أكد وزير المالية وأملاك الدولة والتعاون الدولي والتنمية الجهوية حكيم بن حمودة ان الحكومة حرصت في قانون المالية التكميلي الى عدم اثقال كاهل الفقراء والموظفين. 

اثار قانون المالية التكميلي ردود فعل متباينة بين مرحب ومندد بسبب الضرائب الجديدة التي تضمنها القانون. ماذا يقول وزير المالية وبماذا يدافع عن مشروع الحكومة ؟
«الشروق» التقته في هذا الحوار .
لابد من تنزيل قانون المالي التكميلي في إطاره العام وانا في رأيي الإطار العام الذي يتنزل فيه قانون المالية والنقطة الاولى هي تدهور المالية العمومية من 2011 بسبب الضغوط الاجتماعية واستحقاقات الثورة وقع ارتفاع كبير جدا في المصاريف دون نمو مواز في المداخيل الذاتية لانه من الناحية الاقتصادية الفرق بين المصاريف والمداخيل الذاتية هو اهم عنصر في المالية العمومية والذي تجاهلناه في السابق .
المداخيل الذاتية هي المداخيل الجبائية وغير الجبائية بمعنى مداخيل الدولة ، هذا يجب ألا يكون تحت 85٪ ونحن وصلنا اليوم تحت 70٪ يعني ستنعكس عليه ضغوطات كبيرة على الخزينة العامة، تقريبا مثل مواطن مدة ثلاث سنوات ينفق في ألفي دينار ومداخيله لا تتجاوز الألف دينار يعني بعد ثلاث سنوات سيدخل السجن لانه تجاوز كل الخطوط الحمر . هذا تقريبا الوضع الذي انتهت اليه تونس والذي يتطلب بصدق في اقرب الأوقات حلولا وهذه الإشكالية سترافق الحكومات القادمة لثلاث او اربع سنوات. إذن الهدف الأساسي هو وضع حد لتدهور المالية العمومية . لكن هذا يندرج في إطار عام فيه معطيان هامان اولا الوضع الداخلي الى حد الان مازال هشا والاستثمار في تراجع لان المستثمرين يعتبرون أنه لا يوجد وضوح كامل في الواقع التونسي وهو نفس موقف المستثمرين الأجانب والقطاع الصناعي الذي يمثل قاطرة الاقتصاد لم يتطور بالنسب المطلوبة ونحن نأمل في ان تكون صابة الفلاحة هامة لتخفف الضغط على الاقتصاد وانتعاشة السياحة وعودة الانتاج في القطاع المنجمي والصناعات الكيميائية.
هذه القطاعات الثلاث هي التي تدفع الاقتصاد حاليا، الوضع العالمي كذلك صعب في نقطتين النقطة الاولى مستويات النمو لشريكنا الأساسي الاتحاد الاوروبي التي وصلت الى 0,2٪ مما ينعكس سلبا على صادراتنا والنقطة الثانية هي سعر البترول الذي له انعكاسات كبيرة سعر البترول وصل الى 115 دولارا تقريبا بسبب التطورات في العراق وليبيا ووضع عدم الاستقرار. هذا الوضع العام الذي نواجهه ومسؤولية الحكومة اليوم هي النهوض بالمالية العمومية في وضع هش داخلي وخارجي وهو تحد كبير.
