أحيت تونس اليوم الإثنين 6 أفريل 2015  الذكرى الخامسة عشر لرحيل الزعيم الحبيب بورقيبة محرر البلاد وباني الدولة التونسية الحديثة و قائد عملية التحرر الوطني من الإستعمار الفرنسي الذي رحل بتاريخ السادس من أفريل 2000 بعد أن تم الإنقلاب عليه من الرئيس السابق زين العابدين بن علي بتاريخ السابع من نوفمبر 1987 ليتم بعد ذلك إخضاعه للإقامة الجبرية و حجبه عن وسائل الإعلام حتى وفاته.

و أشرف رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي اليوم الإثنين على إحياء الذكرى الخامسة عشر لرحيل المجاهد الأكبر بروضة آل بورقيبة  بمدينة المنستير مسقط رأس بورقيبة و مدفنه بحضور عدد من المسؤولين في الدولة و بعض رجالات بورقيبة و عدد غفير من المواطنين.

و للحديث أكثر عن الزعيم الحبيب بورقيبة التقت "بوابة إفريقيا الإخبارية" بأحد أهم رجالاته الأوفياء، هو وزير داخليته الطاهر بلخوجة الذي جمعته بالزعيم كما يقول محدثنا "رحلة عمر و رحلة حكم".

و في هذا الإطار يقول الطاهر بلخوجة إن بورقيبة كان رجل دولة بامتياز و داهية سياسية وكذلك زعيم وطني لا يقارن، مضيفا أن هذه الصفات هي أهم ما يميز شخصية الزعيم و قلما أن تجتمع في شخصية أخرى. و تابع بأن بورقيبة كان مهوسا بتونس و ببناء الدولة التونسية و كان لا يؤمن سوى بالأمة و القطر التونسيين مبينا أن الزعيم كان يولي اهتماما كبيرا بتسيير دواليب الدولة و كان يستدعي كل وزارئه على الفور حتى إن كان ذلك في ساعة متأخرة من الليل إذا لاحظ وجود خلل ما في سير دواليب الدولة مؤكدا أنه و رغم تدخلات الحاشية و بعض المقربين من بورقيبة في هذه المسألة إلا أن الزعيم لا يهنأ له بالا إلا إذا أشرف على كل أمور تسيير الدولة بنفسه.

أب كل التونسيين

و شدد في سياق متصل على أن هذا الإصرار الذي لا يلين من المجاهد الأكبر على مسك  كل الأمور بيديه جعل البعض يتهمه بالدكتاتورية و تكريس مقولة الزعيم الأوحد موضحا أن هذا الاتهامات لا معنى لها إذا عرفنا أن بورقيبة كان يرى تونس لا كرقعة أرضية يعيش فيها بل كرقعة أرضية يعيش من أجلها و كرس لها كل حياته، كما أنه كان يعتبر نفسه أبا لكل التونسيين و بالتالي فالدولة  وكل ما فيها من جماد و متحرك  هي ملك له، مضيفا أنه ربما لأجل هذه الأسباب كان بورقيبة  يستمع إلى آراء و مقترحات الآخرين و لكن في النهاية لا أحد غيره يتخذ القرار الأخير وفق كلامه.

بورقيبة لم يكن يهتم بأمنه الشخصي

و تابع الطاهر بلخوجة في حديث الذكريات التي أرادها ذات منحى شخصي أكثر من سياسي بأن الإحتكاك بالجماهير الشعبية كان يثير بعض المشاكل الأمنية وقتها مستطردا أنه شخصيا لم يدرك هذه المسألة إلا بعد تقلده منصب الداخلية. و أعقب أن بورقيبة لم يكن يبال كثيرا بأمنه الشخصي و لو كان  حريصا على تأمين حمايته مضيفا أنه كان يكتفي فقط بالتعرف عن حراسه القلائل مؤكدا أن بورقيبة لم يكن يعرف الخوف خلافا لمعظم رفاقه، ربما ثقة منه بالقضاء و القدر أو ثقة بحسن طالعه.

