استمتعت بقراءة كتاب جميل صدر حديثا، عن دار ساجد للنشر والتوزيع ببسكرة، يحمل عنوان: "وشوشات الأنامل، حديث الروح"؛ أعجبتني فكرة العمل، وهو عبارة عن حوار فني وأدبي، يعانق الفن التشكيلي والنص الإبداعي، من خلال لوحات الفنانة فتحية باهرة، ونصوص الكاتبة فضيلة بهيليل.
المبدعتان من ولاية النعامة، الكاتبة والأكاديمية فضيلة بهيليل تنحدر من مدينة العين الصفراء ولاية النعامة، لديها ثلاث مجموعات قصصية، ورواية تحمل عنوان "ما لم تحكه شهرزاد القبيلة"، إلى جانب كتاب نقدي مهم. الطرف الثاني في هذا الحوار الأدبي والفني الجميل، هي الفنانة فتحية باهرة وتنحدر من مدينة المشرية ولاية النعامة، وهي فنانة تشكيلية لديها العديد من الانجازات الفنية، وقد شاركت في مختلف المعارض الفنية عبر الوطن.
تصف الكاتبة فضيلة بهيليل العمل، بأنه عبارة عن محاولة لمحاكاة لوحات الفنانة التشكيلية فتيحة باهرة، صديقتها التي التقتها "ذات صباح ربيعي في صدفة جميلة"؛ هكذا تحدثا عن الأدب والفن، عن المشترك الإبداعي بينهما، وعن إمكانية تجسيد شغف الانتماء لروح الفن والأدب في كتاب؛ ثم تضيف: "حاولت استنطاق اللوحة ومحاورتها، ومشاركة معانيها الظاهرة والخفية، ليس على شاكلة المقالات النقدية، ولا القراءات العلمية المقننة، إنما هي حكايات نسجتها انطلاقا من الأفكار التي جسدتها الفنانة بريشتها أو حكت لي عنها، عابرة الزمن والمكان؛ محلقة كما نورس مهاجر، بحثا عن معنى جميل يسكن هذه اللوحة أو تلك، إنها وشوشات هادئة، تعبر حواسنا فلا تملك غير الإصغاء في خشوع للحديث الروح وخلجات الوجدان".
اللوحات جاءت ملوّنة، رسمتها ريشة الفنانة فتيحة باهرة، ومع كل لوحة ينبلج نص جميل بقلم الكاتبة فضيلة بهيليل يحاول أن يقرأ دلالاتها ومعانيها، ويحاول أن يستلهم منها أفقا يأخذ من بهاء الحياة وتناقضاتها امتداده.
فكرة الكتاب جديرة بالإشادة والتقدير، كونها تحتفي بالفن والأدب كرافدين في نهر الإبداع، ذلك أننا ننسى أحيانا، في خضم تهافتنا على الرواية كتابة وقراءة، أن الرسم والموسيقى والفنون عموما، إبداع كذلك؛ الإبداع ليس حكرا على العمل السردي. ارنست همنغواي وهو واحد من أعظم الروائيين في تاريخ الأدب العالمي، عندما سُئل عن الروائيين الكبار الذين تأثر بهم، أجاب أنه تأثر بكبار الموسيقيين وكبار الرسّامين أكثر مما تأثر بالروائيين.