كيف تم اعداد هذا القانون وفقا لأي منهجية؟
انا التقيت بعديد الخبراء تقريبا اهم الخبراء في تونس واستعمت اليهم وكذلك خلاصة الحوار الاقتصادي الذي كان محطة هامة رغم كل التجني عليه اولا لانه لأول مرة يقع تنظيم حوار اقتصادي وتقريبا لأول مرة بعد الثورة تكون الأحداث الاقتصادية في صدارة الأحداث . ثانيا نظمنا ثلاثين اجتماعا بمشاركة بين 200 و250 ممثل حزب وكذلك حوالي 100 ساعة عمل الى جانب التقارير الهامة التي يتم اعدادها من ناحية النتائج كانت هناك نتائج مهمة الاولى وضع المسالة الاقتصادية في قلب المسالة السياسية والثانية هي اننا قدمنا كل المعطيات لكل الاحزاب بمعنى ان كل الاحزاب تملك كل المعطيات الاقتصادية في تونس في الوقت الذي كانت فيه المعطيات الاقتصادية سرية . فبالتالي كل الاحزاب اليوم لها إلمام بدقة الوضع الاقتصادي وصعوبته وأهمية التحديات التي نواجهها.
النقطة الاخيرة اننا وضعنا في الاعتبار مقترحات النخبة والناس العاديين وقد بدأنا العمل على هذا القانون منذ تولي الحكومة الحالية، الإدارات العامة للمالية هي التي تبدأ العمل حال الموافقة على القانون السابق يعني المسالة آلية لكن نحن استفدنا من الحوار الاقتصادي وأعد لنا الكثير من المعطيات والأولويات تغيرت بعد النقاش والحوار مع المنظمات مثل مسائل الواجب الجبائي او ما يسمى بالتهرب الجبائي اصبح أولوية الأولويات بالنسبة لنا . قانون المالية في النهاية كان قانونا تشاركيا استمعنا فيه للخبراء ولاتحاد الشغل ولاتحاد الصناعة والتجارة واتحاد الفلاحين والأحزاب .
كانت هناك تقاليد في تونس وهو التصور الاقتصادي الاستراتيجي المعروف بمخطط التنمية لخمس سنوات وقوانين المالية السنوية كانت ترجمة لهذه المخططات بعد الثورة توقفت المخططات وآخر مخطط كان من المفروض ان ينتهي في 2011 لكن توقف في 2010 وبدأت هناك قوانين مالية أصلية وأخرى تكميلية والتي كان ينقصها العمق الاستراتيجي الموجود في المخطط وكانت قوانين محدودة تقتصر على التوازنات المالية . نحن قدمنا اول قانون مالية فيه توجه استراتيجي وقراءة فيها تصور متوسط وطويل المدى وهو جعل تونس ذات اقتصاد صاعد له نسب تنمية اكثر من 10 نقاط وتنمية مرتبطة بقطاعات جديدة أهمها التكنولوجيا الحديثة لكن الوصول الى هذا الهدف لابد من برنامج للانتعاش الاقتصادي ولهذا السبب ولأول مرة يكون لقانون المالية عنوان «على طريق الانتعاش الاقتصادي» وهذه الانتعاشة تكون نقطة انطلاق صعود الاقتصاد التونسي ومسألة الانتعاش تتجاوز هذه الحكومة وسترافق الحكومات القادمة باعتبار الظروف الصعبة للمالية العمومية التي ستكون اصعب في 2015 و2016 ومهمة الانتعاش الاقتصادي ستبقى مهمة مركزية للاقتصاد التونسي الى 2017 .
الان هناك اشكالية خاصة بقانون المالية التكميلي وهي كيفية وضع حد لتدهور المالية العمومية بدون ان نسقط في السياسة التقشفية مثل ما حدث في بعض الدول الأوروبية التي اثبتت فشلها. التقشف لا ينتج الا التقشف اقتصاديا واليأس سياسيا وهذا ما حدث في بلدان أوروبية لهذا ابتعدنا عن هذا الاختيار. ولذلك حددنا خمسة أولويات أولها الواجب الجبائي والتهريب وهذا قرار يعتبر قطيعة مع السابق. قبل الثورة كان التهريب مرتبطا ببعض أركان النظام السابق وكان التهريب «منظما» بعد الثورة تواصلت هذه العملية.
