مثلت ليبيا بعد أحداث فبراير 2011 أحد الوجهات المفضلة للجهاديين، حيث خدمتهم ظروف الفوضى الشاملة التي تعم البلاد والصراع السياسي الذي تعيشه البلاد فضلا عن الأزمة الأمنية التي جعلت منها أقرب إلى الدولة الفاشلة في ظل انسداد الأفق لأي حل سياسي يخرج بالبلاد من المنزلق الخطير الذي تعيشه منذ 8 سنوات.

تتالت الأسبوع الأخير العمليات التخريبية بداية من استهداف وزارة الخارجية في طرابلس وصولا إلى هجوم تراغن فضلا عن شحنة الأسلحة التركية المحجوزة في ميناء الخمس ما أثارته من جدل واسع حول الدور التركي المريب في الأراضي الليبية منذ سنة 2011 خاصة في ظل تغييرات دولية جذرية بعد قرب حسم الأمور في الملف السوري و مراجعة عديد الدول من مواقفها للنظام السوري و هو ما يجعل أطراف أخرى في ورطة حقيقية.

هذه العمليات الأخيرة خاصة حادثة وزارة الخارجية بطرابلس التي أعلن تنظيم الدولة الدولية الإسلامية مسؤوليته عنها تجعلنا نتساءل عن وضع التنظيم الإرهابي في ليبيا خاصة بعد تتالي نجاحات الجيش الليبي في الجنوب. في هذا السياق، قال جيف بورتر المتخصص في شمال افريقيا في مركز مكافحة الإرهاب في الاكاديمية العسكرية الاميركية :"نرى إعادة بناء للتنظيم في ظروف جديدة". وأضاف:"لقد تمكنوا من ترميم قدراتهم وينوون استخدامها".

جدير بالذكر أن تنظيم داعش بدا لفترة كأنه في تراجع، لكن المسلحين تمكنوا من تثبيت أنفسهم في ظل الفوضى التي عمت ليبيا، إثر دعم حلف الناتو الإطاحة بنظام الزعيم الراحل معمر القذافي في عام 2011 على أيدي المعارضة المحلية، ونتيجة الفوضى الناجمة عن سقوط النظام قتل السفير الأميركي وثلاثة دبلوماسيين آخرين في أعمال عنف وقعت عام 2012 وتركزت في المنطقة الدبلوماسية من مدينة بنغازي. وبعد استغلاله القتال الدائر بين المجموعات التي حاربت القذافي في التنافس على الحكم، تمكن تنظيم داعش من السيطرة على جيوب مهمة في الدولة الغنية بالنفط بما فيها مدينة سرت، المدينة الساحلية الرئيسة التي كانت مسقط رأس القذافي.

وحسب أرقام رسمية للأمم المتحدة يبلغ تعداد مقاتلي داعش في ليبيا ما بين 600 إلى 800 عنصر، وهو يتزايد بسرعة، كما أنه يقوم بتجنيد المقاتلين من منطقة الساحل في إفريقيا، إضافة إلى أنه يجذب المقاتلين الى الصراعات في سورية والعراق، كما أفاد مسؤول أمني نمساوي سابق يعمل مستشارا للشركات العاملة في ليبيا. وفي الوقت الحالي أصبحت ليبياً معرضاً لجذب المتطرفين الذين يبحثون عن القتال.

يشير مراقبون أنه إضافة إلى الكارثة التي تعيشها الدولة فإن الولايات المتحدة والمسؤولين الغربيين تخلوا عن ليبيا، ما يمنح داعش مساحة أكبر، وكذلك المجموعات المتطرفة الأخرى في شمال افريقيا. ولا تحظى مهمة الأمم المتحدة بالكثير من الدعم الدولي.

 وتعمل فرنسا وإيطاليا على إيجاد حل ما في ليبيا للتوصل الى تفاهم بين أمراء الحرب يهدف إلى إبعاد المهاجرين والميليشيات المتطرفة عن حدودهما، ولم تعين الولايات المتحدة سفيراً ولا مبعوثاً خاصاً في ليبيا كما أن الولايات المتحدة ترى ليبيا عبارة عن مشكلة عسكرية بحتة، وتتجاهل البعد السياسي فيها.