منقذ شعبه و هذه شهادة من حاول قتله

و أكد محدثنا أن بورقيبة كان يعتبر نفسه المنقذ الفريد و الأوحد  لوطنه ولشعبه متابعا بأنه في عز صراعه مع صالح بن يوسف سنة 1955 كان الزعيم على علم بأن حياته مهددة و لم يبال بنصائح وزير الداخلية وقتها حتى أنه أصر على الخروج في زيارة إلى الجنوب التونسي (مسقط رأس صالح بن يوسف) و هي رحلة كانت مبرمجة سلفا دون ارتداء الصدرية الواقية من الرصاص. و بين في الإطار ذاته أن بورقيبة تعرض إلى محاولة اغتيال بالعاصمة و أنه بعد القاء القبض على الشخص الذي حاول قتله، اعترف هذا الأخير أثناء التحقيق معه بقوله: " لقد سددت سلاحي بدقة نحو بورقيبة لكن يدايا ارتعشت و لم أستطع الضغط على الزناد، ليس فزعا أو خوفا بل لأن بورقيبة زعيم كبير و لا يجب أن يموت" على حد تعبيره .

هذا ما لم يغفره الزعيم لبن يوسف و جمال عبد الناصر

و أضاف الطاهر بلخوجة أنه في 12 أكتوبر 1955 تم إقصاء صالح بن يوسف ( زعيم القومية العربية و النضال المغاربي المشترك) من الحزب الدستوري على خلفية معارضته لنهج بورقيبة في اعتماد سياسة المراحل للتحرر من الإستعمار الفرنسي و مناداته بحرب مغاربية شاملة ضد فرنسا، إلا أن بن يوسف رفض هذه الإقالة و ظل متمسكا بمنصبه كأمين عام بالحزب. و أضاف أن الرئيس المصري جمال عبد الناصر أعلن وقتها تأييده لبن يوسف و أوفد وزير أوقافه حسن الباقوري ليحضر التجمع اليوسفي في ملعب الشاذلي زويتن بالعاصمة. و أكد أن هذه الحادثة أشعلت حنق و غضب بورقيبة و كذلك رفاقه في الحزب على خلفية أن مستقبل البلاد بدا غامضا و متأرجحا آنذاك،  مشيرا في الأثناء إلى أن انعقاد مؤتمر الحزب الدستوري الجديد في صفاقس في نوفمبر من نفس السنة شهد فوز الزعيم و التفاف الدستوريين حوله رغم أنه فقد في المقابل التفاف قطاع واسع من شعبه التحق باليوسفيين و هو أمر لم يغفره بورقيبة لكل من صالح بن يوسف و جمال عبد الناصر.

مواجهة الرفاق لكسب معركة الإستقلال

و أوضح وزير داخلية بورقيبة أن المجاهد الأكبر و إضافة إلى التنافس الحاد مع بن يوسف اضطر كذلك إلى مواجهة عدد من رفاقه في النضال الوطني أمثال محمود الماطري و الطاهر صفر و البحري قيقة و سليمان بن سليمان مبينا أن جميع هؤلاء اتفقوا  على الإستقلال و لكن اختلفوا مع بورقيبة في نظرته الإستشرافية و جرأته السياسية و دهائه في إجبار فرنسا على الإستسلام مرحليا و بالتالي ربح معركة الإستقلال عنها. و تابع بأن بورقيبة كان يؤمن بأن الإستقلال عن فرنسا لا يتحقق  إلا بثلاث طرق لا غنى عنها، تتمثل الأولى في ثورة شعبية عارمة على الحماية الفرنسية و الثانية في  هزيمة فرنسا في حربها ضد دولة أخرى. أما الطريقة الثالثة فتتمثل في الحل السلمي الذي يتم عبر مراحل  بمساعدة فرنسا ذاتها و تحت إشرافها مضيفا أن المجاهد الأكبر كان يعي جيدا حجم اختلال التوازن العسكري بين تونس و فرنسا الذي يجعل من إمكانية هزم فرنسا مجرد وهم بل عبثا سيكلف التونسيين غاليا و هو ما رفضه الزعيم و تمسك في المقابل باعتماد سياسة المراحل و التفاوض الديبلوماسي مع الفرنسيين.