اتخذنا قرارات صارمة في موضوع التهريب تصل الى حد مصادرة أملاك الذين يدينهم القضاء بتهمة التهريب وهذا ليس في قانون المالية فقط بل تمش كامل للحكومة وكان السيد مهدي جمعة في اول ظهور له زار بن قردان وبوابة راس جدير واطلع على الوضع عن قرب. التهرب الجبائي والتهريب لهما دلالات سياسية واقتصادية فهو نتيجة القطيعة بين المواطن والدولة والمسألة الثانية التهريب هو نفي لوجود الدولة وتطبيق لقوانين اخرى غير قوانين الدولة إذن نحن نهدف الى المصالحة بين الدولة والمواطن وتأكيد علوية القانون على الجميع ومن الناحية الاقتصادية نسعى إلى تنمية موارد الدولة من الضرائب وذلك بإدماج أوسع ما يمكن من الخارجين عن المنظومة او المتهربين منها والتمشي الذي اخترناه هو تمشي مصالحة وليس انتقام .
في إطار النظام الديمقراطي الواجب الجبائي هو واجب مواطنة لان المواطن له حقوق وواجبات وأولها الضرائب. سينتهي النظام التقديري تقريبا اذ سيخرج منه حوالي 68 قطاعا ويعود النظام التقديري للأسباب التي بعث من اجلها مثل «العطار» في الحي او «الميكانيكي الصغير» اما المهن الاخرى فلن تكون تحت النظام التقديري وسيكون المواطن مطالبا بالاستظهار بخلاص الضرائب في بعض العمليات منها مثلا شراء او بيع عقار او كراء عقار وعديد المهن الحرة لكن باب الصلح سيبقى مفتوحا لآخر السنة لتسوية الوضعية الجبائية.
بالنسبة للتهريب والعملة على قارعة الطريق كل هذا سينتهي ونحن عازمون على إنهاء هذه المظاهر التي خربت الاقتصاد وتهدد وجود الدولة ، بناء الدولة الديمقراطية اليوم يقتضي مصالحة المواطن مع الدولة وعلوية القانون.
الإجراء الثاني هو ترشيد نفقات الدولة بالضغط على المصاريف مثلا الكراء والسفر والبنزين الخ ... ومسألة الدعم التي يجب ان يفهمها الناس . هناك نقد وجه لكل الحكومات وهو اثقال كاهل الموظف والمؤسسات التي تقوم بواجبها الجبائي وتخفيض الدعم على المواد الاساسية هذا ما كان يلام على الحكومات السابقة.
نحن اخترنا تمشيا اخر مغايرا تماماً فيه قطيعة مع السابق، نحن خلافا للحكومات السابقة رفضنا اثقال كاهل الفئات الفقيرة بل اخترنا توسيع قاعدة المساهمين في الجباية من خلال اداء الواجب الجبائي ومقاومة التهريب نسعى الى ادماج من هم خارج الدورة الجبائية لان هناك خياران لا ثالث لهما اما مزيد اثقال الموجودين في الدائرة الجبائية او تدمج آخرين وهذا ما اخترناه ادماج الذين خارج الدائرة ولن يقع المس من ضعاف الحال وهو توجه اجتماعي أساسي المواد المدعمة لن تمس رغم ان فيها بعض الشطط اليوم مثلا «شكارة الفرينة» بـ100 كلغ تتكلف على الدولة بـ89 دينارا وتبيعها الدولة الى الخباز بـ6 دنانير فقط للخبز و22 دينارا للباقات ! ورغم ان أسعار القمح سترتفع ومع ذلك حافظنا على الدعم مثال اخر 1 لتر من الزيت سوجة تتكلف على الدولة بـ2140 مليما وتبيعها الدولة بـ900 مليم وهذا ينطبق ايضا على السكر والقهوة وغيرها ومع ذلك اخترنا عدم المس بهذا الدعم لان الإجراء والطبقات الفقيرة دفعت بما فيه الكفاية واخترتا الذهاب الى الخارجين عن المنظومة الجبائية.
