يبدو أن ليبيا مازالت على موعد مع الفوضى المتواصلة منذ سنوات في ظل استمرار حالة الصراع بين الفرقاء.وتتزايد الأمور تعقيدًا،وتتعمق الأزمة السياسية والأمنية في ليبيا يوما بعد يوم مع التنافس المحموم واستمرار حالة الاحتقان الداخلي السياسي والعسكري بين الأطراف المتنازعة،التي تسعى للسيطرة على المؤسسات الحيوية، والحصول على الدعم الدولي.لتدخل ليبيا في حالة من الحرب على أكثر من جبهة تزيد من ضبابية المشهد الليبي المعقد أصلا.
وتسيطر على ليبيا ظروف بالغة التعقيد في ظل الخلافات القائمة بين أطراف النزاع الداخلية سياسياً وعسكريا.ومع أجواء التحشيد والتموضع،تنطلق المحاولات الأممية في محاولة لايجاد حل سياسي في وقت تتواصل فيه سياسة التعنت منذرة بجولة جديدة من الصراع في دولة تعاني منذ سنوات من تداعيات الانقسامات على جميع المستويات.
الى ذلك،دعا المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة لهدنة تعلن من أجل عيد الأضحى يصاحبها تدابير بناء ثقة تشمل تبادل الاسرى ورفات القتلى بين طرفي النزاع.وحث سلامة خلال إحاطته بمجلس الأمن الدول المؤثرة في ليبيا على العمل لوقف النزاع فيها داعيا لاجتماع للأشخاص المؤثرين في ليبيا للاتفاق على العناصر الأساسية لإنهاء الأزمة.
وشدد سلامة على ضرورة جمع الأسلحة الخارجة عن سيطرة الدولة مؤكدا أن الدولة الليبية لا يمكن ان تقوم دون السيطرة على السلاح والمسلحين مضيفا أن الدعم الخارجي ساهم في زيادة الضربات العسكرية داخل ليبيا مشيرا إلى أن بعض الدول أرسلت مشغلين وطيارين لتشغيل أسلحة نقلتها لليبيا التي أصبحت منطقة لتجريب التكنولوجيات العسكرية الجديدة وأسلحة قديمة لافتا إلى زيادة التجنيد واستخدام المرتزقة الأجانب في الصراع بليبيا.
وشهدت الأيام القليلة الماضية تحركات مكثفة للمبعوث الأممي غسان سلامة حيث أجرى عدة لقاءات في ليبيا بهدف التوصل لحل لوقف اطلاق النار في طرابلس.والتقى سلامة،مؤخرا، بالقائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر، بمقر القيادة العامة للجيش الليبي بمنطقة الرجمة.
وحسب تغريدة موجزة للبعثة عبر حسابها الرسمي على موقع تويتر ذكرت فيها أن اللقاء بين الرجلين جرى اليوم الاثنين بمقر القيادة العامة في منطقة الرجمة بمدينة الأبيار شرق ليبيا.وحسب ما نشرت البعثة تباحث الطرفان في الأوضاع الراهنة في ليبيا وكيفية العودة إلى حالة من السلم والحوار.
ونبه المبعوث الأممي الى ليبيا خلال اللقاء إلى مخاطر تصعيد الاقتتال وتزايد التدخلات الخارجية بحسب ما نشرت البعثة.ومن جهتها لم تشر القيادة العامة للجيش الليبي سواء عبر مكتبها الإعلامي أو الناطق باسم القيادة العامة إلى هذا اللقاء وماتم تناوله خلاله.
وفي وقت سابق،بحث غسان سلامة مع رئيس حكومة الوفاق فائز السراج، على هامش مشاركتهما في تشييع جنازة الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، استئناف العملية السياسية.وذكرت حكومة الوفاق في بيان، أن "الاجتماع تناول جهود البعثة الأممية لوقف العدوان على طرابلس واستئناف العملية السياسية".
تتمسك حكومة الوفاق الليبية بشروط لوقف إطلاق النار،حيث جدد السراج خلال الاجتماع تأكيده على أن استئناف العملية السياسية في ليبيا "مرهون بانسحاب القوات المعتدية وعودتها من حيث أتت" في إشارة إلى قوات الجيش الوطني، مجددا التأكيد على "ضرورة وجود قواعد جديدة لهذه العملية تأخذ في الاعتبار المعطيات التي أفرزها العدوان" على طرابلس، دون تقديم توضيحات بهذا الصدد.
