محمد ولد أمين، وزير ودبلوماسي سابق. حاصل على شهادات عليا في الإعلام والقانون و العلوم السياسية. وهو كاتب وروائي، صدرت له العديد من المؤلفات والدراسات في المجالات السياسية والأدبية.
بوابة إفريقيا الإخبارية، التقت به، وأجرت معه حوارا ، تناول علاقته بالرئيس الموريتاني الحالي محمد ولد عبد العزيز والوضع السياسي في موريتانيا وعلاقاتها السابقة بإسرائيل، إضافة إلى الوضع في منطقة الساحل، وتقييمه للربيع العربي وصعود الإسلاميين في بعض دول المنطقة...
- بوابة إفريقيا الإخبارية : لنبدأ بفترة توليك حقيبة الإعلام في أول حكومة بعد انقلاب آغسطس 2008، حيث تشير في إحدى كتاباتك بعد ذالك، أنك كنت تعمل تلك الفترة قدر المستطاع على أن لا يشارك العسكر في الانتخابات ولا يرشحون لها أحدا. هل كان ذالك من أسباب خلافاتك مع الرئيس محمد ولد عبد العزيز؟
- محمد ولد أمين: الانقلابات تأتي دائما كجواب لانهيار العملية السياسية وانقلاب اغسطس 2008 لم يكن الاستثناء قفد جاء بعد أزمة سياسية عاصفة وصلت إلى حد تقلص فيه نفوذ الرئيس إلى أدنى مستوى يصله الخيال وفقد تأثيره على أغلبية في البرلمان ، مجرد أقلية ضئيلة ظلت معه ولم تتماش السلطة السياسية مع هذا المعطى الجديد لأنها كانت رغم ضعفها تميل للحكم الشخصي وأعوزتها الإمكانيات لذلك!
بعد الانقلاب انقسم الناس إلى قسمين واحد يبكي على ديمقراطية وهمية ويمارس التهويل ويستقوي بالخارج لتنفيذ أجندته، ومعسكر آخر يريد الوصول السلس للديمقراطية الحقة وليس العودة للنظام المطاح به للتو ...أنا من هذا المعسكر ومازلت أعتبر أن هذا الانقلاب لو تمخضت عنه انتخابات لا يشارك فيها العسكر لكانت موريتانيا وصلت لديمقراطية متقدمة ولاستحق لقب التصحيح بجدارة وهو الشعار الذي رفعه العسكر في الأيام الأولى.
نعم رأي محمد ولد أمين معروف وقد عبر عنه في أكثر من مرة ومنها للتذكير الجلسة الشهيرة في مكتب وزير الداخلية وبحضور أغلب أعضاء الحكومة ساعتها وهي جلسة لوضع تصور المستقبل السياسي للبلاد. من المعلوم لدى الكافة أنني حاولت كثيرا إيجاد تقارب بين الجنرال والسياسيين واقترحت منظومة دستورية برلمانية كحل يؤدي لحكامة جماعية لكن كل ذلك لم يلق أي اهتمام منه بسبب طموحاته الشخصية والتي لم يكشف عنها إلا في يناير 2009 ، ومن الجدير بالذكر الدور الكبير الذي لعبه ساسة "التزلف" في إقناعه بالتشبث بالسلطة وساسة التزلف ليسوا بالضرورة شيوخا تقليديين بل للأسف أغلبهم نخب متعطشة لاحتكار السلطة وعبادة الطغيان...ومع الوقت صاروا بلاط حكم متمرس لكل من هب ودب.
أمام هذه الوضعية قررت الانسحاب بهدوء انسجاما مع قناعاتي الشخصية ودون أي رغبة في الظهور الإعلامي وعدت لبيتي وأغلقت بابه جيدا وتركت الحياة العامة بكياسة لم أشارك في تأسيس الحزب الشمولي يوم تأسيسه وامتنعت عن دخول أي حملة لصالح الجنرال عزيز.. وذهب كل في سبيله .