وما يقال اننا نطبق في السياسة المالية الدولية ليس صحيحا لان تعاطي المؤسسات الدولية واضح هو الضغط على المصاريف ورفع الدعم والتخفيض في الأجور وهذا ما لم نختره ومن يقول هذا يتجنى على الحكومة .
من جهة اخرى قمنا بإجراءات استثنائية لتشجيع الاستثمار تتجاوز 2015 خصصنا صندوقا بـ100 مليار لدفع المؤسسات الصغرى وحددنا الضريبة TVA بـ6٪ فقط اما النقطة الرابعة وهي الحزمة الاجتماعية اذ رفعنا في السميغ والسماغ ووقعنا 33 اتفاقية مع اتحاد الشغل ستتمتع بها الكثير من القطاعات ورفعنا في عدد العائلات المعوزة الى 250 الف مع الترفيع في عشرة دنانير في الشهر والمسألة الخامسة هي التسريع في إصلاح المنظومة الجبائية والبنكية .
هذا بصفة عامة ما نطمح اليه . نحن طرحنا معادلة وهي كيف يمكن الحد من ضعف المالية العمومية دون اللجوء الى التقشف او اثقال المواطن هذا ما حاولنا فعله في قانون المالية وهو التهريب والتهرب والنمو والاندماج .
الإجراءات المتعلقة بالتهريب ستنعكس على التجارة الموازية التي تشغل الآلاف كيف ستواجهون هذا؟
هناك وجهان لهذا الموضوع، هدفنا ليس القضاء على التجارة الموازية او القطاع غير المهيكل هذا قطاع هام ومشغل هدفنا هو ادماج هذا القطاع ليس فقط بالقيام بالواجب الجبائي بل ليتمتع ببعض الامتيازات التي تمنحها الدولة للمستثمرين الشبان. مثلا بنك التضامن والقروض الصغرى لا يمكن ان يتمتع بخدماتهما من لا يقوم بالواجب الجبائي. نحن نبحث على ادماج اكثر من ما يمكن من التجار والحرفيين وكل من هم خارج المنظومة الجبائية وسنقوم بالتخفيض في الأداء على توريد بعض المواد مثل الفواكه الجافة والموز والمواد المنزلية لان الأداء عليها مرتفع جدا لنضغط على الأسعار وهو ما يدفع المواطن الى الالتجاء الى المواد المهربة لانها أرخص وهكذا نشجع المواطن على شراء هذه المواد من المسالك القانونية.
متى يبدأ تعافي الاقتصاد التونسي؟
الأولوية اليوم بالنسبة لحكومة السيد مهدي جمعة هو وضع حد للنزيف وان شاء الله يحصل هذا بداية من العام القادم نحن حددنا 2,8٪ كنقطة انطلاق وفي 2015 ممكن نصل الى 3,5 لكن انا مقتنع انه لو تتم الانتخابات في ظروف طيبة سنصل في نهاية 2015 وننطلق فعليا لكن السنة المحك هي 2016 التي يجب ان نصل فيها الى 7 في المائة على الأقل وهذا ليس مستحيلا او نحقق 6 في المائة لتكون بداية الاقتصاد الصاعد من تونس في جنوب المتوسط او نفشل في ذلك لتزداد صعوباتنا الاقتصادية . نقطة نمو واحدة تحقق لتونس 300 مليون دينار لو نصل الى 7 في المائة بعد عامين يعني اربع نقاط نمو ممكن ندخل مليار فاصل 5 كمداخيل ذاتية وهو ما سيمكننا من بناء العقد الاجتماعي. بداية الانتعاش ستكون العام القادم وسيكون لتونس شان في حوض المتوسط وتعود تونس الى موقعها كبوابة لأفريقيا .
هناك نوايا استثمار من الخليجيين والأوروبيين وحتى من البرازيل وهذا يتطلب المواصلة والثبات على خط الانتعاش الاقتصادي والتسريع في الإصلاحات.

 

*نقلا عن الشروق التونسية