المواجهة بالعقوبات الاقتصادية كانت السلاح الذي استخدمته الولايات المتحدة وأوروبا ضد روسيا منذ اندلاع المواجهات في اوكرانيا، وشملت تلك العقوبات عزل البنوك الروسية عن نظام سويفت، إضافة الى فرض حظر على صادرات التكنولوجيا و ايضا تجميد أصول البنك المركزي الروسي في الخارج، وهي عقوبات قاسية على الاقتصاد الروسي غير انها لا تلحق الضرر بالدرجة التي تشل روسيا وتدفعها الى طاولة المفاوضات ، والغرب يعرف هذا يقينا ، كما يعرف ان العقوبات الأشد على الاقتصاد الروسي هي فرض حظر على صادراتها النفطية، ولكن ذلك قرار ليس بالسهل ابدا، واتخاذه بالنسبة إلى لأوروبا كمن يطلق النار على قدمه.
لذلك وحتى ساعة كتابة هذا المقالة لم تقدم أوروبا على هذه الخطوة برغم الاتجاه الأمريكي نحوها وعلى لسان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الذي قال إن بلاده وحلفاؤها يدرسون حظر النفط الروسي، لكنه و ما ان تكلم حتى قفز سعر البرميل الى 140 دولار في سقف لم يحدث منذ 14 عاما، وبالمقابل سارع المستشار الألماني أولاف شولتس ليقول إن بلاده لن تستغني عن النفط الروسي، في تناقض اوروبي امريكي تجاه القرار الصعب ، فما هي اهمية النفط في الاقتصاد الروسي وما حجمه في السوقين الاوروبي والامريكي ؟
تجنى روسيا يوميا 700 مليون دولار مقابل بيع الغاز ، وثلاثمائة مليون دولار من النفط ، اي انها تحقق مليار دولار يوميا ، وتصنف بلادا بترولية استراتيجية ، اي تعتمد في جزء مهم من اقتصادها على النفط ، كما انها مؤثرة على سوق الطاقة العالمي بمركزها كثالث أكبر منتج للنفط بعد أمريكا والسعودية ، ومركزها كثاني أكبر مصدر للغاز ، كما انها أكبر بلد مصدر للخام والمنتجات النفطية معا في العالم بسبعة ملايين برميل في اليوم اي بنسبة 7% من الإمدادات العالمية ، منها 60% لأوروبا و 20 % للصين ، أي أن حظر الصادرات الروسية من الطاقة سيدفع باقتصاد البلاد وهي في حالة حرب الى الانكماش بنسبة 25% بمعنى حرفي إصابة ربع الاقتصاد الروسي بالعطب وهو سلاح سريع وفعال لشل يد الرحب الروسية في أوكرانيا ، ولكن وبالمقابل، سيلحق القرار تضاعف التضخم في الاقتصادات الكبرى بما فيها أمريكا ذاتها ، وسيدفع بمنطقة اليورو في مستنقع موحل من الركود الاقتصادي ، فسيرتفع سعر البرميل إلى أرقام قياسية ، وربما لحد لم يسبق ان وصله على الاطلاق ، وفي هذا الصدد يتوقع بنك اوف اميركا أن يصل البرميل لحد 200 دولار ، وهذا مايجعل اوروبا وحتى الساعة بعيدة عن أي قرار جدي بحظر النفط الروسي
ويتحدث محللون في غولدمان ساكس انه لو زاد سعر البرميل عشرين دولار فان الناتج المحلي الاجمالي الامريكي سينكمش بواقع 0.3% وسينخفض الناتج المحلي لمنطقة اليورو بمعدل 0.6%
هكذا اذا فامريكا مع حلفائها ليست على إجماع في هذه الخطوة، فالمستشار الألماني يقول ان اوروبا لا يمكنها الاستغناء عن إمدادات الطاقة الروسية، ويقول رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، إن الاتحاد الأوروبي لن يفرض عقوبات على إمدادات النفط والغاز من روسيا، اي أن أوروبا وببساطة شديدة جدا لا بديل لها الآن عن النفط الروسي، فروسيا تغذي أوروبا بنسبة 25% من احتياجاتها للنفط، في حين أن الولايات المتحدة لا تتجاوز وارداتها من النفط الروسي 8%.
ان حظرا للنفط الروسي يعني فقدا موجعا للطاقة في أوروبا من الصعب تعويضه سريعا، وابسط سؤال يوجهه الأوربيون للحليف الأمريكي هو من سيعوض العجز؟
سؤال بديهي للغاية واجابته معروفة سلفا، السعي للبحث عن مضاعفة الإنتاج، ولكن من هي الجهة المنتجة المستعدة للتعويض؟
لقد تحركت امريكا بالفعل وذهبت الى فنزويلا حاملة عرضا بتخفيف العقوبات لإتاحة المجال لرفع الإنتاج الذي لايتجاوز الـ 800 الف برميل يوميا ، ولكن فنزويلا المجهدة بالعقوبات قالت انها في حال خفف عليها ثقل العقوبات فيمكنها وبعد عدة شهور رفع قدرتها من الإنتاج إلى 200 ألف برميل ، اي انها ستنتج مليون برميل يوميا ، وهذا يعني زمنا اطول وكمية أقل من الاحتياج ، وعلى جانب آخر تنظر امريكا الى جهة التفاوض مع إيران ، فربما تفلح في الوصول الى تفاهمات تفضي الى زيادة انتاجها النفطي حيث تقول تقديرات جولدمان ساكس ان إيران يمكنها زيادة انتاجها الى 500 الف غير أن الحال فيها كفنزويلا سيستغرق شهورا .
والأوروبيون طبعا يعلمون أن الشركات الأمريكية لن ترفع الانتاج لذا لن يفتحوا غالبا هذا الأمر مع الطرف الأمريكي فالشركات الأمريكية لن تستجيب للحكومة ولن ترفع إنتاجها، لأنها تنظر الى مكاسبها من البيع بالسعر الحالي
اما في السعودية فثمة طاقة انتاجية فائضة تصل الى 2 مليون برميل بحسب بيانات ادارة معلومات الطاقة الامريكية، لكن السعودية والتي تترقب المشهد بهدوء لم تبد اي رغبة في زيادة انتاجها وهي تحسب كل خطوة بحذر وتركيز شديد، وهذا انعكس بوضوح في قرارات تحالف الأوبك بلاس الذي تتزعمه السعودية وروسيا والذي قرر المضي في خطة عمله العادية ولن يرفع انتاجه الا بأربعمائة برميل فقط
وهكذا فلا بديل حالي في أوروبا عن النفط الروسي، ومازالت الحرب تذهب لصالح روسيا، بل ان العقوبات تفيد الروس الى جهة ارتفاع سعر الطاقة وكأن النفط تبة عالية عصية في حربها.