مازالت المعارك على تخوم العاصمة الليبية تراوح مكانها بين قوات الجيش الوطني الليبي والقوات الموالية لحكومة الوفاق. وبالرغم من غياب الحسم بين الطرفين منذ أبريل/نيسان الماضي، فإن الجيش الليبي يواصل تقدمه ببطيء وسط مؤشرات على توجهه نحو مرحلة جديدة من الصراع قد تكون الأخيرة في حملته العسكرية الهادفة لتحرير طرابلس من سطوة المليشيات المسلحة.

وخلال الأيام القليلة الماضية كثف الجيش الليبي من ضرباته الجوية على تمركزات القوات الموالية لحكومة الوفاق في طرابلس ومصراتة وسرت وأسفرت هذه الضربات عن خسائر كبيرة في صفوف هذه القوات وتراجعها في عدة محاور مقابل تقدم القوات المسلحة وسيطرتها على مواقع جديدة حول المدينة.

وتعرّضت معسكرات وتجمعات قوات الوفاق في مناطق عين زارة والهيرة وغوط الرمان وتاجوراء والسواني، السبت، إلى قصف جوي من قبل سلاح الجو التابع للجيش الليبي، كما شهدت هذه المحاور مواجهات واشتباكات بريّة مسلّحة بين الجانبين، حيث تسعى الوحدات العسكرية التابعة للجيش لاختراق الطوق الأمني الذي تفرضه قوات الوفاق على وسط العاصمة.

وتمكنت قوات الجيش، السبت، من السيطرة على مناطق متقدمة من المحور إلى ما بعد منطقة مصنع الأسمنت، وعدلت من مواضعها وتمركزاتها، وسيطرت على أماكن ارتكاز ورصد قوات الوفاق في "التبة"، مع تكبيدهم خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، وفق ما أكد مدير المكتب الإعلامي للكتيبة 642 مشاة بالجيش الليبي أبوبكر المعتمد دويهش.

وأوضح دويهش، في تصريحات صحفية، إن قوات الجيش الليبي أجبرت قوات الوفاق على الفرار من منطقة سوق الخميس، مؤكدا أن العملية تمت وفق الخطة الموضوعة سلفا. وأكدت غرفة عمليات الكرامة بدورها أن القوات المسلحة تبسط سيطرتها على كامل منطقة سوق الخميس امسيحل ومصنع الأسمنت.

ويشن الجيش الليبي منذ أيام ضربات قوية تهدف بحسب مراقبين الى استنزاف القوات الموالية لحكومة الوفاق واضعافها تمهيدا لدخوله العاصمة في مرحلة أخيرة. ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط" عن قائد عسكري بارز في الجيش الوطني الليبي، قوله أن قوات الجيش "أفقدت الميليشيات قدرتها على القيام بأي هجوم كبير"، مشيراً إلى أن "الأيام المقبلة" ستشهد ما وصفه بـ"طفرة نوعية في مستوى العمليات القتالية لمختلف وحدات الجيش بمحاور القتال" قرب طرابلس.

 وكان القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر قد أكد مؤخرا في حوار مع صحيفة "اندبندنت عربية" أن موعد تحرير طرابلس قد حان وسيتم دحر الميليشيات من المدينة عاجلاً وليس آجلاً، لافتا إلى أن الجيش يحارب وفق خطة عسكرية دقيقة تضع في أولوياتها سلامة المواطنين من سكان العاصمة ومنشآت المدينة ومرافقها.

وأوضح حفتر أن الجيش الليبي يعمل على استدراج المجموعات المسلحة خارج العاصمة لتجنيب المدينة الدمار وتجنيب سكانها الأذى، قائلا "نجحنا في ذلك وألحقنا بها خسائر فادحة، وهي الآن تحتضر".

وتستبق هذه التطورات العسكرية الميدانية "مؤتمر برلين حول ليبيا" المرتقب عقده خلال هذا الشهر بحضور الدول المعنية بالأزمة الليبية، وعلى رأسهم الولايات المتحدة وروسيا، في إطار جهود تقودها الأمم المتحدة لإيجاد حلول سياسية تنهي الحرب في طرابلس، وتعيد الأطراف المتنازعة إلى طاولة المفاوضات.