-بوابة إفريقيا الإخبارية: هل صحيح أنك ساهمت في قطع العلاقات الموريتانية الإسرائلية، وتذليل بعض العراقيل والعقبات أمام تطبيع العلاقات مع ليبيا وإيران وسوريا؟ وكيف ذالك؟
- محمد ولد أمين: لقد كنت ومنذ أول يوم ضد إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ومازلت أعتبر أنها علاقات مشينة وقبيحة ودون فائدة .. وصدقت الأحداث تخميناتي وقد نشرت في ذلك مقالات مختلفة على مر السنين وحين أصبحت وزيرا طالبت بقطع هذه العلاقات ومنذ أول يوم... وقد اعترض الكثيرون على مسعاي ومنهم من راح لباريس يتودد لتسيبي ليفني ، ومنهم من قال في جلسات الحكومة إنني أقوم بذلك لتوريط الجنرال في عداوات ستضعفه وفي النهاية اكتشف هو نفسه -أي الجنرال- أنه أمام وهم خلقه القصور الذهني لرؤساء موريتانيا السابقين، فقرر الإصغاء لي ولمن يريد قطع الصلات الغريبة مع الصهاينة لكنه إصغاء حذر ومتردد وهذا هو سبب التباطؤ وربما التناقض في هذه القصة العجيبة . اكتشف في النهاية أن طرد إسرائيل سيفيده داخليا وخارجيا وان الدول التي ترحب بهذا التصرف قادرة على إخراجه من ورطة الانقلاب وهذه الدول هي قطر ليبيا ايران الجزائر وسوريا وقد تكلفت شخصيا بمسلسل إعادة المياه لمجاريها مع جل هذه الدول وهو ما أثمر في النهاية بعودة موريتانيا للحياة الدولية الطبيعية بدون علم اسرائيل وبدون رضاها وبدون أي مضايقات كان البعض يظنها مؤكدة وقطعية الدلالة ، وحين غير الجنرال عزيز رأيه تغيرت آراء الوزراء والساسة وأصبحوا بغتة يتحدثون بحماسة وعروبة وكأنهم كانوا من أعداء الهرولة والتطبيع
- بوابة إفريقيا الإخبارية: في الحلقة 11 من مذكراتك التي كانت بعنوان (رحلات حسن ولد مختار ) في معرض الحديث عن زيارتك لليبيا ولقائك بالقذافي ... وعلاقات الأخير بقطع موريتانيا لعلاقاتها مع إسرائيل..، تقول إنه بعد قطعها ومغادرة السفير إلى تل أبيب "استقر قائم بأعمال لسفارة اسرائيل وكذا رئيس لمكتب الموساد في سكن السفير السابق ونعما بحراسة كريمة من مصالحنا الامنية !"، هل من توضيح لذالك؟
- محمد ولد أمين: هذا صحيح ويصلح للتندر ووثائق ويكيليكس أظهرت بدورها مدى تودد وزير الخارجية ساعتها لسفير إسرائيل وسفير الولايات المتحدة ومن المعروف أنه بعد طرد السفير تم إبقاء نائبه هنا ولم يطرد ولم تغلق السفارة إلا بعد الانتخابات الرئاسية سنة 2009 وربما مازالت هناك صلات خفية –الله اعلم- وهذا يظهر درجة التهويل التي تتمتع بها دويلة إسرائيل في أذهان البعض مع العلم أنها دولة قليلة السكان وبعيدة وضعيفة التأثير في الأحداث العالمية لأسباب موضوعية واضحة.
القذافي رحمه الله كان يهتم بموريتانيا كثيرا... وقد اشترط دون لف ولا دوران طرد إسرائيل منها لإقامة أي علاقات تعاون معها وهذا ما حصل وهذا ما جعل ساركوزي يتكيف مع الوضع الجديد ....القذافي معنا كان في منتهى الودية والطيبة والفضل !
- بوابة إفريقيا الإخبارية: على ضوء نتائج الانتخابات التشريعية والبلدية الأخيرة في موريتانيا، والتي قاطعتها أحزاب منسقية المعارضة ووصفتها بـ"المهزلة"، باستثناء حزب "تواصل"، كيف تنظرون إلى المستقبل السياسي في البلد؟ وهل تعتقدون بإمكانية حصول توافق بين النظام والمعارضة يدفع بهذه الأخيرة للمشاركة في الانتخابات الرئاسية المقررة بعد أشهر؟
- محمد ولد أمين: بالنسبة لي من الصعب وربما المستحيل الحصول على نتائج حقيقية وتعبر عن إرادة الناخب عبر هذه الآليات المتبعة حاليا ولو تصور أحد من باب القياس أن الانتخابات الرئاسية ستعرف نفس التناقضات التي عرفتها الانتخابات التشريعية فسنكون أمام كارثة عظمى ....مثلا تصوروا لجنة انتخابات تفرز نتائج متناقضة تجعل هذا رئيسا في الصباح وتتراجع عنه في المساء ..كما حدث مع بعض النواب ! .
بالنسبة لي لن يوجد حل للأزمة السياسية التي تنخر الكيان الموريتاني دون نقاش مستفيض ومراجعات دستورية عميقة ، وفي هذا الصدد أعتبر أن إرساء نظام برلماني هو الضمانة المثلى لتعاطي السياسة بنظافة وحكمة.
