مع اندلاع ثورات الربيع العربي اتجهت الإدارة الأمريكية إلى دعم الحركات الإسلامية و جماعة الإخوان المسلمين و فروعها تحديدا كبديل للأنظمة القديمة في مصر و تونس و ليبيا ،فقد دعت آنذاك المراكز و المؤسسة البحثية في الولايات المتحدة الأمريكية إدارة الرئيس أوباما إلى تبني الحركات الإسلامية الاخوانية و دعمها في الوصول إلى السلطة في دول الربيع العربي، و من بينها حركة النهضة التونسية و التي تمثل فرع جماعة الإخوان المسلمين في تونس .

وقد وصل الأمر إلى حد الدعم المالي ، فقد كشف ويليام تايلور، المبعوث الأمريكي لـــ"التحول الديمقراطي في الشرق الأوسط" في وقت سابق ، عن قيام واشنطن بتقديم أموال لحركة النهضة ، معترفا في الوقت نفسه، بأن العلاقة بين الإدارة الأمريكية وحركة النهضة تعود إلى سنوات خلت، وبالتحديد إلى فترة عمل إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش. وقال تايلور، في حديث أجرته معه صحيفة الصباح التونسية "إن علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بحركة النهضة التونسية “ليست حديثة العهد"، مضيفا أن "الإدارة الأمريكية ربطت علاقات مع الحركة منذ إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش".وبلغت اعترافات المسؤول الأمريكي لتصل حد القول، بأن العلاقة بين واشنطن وحركة النهضة "امتدت من إجراء محادثات بين الجانبين إلى غاية تقديم مساعدات مالية لها".  وفي هذا الإطار، قال ويليام تايلور إن "الإدارة الأمريكية قدمت مساعدات مالية لحركة النهضة، مضيفا أن تلك المساعدات شملت أيضا أحزاب أخرى"، دون تسميتها أو ذكر البلدان التي تنتمي إليها،الأمر الذي نفته قيادة النهضة في أكثر من مناسبة.

و كان رموز المحافظين الجدد من كبار الداعمين للحركة الإسلامية التونسية ،ففي أعقاب فوز النهضة في انتخابات 23 أكتوبر 2011 و تشكيل حكومة حمادي الجبالي أوفد الكونغرس الأمريكي وفدا رسميا للقاء رئيس الحكومة التونسي الجديد و أمين عام حركة النهضة و كان على رأسه السيناتور جون ماكين ،و قد أثار العناق التاريخي بين ماكين و الجبالي جدلا واسعا في تونس خاصة في صفوف أنصار الحركة الإسلامية آنذاك،و كان الجبالي قبل ذلك و في ربيع العام 2011 أشهر قليلة بعد سقوط نظام زين العابدين بن علي ،قد أدى بصفته أمينا عاما لحركة النهضة زيارة رسمية الى واشنطن و امتدح الديمقراطية الاسرائلية في مقر وزارة الخارجية الأمريكية.

علاقات قديمة

و كشفت وثائق صادرة عن السفارة الأميركية في تونس، ضمن تسريبات «ويكيليكس» عن علاقة جيدة جداً تربط بقايا حزب النهضة الإسلامي التونسي في عهد الرئيس الاسبق زين العابدين بن علي بالبعثة الدبلوماسية الأميركية. زيارات متبادلة بين الطرفي،ٍففي وثيقة ، تعود ليوم 29 تشرين الثاني 2005 (05TUNIS2564)، بعنوان «انقسام ثنائي للإسلام في تونس»، يتحدث السفير وليم هادسون عن وضع الإسلام في تونس، ويعرض تزايد التديّن في البلاد وتاريخ العلاقات بين السلطة والحركات الإسلامية. ويبدو من هذه الوثيقة، أنّ العلاقة بين السفارة وأعضاء حزب النهضة الإسلامي المنحلّ جيدة، اذ تستعين بهم السفارة للمعلومات. ويبدو من بعض الوثائق أنّ شخصاً كزياد الدولالتي، وهو اليوم عضو المجلس التأسيسي للنهضة، كان صديقاً للسفارة، وعلى جدول الزوار الدائمين. زائر يسعى ما في وسعه للترويج لحزبه ولشخصه على أنّه يمثل الإسلام المعتدل.

في الخامس عشر من آب 2006 عقد لقاء بين الإسلاميين التونسيين المعتدلين والمستشارين السياسي والاقتصادي والضابط السياسي في السفارة. وفي برقية في 21 آب (06TUNIS2155) يرسل نائب رئيس البعثة في تونس ديفيد بالارد تفاصيل ما دار في اللقاء، الذي أعدّه بناءً على طلب التونسيين، رضوان مصمودي، وهو أميركي من أصل تونسي يرأس مركز دراسة الإسلام والديمقراطية في واشنطن. شارك في الاجتماع سعيدة أكرمي، الأمينة العامة للرابطة الدولية لدعم السجناء السياسيين، صلاح الدين الجورشي، صحافي وناشط في المجتمع المدني وعضو سابق في حزب النهضة، وزياد الدولاتلي وهو من مؤسسي الحزب، وقضى 15 عاماً في السجن. وتوضح البرقية أنّ الإسلاميين المعتدلين، كما تسميهم مع بعض التحفظات، إذ ترفق هذه العبارة بمزدوجين كأنّها تلقي المسؤولية بالتسمية على آخرين، أرادوا مقابلة ممثلين عن السفارة «لإعادة فتح حوار في «القضايا المشتركة». ونكتشف أنّ العلاقة بين الطرفين و«الحوار» بينهما يعودان إلى الثمانينيات وتوقف «الحوار» بعد الحملة الحكومية على الحزب وحلّه وزجّ قادته في السجن. وتضمّن هذا الحوار القديم لقاءات مع أعضاء من الكونغرس زاروا تونس»،و في وثيقة أخرى زار أحد الموظفين السياسيين في السفارة الأمريكية حمادي الجبالي الأمين العام لحركة النهضة  في 31 آب 2006 (06TUNIS2298) في منزله في سوسة، لأكثر من ساعتين. ما لفت نظر الضابط أنّه على عكس كل من يلتقيهم من المجتمع المدني والمعارضة، لم يشتك الجبالي من السياسات الأميركية في لبنان، وإسرائيل والعراق.(1)