تنبأ بهزيمة ألمانيا

و لاحظ في ذات الصدد أن بورقيبة كتب و من داخل سجنه بحصن سان نيكولا بمرسيليا و ذلك أثناء الحرب العالمية الثانية رسالة شهيرة إلى رفيقه في الكفاح الوطني الحبيب ثامر تنبأ فيها بنتيجة الحرب حيث أكد أن ألمانيا لن تربح الحرب رغم رهان بعض رفاقه من الحركة الوطنية على انتصار دول المحور. و أوضح أن الزعيم طلب من رفاقه آنذاك الاتصال بأنصار ديغول لتنسيق نضالاتهم مشددا أن دعم الديغوليين يجب أن يكون بدون قيد و لا شرط لأن المسألة قضية حياة أو موت بالنسبة لتونس مشددا على أن ألمانيا لن تربح الحرب.  و أشار في الأثناء إلى أن رؤية المجاهد الأكبر الإستشرافية كانت الحاسمة في  تكريس الاسىقلال مؤكدا أن استراتيجية بورقيبة كانت تقوم على قبول الحلول المرحلية و حماية الطاقات الوطنية للتوصل إلى الهدف المنشود و هو ما كان يرفضه بن يوسف.

نبذ التعصب الديني

و بين محدثنا أن  بورقيبة كان ينبذ التعصب و التطرف الدينيين و كان متشبعا بالثقافة الإنسانية العالمية مشيرا إلى أنه كان مقتنعا اقتناعا راسخا بأن مستقبل تونس يغرض القطع مع الأساطير  و المثيولوجيات، كما أنه كان يخشى الأصولية الدينية و يسعى إلى فرض التسامح و العلم. و أضاف أنه و لأجل هذه الإعتقادات الراسخة فرض المجاهد الأكبر التعليم على جميع التونسيين كما جعله مجانا و عاما لكل أبناء الشعب مؤكدا أن هذه الخصال يضاف إليها كذلك حداثية الزعيم و تكوينه الثقافي و الأكاديمي الذي كان حاسما في بناء دولة تونسية حديثة و مدنية صلبة ذات مؤسسات و قوانين سبقت كل الدول العربية في ذلك الوقت و مازالت حتى الآن، دون نسيان مجلة الأحوال الشخصية الشهيرة التي كرس فيها حقوق و مكاسب المرأة التونسية و التي لولاه لما كانت تحققت وقتها.

الماجدة  وسيلة: حب بورقيبة الذي لا يلين

و عن علاقته بزوجته وسيلة بن عمار، قال الطاهر بلخوجة إن بورقيبة و إلى جانب هيامه الشديد بوطنه و بالسلطة في نفس الوقت، فقد كان له هيام آخر هو غرامه ب "الماجدة" وسيلة زوجته الثانية بعد الفرنسية "ماتيلد" ( مفيدة بعد الزواج) .  و أوضح أنهما التقيا لأول مرة في 12 أفريل 1943 حين جاءت وسيلة لتهنئته بإطلاق سراحه من المعتقل مبينا أن الزعيم شغف بها منذ ذلك اللقاء و ظل بعد ذلك يكتب لها الرسائل من منفاه بجزيرة جالطة طيلة سنوات ليتزوجها بعد أن أصبح رئيسا بتاريخ 12 أفريل 1962 و هو نفس اليوم الذي التقيا فيه لأول مرة بعد تطليقه لزوجته الفرنسية.

طلاق الماجدة و بداية النهاية

و أضاف محدثنا أن وسيلة بورقيبة المنحدرة من أصول برجوازية لعبت دورا مركزيا في قصر قرطاج و إن حرص بورقيبة على إبقائها بعيدا عن السلطة مؤكدا أن وسيلة لم تكن مع ذلك تراهن إلا على بورقيبة و أن طلاقهما يوم 11 أغسطس 1986 مثل بداية النهاية للمجاهد الأكبر وفق كلامه.