على الرغم من أن هيلاري كلينتون فشلت في محاولتها للوصول إلى البيت الأبيض جزئيا بسبب الاستياء الشعبي الناجم عن هجوم بنغازي الإرهابي عام 2012 ، والذي أسفر عن مقتل أربعة أميركيين بالرصاص ، فإن التاريخ سيحكم عليها بقسوة أكبر بسبب دورها الحاسم في التدخل العسكري الذي قادته الولايات المتحدة سابقا في ليبيا.

والحال أن وزيرة الخارجية كلينتون كانت في ذلك الوقت فعالة في ثلاثة منعطفات حاسمة لإقناع الرئيس أوباما بإعطاء الضوء الأخضر وتصعيد الحرب للإطاحة بالزعيم الليبي معمر القذافي.

أولا، كان لها دور حاسم في قرار الولايات المتحدة قيادة الحملة الجوية للناتو في ليبيا. وتحت ضغط شديد من الحكومات الأوروبية والعربية لمنع قوات القذافي من إخماد التمرد في مراحله الأولى، شهدت إدارة أوباما انقسامات عميقة بين مسؤوليها.

أبرز معارضي التدخل كانوا نائب الرئيس جو بايدن، ومستشار الأمن القومي توم دونيلون، ووزير الدفاع روبرت غيتس. أما الأصوات التي كانت مؤيدة ، فهي سامانثا باور، وهي مساعدة بارزة في مجلس الأمن القومي، وسوزان رايس السفيرة السابقة لدى الأمم المتحدة.

وعلى الرغم من أن وزيرة الخارجية كلينتون لم تتخذ ظاهريا أي موقف في البداية، إلا أنها عملت على تمهيد الطريق للتدخل الذي كانت " باور" و "رايس" تحثان عليه بالاستناد إلى قرار للجامعة العربية يدعو لفرض منطقة حظر دولي للطيران. مدعومة بهذا القرار ، توجهت في 12 مارس إلى باريس للاجتماع مع مسؤولين أوروبيين وزعيم المعارضة الليبية محمود جبريل، وذلك بعد أن ضغطت على أوباما بشدة التدخل.

وقال غيتس (وزير الدفاع الأميركي السابق) في وقت لاحق إن إلحاح كلينتون للتدخل "وضع الرئيس مع خيار 51 بدل 49 بشأن موضوع التدخل". ماذا لو أن إدارة أوباما كانت سمحت لقوات النظام الليبي بالفوز؟ لم تكن ليبيا القذافي بديمقراطية، ولكنها كانت شريكا في بعض الأحيان في الحرب على الإرهاب، وكان سجلها في حقوق الإنسان يتحسن بشكل مطرد.

في الواقع، واحدة من الأسباب التي جعلت الإسلاميين الراديكاليين مستعدين جيدا للسيطرة على التمرد هو أن القذافي (على عكس الحكام العرب الآخرين) كان أطلق سراح الغالبية العظمى منهم من السجون. هناك سبب صغير جدا للاعتقاد بأن ليبيا كانت ستواجه كارثة إنسانية لو أن قوات القذافي أخمدت الثورة . واستيلاؤها لاحقا على الزاوية وبلدات أخرى في أوائل شهر مارس لم يسفر عن سقوط جماعي لضحايا مدنيين. وقد فُضحت في وقت لاحق التقارير المثيرة عن عمليات اغتصاب جماعي ومرتزقة، وطائرات هليكوبتر تقتل المتظاهرين ، وهي التقارير التي حركت دعوات التدخل في الأسابيع الأولى من الحرب.

ثانيا، كانت كلينتون مؤثرة في الضغط من أجل إضفاء الشرعية وعلنا على تحول الإدارة من حماية المدنيين إلى إسقاط القذافي. ولم تكن هذه المهمة بالمصادفة - لقد كانت مقررة قبل سقوط القنبلة الأولى. وبينما كان أوباما مترددا جدا في إعطاء الضوء الأخضر لهذا التصعيد، كانت كلينتون أقل قلقا بشأن حقيقة أن "كل خطوة تضعك على منحدر زلق"، وفق ما يقول دنيس روس مستشار شؤون الشرق الأوسط السابق لدى البيت الأبيض، مقتبسا رأيها بأنه "لا يمكننا الفشل في هذا."