ما بعد السلطة...نحو ترميم العلاقات

شكلت حادثة الهجوم على السفارة الامريكية بتونس و إحراقها على يد عناصر سلفية جهادية في سبتمبر 2012 تحولا مفصليا في العلاقات بين الإدارة الأمريكية و حركة النهضة ،بعد أن اعتبرت واشنطن ان الحكومة التي تقودها النهضة برئاسة حمادي الجبالي و علي العريض وزيرا للداخلية مقصرة في حماية البعثة الدبلوماسية الأمريكية و إنها شريك غير مجدي في مناهضة الإرهاب.

في أعقاب خروج حركة النهضة من السلطة موفي شهر فبراير/شباط 2014 الماضي ،الامر الذي فرضه مسار الحوار الوطني التونسي و راعه السفير الأمريكي بتونس جاكوب كلاوس،حاولت الحركة ترميم علاقاتها مع الولايات المتحدة ،كما وجدت في مراكز الضغط الأمريكي أنصار لها من الباحثين و مستشاري الإدارة الأمريكية حتى أن ديفيد بولوك الباحث القديم في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى و المقرب من دوائر القرار الأمريكي كتب مادحا خروج النهضة من السلطة قائلا :" ومع ذلك، فإن موطن "الربيع العربي" يعلِّم المنطقة الآن درساً قيماً آخر: أنه من الممكن، على الأقل من حيث المبدأ، أن تتخلى حكومة إسلامية منتخبة شعبياً عن السلطة بصورة سلمية. ونظراً للطابع العلماني بشكل استثنائي الذي يتسم به المجتمع التونسي، وفقاً للمعايير الإقليمية، ربما يكون هذا نموذج بعيد المنال لدول الجوار. إن تلك السمة هي التي حرمت الإسلاميين من الحصول على أغلبية مطلقة في أول انتخابات حرة في البلاد قبل عامين، وهي التي ضغطت في النهاية على "حزب النهضة" لكي يستقيل في الأسبوع الماضي. بيد أنه على الرغم من كل خلافاتها، فإن المجتمعات العربية الأخرى - لا سيما تلك التي حذت حذو تونس بقيامها بثورة مماثلة - يمكنها البدء في التحرك نحو مستقبل أكثر إشراقاً إذا تعلمت الدروس من هذا النموذج التونسي الجديد أيضاً."

في هذه الأجواء شد رئيس الحركة و مؤسسها راشد الغنوشي الرحال إلى واشنطن بداية مارس الحالي طائفا على مراكز الأبحاث و مؤسسات المجتمع المدني الأمريكي لإقناعهم بجدوى التعويل على الحركة في الاستحقاقات الانتخابية القادمة في تونس كما التقى الغنوشي التقى بعدد من الشخصيات السياسية سواء في وزارة الخارجية أو في الكونجرس أو في مجلس الشيوخ و ألقى محاضرة في مركز كارنجي للدراسات مسوقا لفكرة "التحالف بين الإسلاميين المعتدلين والعلمانيين المعتدلين" على حد قوله.

و قال الغنوشي تعليقا على زيارته تلك :" أنا عائد لتوي من الولايات المتحدة حيث كانت هناك عشرات اللقاءات والندوات مع ثلة واسعة من رجال الفكر والموضوع الرئيسي كان التبشير بالنموذج التونسي حول الديمقراطية، هذا النموذج الذي يلاقي إعجابا كبيرا اليوم لما حققه من تحول ديمقراطي في البلد وما أنجزه من دستور وتوافق ،هذا النموذج يقوم على فكرة التوافق وليس على فكر المغالبة،هذا المشروع يقوم على فكرة التحالف بين الإسلاميين المعتدلين والعلمانيين المعتدلين، باعتبار النهضة الحزب الأكبر قدمت فيه تنازلات أكبر لصالح استمرار المشروع الديمقراطي ووضع قطار تونس على مسار الانتخابات وتحت إشراف حكومة محايدة،النهضة تلاقي إعجابا كبيرا في وسط الدارسين الاستراتيجيين لما قدمته من تنازلات لصالح المشروع الديمقراطي إذ وجدت أن استمرارها في الحكم سيؤدي الى انهيار النموذج الديمقراطي وبالتالي قدمت هذه التضحية بمصلحة حزبية من أجل مصلحة وطنية، هذا جعل الحديث عن استثناء تونسي في التحول الديمقراطي ويسر للشمعة التونسية أن تستمر في الإضاءة وهي مهددة برياح عاتية،أحسب ان هذه مسؤولية كبيرة وشرف كبير لتونس على أن لا تخيب ظن العالم فيها وأصبح الحديث عن استثناء تونسي وسط صعوبات وانهيارات في العالم العربي إزاء التحول الديمقراطي."

________

(1)- حزب النهضة في تونس: نحن ما تحتاج له أميركا - http://bit.ly/1gUHVbl