يبدي نظام الرئيس السوداني عمر البشير استعدادا متزايدا للتخلص من ارتباطاته بإيران بعدما شعر بأن بوابة الخروج من الانعزال السياسي والاقتصادي عن منطقتي الشرق الأوسط والقرن الأفريقي تمر عبر التحالف العربي في مواجهة طهران.

وواجه النظام اهتزازات كبيرة نتيجة الحصار والعقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة على السودان منذ عام 1997، والانعزال عن الساحة العربية كردّ فعل على التقارب السوداني الإيراني المثير للريبة.

ويقول عبدالغفار أحمد الأستاذ في جامعة الخرطوم إن "النظام لا يستطيع الصمود من دون دعم الدول الخليجية سياسيا واقتصاديا".

وأضاف في تصريح لصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية "بينما يستطيع الإيرانيون مساعدة البشير عبر منحه أسلحة ومعدات عسكرية، لن يكون باستطاعتهم أن يقدموا له أيّ مساعدة اقتصادية".

وكان التحول المفاجئ في السياسات السودانية للتقارب مع المحور الخليجي مفاجأة قاسية بالنسبة إلى إيران التي وجّهت وسائل الإعلام فيها لمهاجمة البشير.

ويرى محسن ميلاني الخبير في الشؤون الإيرانية ومدير مركز الدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية في جامعة جنوب فلوريدا أن "انتقال السودان السياسي من معسكر إيران وعودته إلى المعسكر العربي مرة أخرى قد يكون أكبر انتصار تحققه السعودية في العقد الماضي في خضم المواجهة الاستراتيجية مع إيران".

والأربعاء الماضي، قال وزير الدولة بوزارة المالية والاقتصاد الوطني السودانية إن البنك المركزي السوداني تسلم مليار دولار من السعودية في شهري يوليو وأغسطس.

 ومنذ بدء العملية العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن تعهدت الرياض باستثمارات جديدة في قطاع الزراعة في السودان.

وتقول الخرطوم إن هذه المساعدات الاقتصادية لا علاقة لها بدعمها للحملة. لكن هذه الحملة، التي تقودها السعودية ضد الحوثيين المدعومين من قبل إيران، شكلت نقطة تحول السودان إلى المحور العربي الذي تكافح الرياض لتأسيسه في المنطقة.

ويقول محللون إن الدول الخليجية ما زالت غير واثقة بشكل كبير في نوايا الرئيس البشير الذي اعتاد على تبديل تحالفاته السياسية في المنطقة.

وفشل رهان الرئيس السوداني مؤخرا على تنظيم الإخوان المسلمين في مصر ودول عربية أخرى. ومنذ سقوط نظام الرئيس محمد مرسي المنتمي للتنظيم في مصر، شعر البشير بعزلة إقليمية لم تنته قبل اتخاذه قرار المشاركة في معركة “عاصفة الحزم” في اليمن. وقبل ذلك، كانت السعودية تنظر بريبة متزايدة للعلاقات بين السودان وإيران.

ومنعت السلطات في 2013 طائرة الرئيس عمر البشير من دخول الأجواء السعودية حينما كان في طريقه لزيارة طهران.

وكان السودان خلال هذا الوقت قد فقد ثلاثة أرباع عوائده من النفط نتيجة لانفصال الجنوب في 2011، وبات يعتمد بشكل أساسي على مليارات الدولارات التي يضخّها السودانيون الذين ما زالوا يعملون في السعودية ودول خليجية أخرى.

ويقول خضيري أحمد، الذي عمل بين عامي 2001 و2006 كمبعوث للسودان إلى الولايات المتحدة "لقد كانت استفادتنا من إيران ضئيلة للغاية. أسلحة فقط، ولكن ماذا عسانا أن نفعل بها؟”.

 وأضاف الدبلوماسي الذي يعمل الآن أستاذا في الجامعة الأفريقية الدولية في الخرطوم “على الجانب الآخر تحالفنا مع إيران عمّق عزلتنا السياسية في المنطقة. كان علينا القيام بشيء ما للحفاظ على مقدرات البلد، ومستقبل النظام نفسه".

ما اتخذ البشير، أواخر العام الماضي، قرارا بإغلاق كافة المراكز الثقافية الإيرانية في الخرطوم وبقية المحافظات. وقال الرئيس السوداني حينها إنه يسعى إلى “تقوية العلاقات مع الدول السنيّة في المنطقة. لا نستطيع الإبقاء على علاقاتنا مع إيران في هذا الوقت الذي يشهد تصعيدا طائفيا بين السنّة والشيعة”.

وحتى حسن الترابي، الذي كان أمينا عاما لحزب الجبهة الإسلامية القومي الذي ساعد البشير على الوصول إلى الحكم عام 1989 ويتزعم الآن حزب المؤتمر الشعبي المعارض، رحّب بتحول السودان إلى المعسكر العربي. وقال مراقبون إن ترحيب الترابي يحمل صبغة براغماتية أكثر من أيّ اعتبارات مذهبية. وقال في مقابلة صحفية "إيران دولة بعيدة جدا.

هناك الآلاف والآلاف من السودانيين يعيشون في السعودية". ويدرك السودانيون أن تأثير إيران في القرن الأفريقي لن يمر إلا عبر موافقة دول التحالف العربي.

ومنذ تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي السلطة في مصر يحاول البشير تعميق العلاقات مع القاهرة التي لطالما نظرت إلى تحالف الخرطوم مع طهران على أنه تهديد لأمنها.