ولفت البيان إلى أن غسان سلامة ومن جهته جدد تأكيده على أنه ليس هناك حل عسكري للأزمة الليبية وأنه لا بديل من الحل السياسي، كما "جدد إدانة الأمم المتحدة لكافة الهجمات التي تستهدف المدنيين والمنشآت المدنية التي تشكل انتهاكا للقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
ووصفت صحيفة "العرب" اللندنية شروط حكومة الوفاق بأنها "غير الواقعية، وهو ما يعكس غياب الإرادة الحقيقة والجدية في وقف القتال وإنهاء الحرب".ونققلت الصحيفة عن مراقبين قولهم إن السراج ومن خلفه تيار الإسلام السياسي يرفضان من خلال وضع هذه الشروط منح الجيش فرصة التفاوض من موقع قوة بعد أن نجح في السيطرة على عدة مواقع جنوب طرابلس وبات قريبا من قلب العاصمة.
وقبل ذلك التقى السراج الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي حضر بدوره في تشييع جنازة الرئيس التونسي. وذكر بيان نشرته صفحة حكومة الوفاق على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك أن السراج أكد "إن الحديث عن وقف القتال يجب أن يوجه للمعتدي، وإن قواته تمارس حقها المشروع في الدفاع عن النفس وعن مدنية الدولة.وأشار السراج في حديثه إلى "المبادرة التي طرحها في يونيو الماضي للعودة إلى المسار السياسي الذي يقود إلى انتخابات عامة.
وكان السراج أعلن في مايو الماضي مبادرة لوقف القتال وصفت بالغموض وعدم الجدية. وتقترح المبادرة عقد ملتقى وطني وإجراء انتخابات عامة قبل نهاية السنة. ولم يتطرق السراج خلال مبادرته لمصير الميليشيات، كما أنه لم يحدد الأطراف التي ستشارك في الملتقى ومعايير التمثيل والمشاركة في ظل الواقع الذي أنتجته الحرب الدائرة منذ أكثر من شهرين في العاصمة. وبدا حينئذ أن السراج يتعمد تجاهل الثقل الذي بات عليه الجيش ويصرّ على استئناف المسار السياسي، وفقا لمعطيات ما قبل 4 أبريل حيث كان للجيش حضور ضعيف في المنطقة الغربية ولم يكن له أي وجود في طرابلس.
ويبدو أن تعنت الأراف المتصارعة قد دفع المبعوث الأممي غسان سلامة الى محاولة البحث عن وسيط للتدخل بهدف انهاء الاقتتال في العاصمة الليبية.واتجه سلامة نحو قبيلة الورفله، والتي تعد من أكبر القبائل الليبية، إذ يتجاوز عدد أبنائها مليون نسمة. وتنتشر في معظم أنحاء ليبيا شرقاً وغرباً وجنوباً وحتى خارج ليبيا. وتحظى بأحترام كل القبائل الليبية.
وكشف عضو المجلس الاجتماعي لقبائل ورفلة، فتح الله الدعيكي، تفاصيل لقاء وفد من مجلس قبائل ورفلة، بالمبعوث الأممي لدى ليبيا، غسان سلامة، بدولة تونس.وقال الدعيكي في تدوينة له على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك "إن سلامة طلب مُقابلة وفد مجلس قبائل ورفلة في تونس، وإن اللقاء كان في محل إقامتهم، موضحًا أن السفر والإقامة كانوا على نفقتهم الخاصة.
وتابع أن سلامة طلب منهم المساعدة لإيقاف المعركة جنوب طرابلس، موضحًا أنهم رفضوا حصر المشكلة في معركة تتوقف اليوم وتشتعل غدًا، مؤكدين استعدادهم إنهاء الحرب الناتجة عن الأزمة الليبية بشكل نهائي بشرطين.وأضاف الدعيكي، أن الشرط الأول يتمثل في أن يعود الملف الليبي إلى الليبيين دون تدخل خارجي، وأن يكون هناك قرار أممي ملزم بعدم التدخل، وملزم بتنفيذ النتائج على غرار القرارات التي صدرت سنة 2011.
وفي ظل الانقسام المؤسسي والسياسي والمجتمعي، وتردي الأوضاع الأمنية في البلاد،يشير الكثير من المتابعين للشأن الليبي أن القبائل الليبية هي الوحيدة القادرة على إيجاد التوازن السياسي وجلب الاستقرار حيث يمكن للقبائل أن تساهم في المصالحة من خلال دورها الفريد في الحفاظ على الأمن في البلاد.