لا بد من مؤتمر وطنى يحضره العسكر والساسة وأهل الحل والعقد لبناء موريتانيا متصالحة ومتحدة بدون ذلك ليس هناك إلا الهروب إلى الأمام وتضييع الوقت في متاهات تؤدي إلى تسريع وتيرة الخطر البنيوي الذي تحمله موريتانيا منذ ميلادها وهو خطر التحيزات العنصرية والعرقية فكلما ضعفت السلطة الأخلاقية للدولة برزت بدائل كارثية أخرى وهذا للأسف هو المنحى الذي بدأت مخائله ترتسم في الأفق المنظور
- بوابة إفريقيا الإخبارية: كيف تنظرون لما تشهده منطقة الساحل الإفريقي منذ سنوات من عدم استقرار أمني ونشاط لجماعات جهادية أدى في بعض الأحيان لتدخلات عسكرية من خارج القارة مثل ما حدث في شمال مالي؟
- محمد ولد أمين: منطقة الساحل جزء من خط التماس الذي يقسم إفريقيا إلى شطرين أي إفريقيا العربية وإفريقيا السوداء وهي منطقة عرفت نزاعات محتدمة في السودان وتشاد والنيجر و مالي وموريتانيا ...في الحالة المالية هناك استقالة حكومة مالي من الشمال جعلت الإرهاب يستوطن ليس في الأرض وإنما في النفوس أحيانا ...التدخل العسكري الفرنسي تأخر كثيرا بسبب ضغوط دول عديدة وما كان ليقع لو لم يقترب مقاتلو القاعدة من باماكو ...وهو تدخل أنقذ كيان الدولة المالية وساعد في عودة الديمقراطية هناك أي أنه تدخل مفيد جدا وأنا أثمنه كثيرا .
كنت أتمنى أن تهتم الجزائر بالدول التي تحاذيها جنوبا وأن تلتفت إلى تنميتها كما تفعل السعودية مع اليمن وكنت أظن ان الرئيس بوتفليقة سيهتم بموريتانيا وبمالي التي عنده فيها ذكريات شخصية لكن الإخوة في الجزائر ينظرون دوما للشمال وبعبارة أخرى يمكن القول أن انشغال الجزائر عن الجوار الجنوبي ساعد في تقوية بؤر التوتر الإرهابية وجعل من المنطقة المحاذية منطقة ملغومة وسريعة الاشتعال.
- بوابة إفريقيا الإخبارية: ما تقييمكم للربيع العربي بعد مرور ثلاثة أعوام على انطلاقته وصعود التيارات الإسلامية في بعض الدول العربية؟
- محمد ولد أمين: الربيع العربي تحول لمصيبة في مصر ومأساة في سوريا لكن طريق الحرية طويل وشائك دائما والعثرات مصدر قوة في المستقبل..صعود الإسلاميين ليس من مصادر الإزعاج بالنسبة لي جل التيارات الإسلامية بلغ سن الرشد وله برامج واضحة هذه المشكلة مفتعلة للتهرب من الديمقراطية .
- بوابة إفريقيا الإخبارية: سبق وأن زرت سوريا والتقيت ببشار الاسد.. وتقول بعد ذالك في تعليق على أحداث "الثورة" في سوريا أن "لا أحد يحسد بشار على نهايته الوشيكة والمتضحة القسمات وهي نهاية ربما تكون أكثر دموية من نهاية معمر القذافي.." ، ألا ترى أن الواقع على الأرض قد تغير الآن وأن المعارضة السورية هي التي دخلت في وضع لا تحسد عليه، كما يرى النظام؟
- محمد ولد أمين: لا أظن فقد قادت الحرب إلى نزاع طائفي بين أهل السنة والعلوية النصيرية بقاء الأسد في الحكم أمر مستحيل والأسد لا يحكم سوريا حاليا إنه مجرد قائد لفصيل في حرب أهلية وحتى إذا كسب الحرب فإنه سيقود بلدا محتلا وسيكون وضعه كوضع أي جنرال فرنسي أيام الانتداب لذلك فهو خسر الحرب لأنه خسر شعبه وهذا مؤسف جدا من حاكم شاب ومثقف كان بمقدوره رسم مخرج أفضل له ولبلاده.لعبة الأمم وصراع إيران والغرب انعكس على سورية وفي هذا الإطار وحده يمكن فهم بقاء الأسد على قيد الحياة ! .
- بوابة إفريقيا الإخبارية: إذا ابتعدنا عن السياسة، هل يمكن أن تحدثنا عن الجانب الأدبي في حياتك وتكوينك الثقافي ، وعن الكتب والمذكرات التي نشرتها؟
- محمد ولد أمين: لقد نشرت رواية مذكرات حسن مختار منذ فترة ولقيت نجاحا ملفتا للانتباه وهذا ما دفعني لكتابة رواية أخرى ستصدر في الصيف المقبل عن دار الساقي ببيروت ولي كتب أخرى في أدب الرحلة ومقالات عديدة في السياسة.
في الأساس أنا قانوني ودرست الحقوق هنا وفي الخارج وعملت لفترة طويلة في السلك الدبلوماسي لبلادي لكن شياطين الأدب تأخذني في معيتها غالبا ..الأدب بالنسبة لي حالة مستكبرة وعويصة تفرض نفسها علي وتلزمني بالكتابة.