ويشير مراقبون الى أن فرص نجاح هذا المؤتمر ضعيفة أمام الوضع الميداني المتوّتر في العاصمة طرابلس. وقال الباحث الليبي سراج الدين التاورغي إن أغلبية دول العالم تعي أن الجيش يواجه مجموعات إرهابية في تخوم مدينة طرابلس، خاصة أن بعد ظهور فيديوهات ومجموعات وقيادات إرهابية في مدينة طرابلس، وهو ما يؤكد أن الجيش يواجه الإرهاب. ونقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية عن التاورغي قوله أنه لا يمكن لقوة أن تفرض وقف إطلاق النار في طرابلس، خاصة أن سيطرة الجيش الليبي على العاصمة ستدفع الأوضاع نحو الحلول السياسية في عموم ليبيا.

وحول تأخر حسم المعارك في طرابلس قال التاورغي إن الجيش الليبي يتحرك باحترافية عالية، وأن بعض الأسلحة محظور استخدامها في العاصمة بتعليمات من القيادة العامة، للحفاظ على أرواح المدنيين، على عكس المليشيات التي تحتمي في المدنيين، حسب وصفه.مشيرا إلى أن الجيش أصبح لديه خبرة كبيرة في قتال الشوارع والمدن، وأنه اكتسبها من المعارك التي خاضها في بني غازي ودرنة ومناطق عدة.

وأضاف التاورغي، أن الأسبوع الماضي شهد إرسال تعزيزات ضخمة إلى محاور القتال، ما يشير إلى أن الجيش اقترب من المرحلة النهائية في عملية الحسم. وبحسب التاورغي فإن بعض القيادات في صفوف قادة المعارك الدائرة بطرابلس، نقلوا عائلاتهم إلى خارج ليبيا، وبعضهم انسحب من محاور القتال وعاد إلى مدينته، ما يشير إلى تصدع وانشقاقات.

وكان اللواء 73 مشاة بالجيش الليبي، دفع منذ أيام بسريتين من الكتيبة 409 مشاة إلى العاصمة طرابلس، أوضح المسؤول الإعلامي للواء 73 المنذر الخرطوش بحسب المكتب الإعلامي أن السريتين تحركتا بأوامر صدرت عن آمر اللواء علي القطعاني وذلك لاستمرار التقدم لمواقع جديدة حسب الخطة التي وضعت من آمر وضابط عمليات اللواء 73 مشاة.

وقبل ذلك، بثت شعبة الإعلام الحربي التابعة للجيش، لقطات مصورة لتحرك سرايا الإسناد باللواء المُجحفل 106 والكتيبة 166 بعد استكمال تجهيزها، دعماً لوحدات قوات الجيش المُنتشرة في محاور العاصمة.وقبل ذلك أعلن الجيش الليبي وصول قوة الاقتحام 35 التابعة للواء 73 مشاة إلى محاور القتال في طرابلس، لدعم قوات الجيش الوطني المرابطة هناك.

وكان وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، قد جدد تصميم بلاده على عقد "مؤتمر برلين" حول الأزمة الليبية المتصاعدة في هذا العام، مؤكدا دعم بلاده لخطة الأمم المتحدة في ليبيا للوصول إلى سلام نهائي هناك، إلا أنه لم يحدد موعده حتى الآن بسبب الخلاف حول مشاركة بعض الدول في المؤتمر.

ويبدو واضحا أن الجيش الليبي يتحضر للانتقال الى مرحلة جديدة من الصراع في العاصمة الليبية يرى البعض أنها قد تكون الأخيرة والحاسمة. ويشير هؤلاء الى أن انهاء نفوذ المليشيات المسلحة والقضاء على العناصر الارهابية في طرابلس بات ضروريا من أجل العودة الى المسار السياسي وتحقيق التوافق بين الفرقاء بما يضمن ارساء سلطة موحدة قادرة على ادارة البلاد والخروج بها من الأزمات التي تشهدها منذ سنوات.