وتأتي تحركات المبعوث الأممي في وقت تتواصل فيه المعارك على تخوم العاصمة الليبية طرابلس مع دخول الجيش الوطني الليبي المرحلة الثانية من عملياته العسكرية التي تهدف لانهاء نفوذ المليشيات المسلحة واستعادة مؤسسات الدولة.ونقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية عن عضو مجلس النواب الليبي المنعقد في مدينة طبرق، شرقي البلاد، علي السعيدي القايدي،إن "تقدم قوات الجيش في طرابلس بمثابة يوم جديد من عملية طوفان الكرامة أي المرحلة الثانية من العمليات العسكرية، كون الجيش حقق أغلب أهدافه، منها استنزاف قدرات المليشيات المسلحة من عدة وعتاد و مسلحين"، مشيرا إلى أن "قوات الجيش الوطني الليبي لديها نفس طويل في حرب الاستنزاف".
وأوضح عضو مجلس النواب الليبي، أن "بعد استهداف مدنية مصراتة وقصف الكلية الجوية وتدمير غرفة العمليات الخاصة بالطيران التركي، أصبح وضع الجيش غير الأمس وسوف نرى إنهاء أزمة الوطن في فترة أيام وليس أسابيع".
واستهدف طيران الجيش الليبي فجر السبت، مواقع تابعة لحكومة الوفاق في سرت ومصراتة للمرة الأولى.وكشف مدير إدارة التوجيه المعنوي، آمر المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة، العميد خالد المحجوب،عن إصابة عدد من العسكريين الأتراك، الذين يدربون عناصر الميليشيات في كلية مصراتة.وقال المحجوب إن "هناك معلومات عن إصابة عدد منهم (الأتراك)"، دون إعطاء تفاصيل أكثر، وفقا لوكالة الأنباء الليبية.
وأضاف المحجوب أن الجيش ما زال يرصد باقي المواقع التي بها غرف عمليات وطائرات تستخدم لضرب القوات المسلحة، مشيرا إلى أنهم "يسيطرون جوا ولا توجد مقارنة مع الميليشيات".واعتبر المحجوب أن ضربات سلاح الجو ضد مواقع في مدينة مصراتة وخاصة الكلية الجوية، التي تستخدمها "المليشيات انطلاقا لطائراتها التركية"، تظهر قدرة القوات المسلحة على إصابة أي هدف "للمليشيات".
واعتبر مراقبون قصف أهداف في مصراتة تحولا جديدا في مسار العمليات العسكرية، يشي بتوسيع رقعة المعارك الدائرة في ليبيا، بإستراتيجية عسكرية مُغايرة، لاسيما مع دفع الجيش الوطني الليبي لتعزيزات عسكرية جديدة إلى بعض محاور القتال خاصة في جنوب شرق العاصمة طرابلس.
وأعلن المنذر الخرطوش، المسؤول الاعلامي للواء 73 في الجيش الليبي، أن اللواء "مفتاح شقلوف" وصل على رأس قوة كبيرة من الكتيبة 153 لمحور الأحياء البرية جنوب شرق طرابلس، بعد أن ظلَّ هذا العسكري المعروف ببعده عن الأضواء خارج إطار معارك طرابلس طوال الفترة الماضية.ويعرف عن الكتيبة 153 مجحفلة، التي يقودها هذا اللواء، بأنها أكثر كتيبة تنفذ التفافات ناجحة خلال المعارك.
ونقل موقع "ارم نيوز" عن المحلل العسكري؛ العقيد المتقاعد سليمان الدالي قوله، إن "تحرك هذه القوة المعروفة بسرعة تحركها وتحت قيادة هذا الرجل الذي يعرف في أوساط الجيش الليبي (برومل ليبيا) تعطي دلالات على أن معركة طرابلس دخلت مراحل أكثر أهمية استدعت قيادات ذات كفاءة عالية وحنكة مثل شقلوف"، وفق تعبير الدالي.
وتدور معارك عنيفة تستخدم فيها كافة أنواع الأسلحة،قرب طرابلس منذ حوالي أسبوع، مع تقدم الجيش الليبي في أغلب المحاور وانسحاب المليشيات الموالية لحكومة الوفاق في أكثر من محور، مثل محور الزطارنة وعين زارة وصلاح الدين والمطار.وتشير هذه التطورات الى منعرجات حاسمة في معركة طرابلس حيث أعلن اللواء أحمد المسماري، الناطق الرسمي باسم الجيش، عن مفاجآت مُرتقبة على مستوى العمليات العسكرية فيما أكد آمر اللواء 73 مشاة اللواء علي القطعاني استعداد قوات الجيش لدخول قلب طرابلس، وذلك بعد نجاح الوحدات العسكرية في استنزاف الميليشيات المسلحة بضواحي العاصمة.