ليبيا أرض محطمة .. بسبب الأسلحة والمتفجرات التي تغمرها، والتنافس القبلي والسياسي الذي يحكمها، والمهاجرين غير الشرعيين الذين تغص بهم، وبسبب تحولها لمأوى للجماعات الإرهابية الفتاكة، تشكل ليبيا مأساة صارخة في شمال أفريقيا، بعد ست سنوات من عمل عسكري بريطاني فرنسي أميركي أدى إلى إسقاط نظام القذافي.

الآن وبقدر معين من الندم الهادىء، تسعى بريطانيا وفرنسا لتقف ليبيا مرة أخرى على قدميها. ولكن بشيء من التصرف في قافية أنشودة "هومبتي دامبتي" الشهيرة في الحضانة ، هل يمكن "لكل خيول الملك وجميع رجال الملك وضع همبتي معا مرة أخرى على قدميه؟"

هذا البلد الذي تبلغ مساحته ضعف مساحة تكساس مرتين و لا يتجاوز عدد سكانه 6 ملايين شخص ، يتحدى حتى الإجابات السهلة.

بعد كتابته مقالا تحت عنوان : "ليبيا يمكن أن تكون كبيرة مرة أخرى"، نزل وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون إلى طرابلس لرؤية الأشياء بعينيه. لم تكن تلك رحلته الأولى، لكن التحرك يمثل التزام الحكومة البريطانية بإصلاح المشكلة التي بدأت للأسف في عام 2011 عندما أدى التدخل الخارجي المضلل خلال انتفاضات الربيع العربي إلى إسقاط العقيد القذافي.

واعترف الوزير جونسون بأن إزالة القذافي في عام 2011 كانت "مأساة حتى الآن" للشعب الليبي. وقال لـ بي بي سي : "لقد أفرطنا بالتفاؤل" بشأن مستقبل ليبيا.

لقد كان ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا السابق، والرئيس الفرنسي الأسبق نيكولاس ساركوزي، ووزيرة خارجية الولايات المتحدة السابقة هيلاري كلينتون، عاملا أساسيا في تحطيم ليبيا، وإطالة أمد مشاكلها الاجتماعية والأمنية.

ومن الناحية الواقعية، توجد في البلد حكومتان متنافستان، وفروع لا تنتهي من الميليشيات، وثقافة أصولية إسلامية راسخة. وعلاوة على ذلك، وهذا هو السبب في أن الغرب بات جادا في حل المشكلة؛ لا تزال ليبيا ممرا لمئات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين من وسط وغرب أفريقيا الذين يقصدون الآن إيطاليا.

وفي كلمته أمام مجلس الأمن، تحدث الممثل الخاص الجديد للأمم المتحدة في ليبيا غسان سلامة للمندوبين عن الصعوبات العملية التي تواجه السكان في العاصمة طرابلس "لقد تعب الناس من التخفيضات التي لا نهاية لها في الكهرباء والمياه، والتي أثرت بدورها على الهاتف، الإنترنت، ولا يمكن لليبيين أن يفهموا لماذا هم فقراء في بلد غني بالموارد الطبيعية ".

وأضاف الدكتور سلامة، وهو أكاديمي من لبنان: "من غير الطبيعي في هذه الدولة الغنية أن تغلق الإدارات الجامعية واحدة تلو الأخرى لأن الفجوة الفاحشة في سعر الصرف أدت إلى انسحاب أعضاء هيئة التدريس الأجانب بشكل جماعي".

واعترف قائلا : "ومن الواضح أن هناك مشكلة خطيرة فى الحكم".

وأشار مندوب أوروغواي من جانبه إلى أنه بعد ست سنوات، من الصعب "تسمية ما يحدث في ليبيا قصة نجاح". وتعتبر الجريمة المنظمة والاتجار بالبشر من بين التحديات التي تواجه البلاد.

في الغرب، تحديدا في العاصمة طرابلس ، هناك حكومة الوفاق الوطني. وعلى الرغم من أنه معترف بها دوليا، فإنه تواجه مشهدا سياسيا غامضا. ويقابلها في الشرق نظام منافس في بنغازي يدعمه الجيش الوطني الليبي القوي تحت الجنرال خليفة حفتر.

وعلى الرغم من أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فتح الوساطة بين الجانبين في محاولة لوضع بصمة إيجابية للاتحاد الأوروبي في عهد ما بعد القذافي، إلا أن الوحدة الوطنية تخلو من الحلول السهلة.

النفط قد لا يساعد على حل المسألة. وتفيد تقارير الأمم المتحدة أن إنتاج النفط وصل إلى أكثر من مليون برميل من النفط يوميا، مما عزز الإيرادات الحكومية. ولكن في بلد كبير منتج للنفط، يجب على الناس في كثير من الأحيان الانتظار يوميا للحصول على 5 غالونات من الغاز.

فلماذا هذا مهم جدا بالنسبة لأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية؟ ولا تزال ليبيا دولة فاشلة تشكل ممرا للمهاجرين غير الشرعيين إلى إيطاليا وخارجها. وهناك شبكة واسعة من مهربي البشر الإجراميين يرسلون المهاجرين غير الشرعيين إلى البحر الأبيض المتوسط في كثير من الأحيان للقاء حتفهم.

ثم هناك مشكلة مقلقة من داعش والقاعدة والمقاتلين الأجانب الذين يستفيدون من فوضى ليبيا.

وأكد بوريس جونسون اهتمام بريطانيا القومي بليبيا باعتبارها "الخط الأمامي في مكافحة أوروبا ضد الهجرة غير الشرعية والإرهاب".

وقال مندوب المملكة المتحدة ماثيو ريكروفت "إن رسالتنا الأولى هي الوحدة، والتأكد من أن جميع الليبيين يجتمعون في هذا الوقت العصيب، ويضعون طريقهم المقسم وراءهم، ويتحدون من أجل هزيمة الإرهاب، للتصدي لتحدي الهجرة".

ويحذر تقرير للأمم المتحدة من أن "التهديدات الموجهة للأمن القومي لا يمكن معالجتها بفعالية إلا من خلال إنشاء قوات مسلحة وقوات أمنية ليبية موحدة".

الآن هناك جهد دبلوماسي كبير لعقد اجتماع رفيع المستوى بشأن ليبيا خلال المناقشة القادمة للجمعية العامة للأمم المتحدة.

ولكن كما حذرت الأمم المتحدة من أن "أي جهود لإجبار الحل يجب أن تكون بقيادة ليبيا والليبيين، وأن الأمم المتحدة هنا لدعمها في مساعيها، وأنها بالتأكيد لن تحل محلها".

*مقال لجون ميتزلر، مراسل بالأمم المتحدة يغطي الشؤون السياسية والعسكرية ، مؤلف كتاب "الدينامية الدبلوماسية المنقسمة في الأمم المتحدة".

**بوابة افريقيا الإخبارية غير مسؤولة عن مضامين الأخبار والمقالات والتقارير المترجمة