نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية تقريرا حول قائد الميليشيات الليبي صلاح بادي، وقالت الصحيفة إنه - قبل عشرة أشهر كان بادي لعنة على العاصمة الليبية طرابلس، حيث اشتبكت قواته مع الميليشيات الموالية للحكومة ما أسفر عن مقتل العشرات من المدنيين وسحق الأحياء. وفي نهاية المطاف وضعت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومجلس الأمن الدولي بادي على قوائم العقوبات لمحاولته "تقويض القرار السياسي في ليبيا".
وبادي اليوم هو أحد المدافعين عن طرابلس. فهو يناضل من أجل الحكومة التي أنشأتها الأمم المتحدة والتي حاول سابقا هو نفسه الإطاحة بها. ومن سخريات القدر أن هذه الحكومة بدورها مدعومة من قبل بعض القوى الغربية التي فرضت عليه عقوبات. والميليشيات التي حاربها سابقا هم الآن حلفائه.
وقد جمعت الأحداث لأخيرة في ليبيا مقاتلي بادي وعشرات من الميليشيات المتنافسة الأخرى مع ولاءات متغيرة وجداول أعمال متعارضة ومتعددة.
وهم يرون الآن أن الفرصة لكسب السلطة والنفوذ والأرض مواتية من خلال توحيد صفوفهم ضد قائد الجيش الليبي خليفة حفتر، الذي تسبب هجومه في أسوأ أعمال عنف في العاصمة منذ إسقاط نظام الراحل معمر القذافي قبل ثماني سنوات.
وبعض الميليشيات الموالية للحكومة يقودها مجرمون ومهربون مزعومون ومتشددون فرضت عليهم عقوبات من الأمم المتحدة، ونمت الميليشيات الشبيهة بالمافيا في طرابلس حيث أموال الدولة القوية والأثرياء، والدولارات في هذه الدولة المنتجة للنفط في شمال إفريقيا.
وقال وولفرام لاتشر الخبير في الشأن الليبي في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية "لم يروا دورًا لأنفسهم في الصراع على المال والسلطة في طرابلس على مدار السنوات الماضية"، مضيفا "لقد تم إحيائهم الآن من خلال ما يرون أنه صراع وجودي".
لكن اعتماد الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة على هذه الميليشيات - مع وجود سجلات مشكوك فيها في مجال حقوق الإنسان وطموحات كبيرة - يوفر لقادة مثل بادي قوة وتأثير أكبر على مصير البلد. وهذا يهدد بمزيد من الانقسام وزعزعة استقرار الأمة في الأشهر والسنوات المقبلة.
وأضاف لاتشر "إنهم يطلبون بالفعل من الحكومة توفير المزيد من التمويل والأسلحة والمعدات"، موضحا "قد تؤدي هذه المطالب إلى ظهور ميليشيات جديدة أكثر قوة".
في بلد يملي فيه العنف إيقاعات الحياة والسياسة، يعد بادي أحد المحفزات الرئيسية فلقد ساعد في تأجيج مسيرة ليبيا الفوضوية منذ سقوط النظام، وهو مصمم على تأكيد سيطرته وتنفيذ رؤيته لليبيا جديدة بأي ثمن.
وفي مقابلة نادرة في قاعدة عسكرية نفى بادي المزاعم الدولية بأنه يسعى لزعزعة استقرار ليبيا. وأضاف أنه لا يهتم بفرض عقوبات عليه وتجميد ممتلكاته وفرض حظر على رحلاته.
وقال أسامة الجويلي -القائد البارز الذي يرأس العمليات العسكرية لحكومة طرابلس- إن بادي لم يتم تجنيده من قبل الحكومة لمحاربة حفتر .
ومع ذلك اعترف الجويلي بأن حكومة طرابلس تحتاج إلى بادي وميليشيات أخرى. وقال الجويلي "إنهم يقاتلون من أجل نفس القضية".
ويمتلك بادي وغيره من الميليشيات الموالية للحكومة أسلحة من ترسانات ليبيا السابقة، التي تم الاستيلاء عليها أثناء الإطاحة بالنظام. كما تم دعمهم في السنوات الأخيرة من قبل تركيا وقطر.
وقال بادي "قاد جورج واشنطن ميليشيا" ، وكانت يديه مملؤتين بسلسلة من الخرزات المثيرة للقلق. "أنا جورج واشنطن ليبيا".
وُلد بادي في مدينة مصراتة الساحلية الغربية وتخرج من أكاديمية القوات الجوية وقام بقيادة طائرات ميراج خلال فترة نظام القذافي. وقال إنه كمدرس في الأكاديمية حاول تحريض الطلاب على النظام.