على الرغم من أن مسؤولين أميركيين تمسكوا طول الوقت بالقول إن تدخل حلف شمال الأطلسي كان المقصود به فقط حماية المدنيين، إلا أن غيتس اعترف في وقت لاحق بأن هذا كان "خيالا". حلف شمال الأطلسي فسر قرار مجلس الأمن رقم 1973 بمهمة مفتوحة لضرب قوات القذافي حتى "يسحب النظام ، وبشكل قابل للتحقق منه ، جميع القوات العسكرية إلى قواعدها." بعبارة أخرى، حتى يقبل النظام بالهزيمة العسكرية وفقدان السلطة.

وعلى الرغم من عدم رغبته في التخلي عن السلطة تماما ودون قيد أو شرط، ناشد القذافي باستمرار وقف إطلاق النار والحوار طوال فترة الحرب، عن طريق وسطاء مثل الأدميرال تشارلز كوبيك المتقاعد من البحرية الأميركية ، وتركيا، واليونان، ومالطا، والاتحاد الأفريقي، وأمين عام الأمم المتحدة بان كي مون.

وقال الزعيم الليبي في خطاب متلفز في 30 أبريل."تعالوا.. فرنسا وإيطاليا وبريطانيا وأمريكا. سنتفاوض معكم. لماذا تهاجموننا؟" . ليس هناك سبب للاعتقاد بأن القذافي والجماعات المتمردة العلمانية لم يكن بإمكانها أن تتوصل إلى توافق على "انتقال متفق عليه" إلى الديمقراطية التي سمحت لنخب النظام ببعض الأدوار المؤقتة في الحكومة، بينما لم تصل القوى الإسلامية إلى أي مكان قبل ذروة قوتها في أواخر ربيع عام 2011.

وقد أبدى مالا يقل عن ثلاثة من كبار مسؤولي وزارة الخارجية الشكوك حول إسقاط القذافي ، وهم - مديرة تخطيط السياسات آن ماري سلوتر، ومساعد وزيرة الخارجية فيليب غوردون، وجيريمي شابيرو. لكن مناشدات الزعيم الليبي تم تجاهلها. وعندما ضربت الغارة الجوية الأخيرة للناتو موكبا خاصا للقذافي بينما كان يحاول الفرار من مسقط رأسه المحاصر إلى منفى في الخارج في أكتوبر، مما أدى إلى القبض عليه وإعدامه خارج نطاق القانون، هتفت كلينتون بشكل طائش ، "لقد جئنا، وشاهدنا أنه مات".

ثالثا ، كان بإمكان جبريل والعلمانيين الليبيين الآخرين كسب تفوق عسكري على الأرض لولا وقوع الخطأ الأمريكي الثالث المشؤوم. فمع ثبات قوات القذافي في مواقعها على الرغم من أسابيع من الغارات الأطلسية الجوية ، وافقت واشنطن وسهّلت إنزالا قطريا ضخما للأسلحة تجاوز بشكل كبير المجلس الوطني الانتقالي (العلماني) لصالح إسلاميين متطرفين.

المتورطون في هذا الفشل الذريع لم يكشفوا الكثير عن ذلك في رسائل البريد الإلكتروني لتلك الفترة أو في شهادتهم اللاحقة أمام الكونغرس ، ولكن من الواضح أن كلينتون كانت من أوائل من ناصر سرا دعم إدخال الأسلحة إلى ليبيا بل وأشرفت شخصيا على الاتصالات الرسمية مع القطريين طوال الوقت.

وبسبب التداعيات المشتركة الناجمة عن أخطاء كلينتون الثلاثة في التقدير، باتت ليبيا اليوم كمركز لوجستي وتشغيلي مركزي لتنظيم داعش وغيره من الجماعات الإسلامية العنيفة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط.

ومع ذلك، ما زالت كلينتون تمعن في نفي مسؤوليتها في حرب الإطاحة بالقذافي. "كان قرار الرئيس" ، كما قالت في الحملة الانتخابية في ابريل نيسان الماضي. "نعم، لقد فعلت، وهذا ما يفعله وزير خارجية في نهاية المطاف، لكن تلك القرارات يتم اتخاذها من قبل الرئيس."