رفض أو إلغاء أية قرارات لا تخدم مصالح التيار الذي يمثلونه وهو المحسوب على الإسلام السياسي والقريب من تركيا ،
الى ذلك، قال عضو مجلس النواب عبد السلام نصية «إذا صح هذا الاتفاق فانه مخالف للمادة 15 من الاتفاق السياسي الليبي ، فقد نصت المادة على أن يتم اختيار المحافظ فقط بالتشاور بين مجلس النواب ومجلس الدولة ، اما نائب المحافظ واعضاء مجلس الادارة فإن تعيينهم اختصاص اصيل لمجلس النواب وفقا للقانون رقم 1 لسنة 2005 وتعديلاته . وبذلك لا يحق لاي عضو من اعضاء مجلس النواب التنازل عن حق يكفله القانون والاتفاق السياسي لأعضاء مجلس النواب”.
ووفق المادة 19 من قانون المصارف للعام 2005 « يجتمع مجلس الإدارة بدعوة من المحافظ أو من نائبه عند غيابه في مقر المصرف مرة على الأقل كُلَّ شهر. ويجوز اجتماعه بناء على طلب أغلبية أعضائه . ولا يكون اجتماع المجلس صحيحا إلا إذا حضره أكثر من نـصف الأعضاء بمن فيهم المحافظ أو نائبه وتصدر قرارات المجلس بالأغلبيـة المطلقة لعدد أصوات الأعضاء الحاضرين وعند التساوي يرجح الجانـب الذي منه الرئيس . وللمجلس أن يدعو لحضور اجتماعاته من يرى الاستعانة بهم من ذوي الخبرة أو من موظفي المصرف دون أن يكون لهـم حـقُّ التصويت . ويجوز أن نعقد المجلس خارج مقر المصرف بشرط أن يكون هذا الاجتماع داخل البلاد »
غير أن هذا القانون تم اتخاذه والتصديق عليه عندما كانت الدولة قائمة كوحدة واحدة ، وغير منقسمة على ذاتها كما هو الحال حاليا ، وغير خاضعة للتجاذبات والصراعات ومحاولات اقتناص الفرص لنهب الثروة واللعب بالمقدرات من قبل الجهات الداخلية والخارجية
ويعتقد المهتمون بالشأن الليبي أن مجلس النواب وقع مرة أخرى في مصيدة الإخوان ، بتفريطه في صلاحياته الأصلية كمؤسسة تشريعية ، وتحوله الى جهة خاضعة لتوجهات مجلس الدولة الذي لا يمتلك حق التشريع واتخاذ القرارات ، وإنما توصل إليه بفرض سياسات الأمر الواقع خلال السنوات الماضية التي وجد فيها دعما من جهات إقليمية وخارجية لا يهمها الى العمل على التمكين للإسلام السياسي ضمن أجندات الصراع على المصالح الاقتصادية والتفريط في ثروات البلاد والتبعية للقرار الأجنبي
ومهما يكن من أمر فإن فإن جماعة الاخوان إنتصرت في حوار أبوزنيقة ، وأثبتت قدرتها على المناورة والخداع بالإعتماد على توصيات حلفائها وخاصة في الدوحة وأنقرة ، وعلى الإستشارات التي تحثل عليها من مراكز البحوث والدراسات في العواصم الغربية ، في حين إكتفى مجلس النواب التائه في أجندات المصالح الذاتية بالموافقة التي ستدفع بالبلاد الى مرحلة أخرى من الخلافات والصراع