وبادي -أب لسبعة أطفال- حوكم ثلاث مرات وحكم في إحداها بالإعدام. تم العفو عنه لاحقًا بموجب برنامج مصالحة بدأه سيف الإسلام القذافي، ثم في سنة 2011 اندلعت ثورات الربيع العربي، وقاد بادي مجموعة من المتمردين ضد قوات الجيش الليبي، وعندما قتل القذافي بوحشية وابنه المعتصم بالله، قال بادي إنه كان مسؤولاً عن دفن جثثهم في مكان سري، وحتى يومنا هذا لا يزال موقع جثة القذافي لغزا، وقال بادي مبتسما في إجابة عن سؤال أين مكان قبر القذافي:"لا يمكنني أن أخبرك أين دفن".
وبعد "الثورة" عمل بادي في حكومة مؤقتة وفاز فيما بعد بمقعد برلماني في الانتخابات. وفي عام 2014 أطلق حفتر أول محاولة له للاستيلاء على طرابلس. وانضم بادي وميليشيات لواء الصمود التابعة له إلى تحالف لوقف حفتر.
وعندما قامت الأمم المتحدة بتثبيت حكومة الوفاق الحالية في عام 2016 كان بادي ضدها. في تلك السنة قاد ميليشيات "في محاولات متكررة للإطاحة بحكومة الوفاق من السلطة" واستعادة حكومة منفصلة لم يعترف بها المجتمع الدولي كما قال مجلس الأمن الدولي عندما فرض عقوبات على بادي العام الماضي. وهاجم بادي مرة أخرى العاصمة في عام 2017 بالدبابات والمدفعية الثقيلة.
واعتمدت حكومة الوفاق بقيادة رئيس الوزراء فايز سراج اعتمادًا كبيرًا على الميليشيات من أجل أمنها. واليوم تسيطر بعض هذه الفصائل المسلحة على الوزارات الرئيسية والبنوك والشركات. ونشر قادة الميليشيات على وسائل التواصل الاجتماعي صورًا عن أنفسهم في إجازات فاخرة وقيادة سيارات باهظة الثمن مما زاد من حدة الغضب والاستياء بين الليبيين.
وفي سبتمبر الماضي هاجمت ميليشيات بادي وميليشيا أخرى العاصمة مرة أخرى "لتطهيرها" من الميليشيات "الفاسدة" الموالية لحكومة الوفاق على حد قول بادي.
وقتل 115 شخصًا على الأقل خلال شهر من الهجمات معظمهم من المدنيين. وقالت وزارة الخزانة الأمريكية في فرض العقوبات على بادي إن قواته أطلقت صواريخ غراد على المناطق المكتظة بالسكان.
وقال "جئت لأقاتل الميليشيات وأستعادة المدينة من أجل الناس".
وحتى مع انضمام بادي إلى حكومة الوفاق قال إن الأمم المتحدة ارتكبت خطأ بوضع السراج على رأس الحكومة، وأضاف بادي "بدأت المشاكل عندما وضعت الأمم المتحدة السراج في السلطة"، موضحا "لم نختار رئيسنا".
ويصف بادي حفتر بأنه "ديكتاتور آخر". لذا عندما قام حفتر بحملة مفاجئة على طرابلس في أوائل أبريل حشد بادي رجاله وانضم إلى عشرات الميليشيات الأخرى -بما في ذلك تلك التي حاربها للتو- للدفاع عن العاصمة.
وحتى الآن أسفر الصراع عن مقتل أكثر من ألف شخص -من بينهم 106 مدنيين- وجرح أكثر من 5500 -من بينهم 289 مدنياً- وفقاً لمنظمة الصحة العالمية. لم يتمكن حفتر من الدخول إلى وسط طرابلس ويبدو الآن أنه في مأزق عسكري.
وقال بادي "أفضل شيء فعله حفتر هو توحيد صفوفناا".
وفي حين تحارب بعض ميليشيات طرابلس الفاسدة والمسيئة حفتر بقي البعض الآخر على الهامش. ويسارع مسؤولو حكومة الوفاق إلى الإشارة إلى أن جانب حفتر لديه أفراد يخضعون لعقوبات الأمم المتحدة أو مطلوبين من قبل المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.
وفي طرابلس ، تنقسم تصورات حول بادي.
السؤال للعديد من الليبيين هو: ماذا سيفعل بادي والميليشيات الأخرى بعد انتهاء الحرب؟
أعادت الحرب الخلافات القديمة إلى الواجهة وخلقت انقسامات جديدة بحسب لاتشر. والغضب من فساد ميليشيات طرابلس يتعمق. ويشمل حلفاء حفتر المجتمعات الغربية الليبية التي كانت مؤيدة للقذافي وعانت من الهزيمة في عام 2011، فيما بعض المدن الليبية الغربية مقسمة بين حفتر والحكومة التي تدعمها الأمم المتحدة.
وقال لاتشر "لا ينبغي لنا أن نتوقع منهم جميعًا العودة إلى ديارهم مرة أخرى عندما تنتهي الحرب"، موضحا "أن تعبئتهم ستعيد طموحات قادتهم السياسية ومطالبهم بالمكافآت المادية".
والواقع أن بادي يخطط بالفعل للانقلاب على حلفائه من الميليشيات.