في الوقت الحاضر يتم تداول خامات النفط الخفيف الحلو الأمريكي على ساحل الخليج بتخفيضات كبيرة، هذا يدل على أن أسواق النفط الخام الأمريكية قد أغرقت بالإمدادات، وأن مراكز التكرير الرئيسة قد أوقفت الآن واردات النفط الخام الخفيف الحلو بالكامل من حوض الأطلسي. إن الإمدادات المحلية المتزايدة تصل إلى أسواق الساحل الشرقي والساحل الغربي الأمريكي عن طريق السكك الحديدية، حيث واردات النفط الخفيف الحلو انخفضت هي أيضاً إلى حد كبير. يرى بعض المحلليين أن الخصومات الكبيرة في أسعار النفط هي أيضاً إشارة إلى أن الولايات المتحدة تقترب مما يعرف "بجدار الخام"، وهي النقطة التي تصبح عندها الأسواق المحلية مشبعة بإمدادات النفط الخفيف الحلو إلى درجة يصبح عندها حاجة إلى إعادة النظر في الحظر المفروض على صادرات النفط الخام المحلية.
من المقرر أن يقوم المشرعون الأمريكيون في مطلع عام 2014 بمناقشة الحظر المفروض على صادرات النفط الخام الأمريكية منذ بداية سبعينيات القرن الماضي، على الرغم من أنه لا تزال هناك مخاوف بين الرأي العام من أن هذا الإجراء قد يؤدي إلى قفزة في أسعار البنزين في الأسواق المحلية. منذ آب (أغسطس) الماضي، يتم تداول النفط القياسي لساحل الخليج الأمريكي - خام لويزيانا الخفيف الحلو- بخصم متزايد إلى خام بحر الشمال القياسي برنت، مع تضخم الفرق من ثلاثة دولارات للبرميل الواحد في بداية شهر أيلول (سبتمبر) إلى تسعة دولارات للبرميل في أوائل شهر كانون الأول (ديسمبر)، حيث انخفضت الواردات النيجيرية والأنجولية إلى مستويات منخفضة جداً. مع حرص المنتجين المحليين على تجنب انهيار أسعار النفط بالكامل في الأسواق الأمريكية، تتزايد كميات النفط الخام التي تتجه من ساحل الخليج الأمريكي إلى كندا، حيث تراخيص التصدير إليها هي شكلية. هذه الشحنات قد خفضت من واردات كندا الخاصة من حوض الأطلسي، بما في ذلك النفط الخفيف الحلو.
حتى مع بقاء نحو 1.2 مليون برميل في اليوم من إنتاج النفط الليبي خارج الأسواق، الذي هو بالأساس نفط خفيف وحلو، ستبقى أسواق حوض الأطلسي مشبعة بالخام الخفيف الحلو، ما قد يؤدي إلى إضعاف هيكلية أسعار خام بحر الشمال برنت. إن خام غرب إفريقيا الخفيف الحلو الفائض عن أسواق الولايات المتحدة يجد أسواقاً جديدة في آسيا، أوروبا وأمريكا اللاتينية، لكن اختراق هذه الأسواق الجديدة يستغرق وقتاً، ونيجيريا على وجه الخصوص تواجه صعوبة في إعادة توجيه 800 ألف برميل في اليوم الذي كان من المفترض أن تصدرها إلى الولايات المتحدة التي فقدتها على مدى العامين الماضيين. نحو 400 ألف برميل في اليوم منها تذهب إلى أوروبا للمساعدة في التعويض عن الصادرات الليبية المفقودة، والباقي تحاول تصديره إلى عملاء جدد في آسيا. السؤال هنا: ما تداعيات عودة إنتاج النفط الليبي إلى الأسواق؟
على الرغم من الانخفاض الكبير في صادرات النفط الخام الليبي، تصدير بعض خام بحر الشمال إلى آسيا وارتفاع معدلات تشغيل المصافي الأوروبية بنحو 750 ألف برميل في اليوم في شهر تشرين الثاني (نوفمبر)، إلا أن وفرة النفط الخام الخفيف الحلو في حوض الأطلسي أدى إلى تقليص حالة التراجع Backwardation لخام بحر الشمال برنت، بمعنى أن أسعار الشهر الفوري هي أعلى من أسعار الأشهر اللاحقة. إن منحى الأسعار المستقبلي لنفط بحر الشمال برنت، الذي يعكس حالة الأسواق الفعلية، أصبح مسطحاً، أي انتعاش في الصادرات الليبية قد يدفع منحى أسعار برنت إلى حالة "كونتانجو" Contango، بمعنى أن الأسعار المستقبلية (الآجلة) أعلى من الأسعار الفورية.
ما حدث بالفعل للخام الخفيف الحلو في حوض الأطلسي بدأ الآن يحدث للخامات الأثقل. حيث إن ارتفاع الإنتاج المحلي لأمريكا الشمالية، وتدفق النفط الخام الكندي الثقيل إلى ساحل الخليج الأمريكي، أديا إلى خفض الواردات الأمريكية من النفط الخام الثقيل من المكسيك، وفنزويلا حتى من البرازيل. تبحث هذه الدول الآن عن أسواق بديلة لنفطها في أسواق آسيا، في حين أن عبر المحيط الأطلسي، بدأت روسيا أيضا في تصدير المزيد من النفط الخام شرقاً إلى المستهلكين في آسيا، ومن المقرر أن تستمر هذه العملية مع ارتفاع إنتاج النفط الخام الروسي وتراجع الطلب على النفط من قبل المصافي الأوروبية.
إن الارتفاع السريع في إنتاج النفط الكندي لا يجد أسواقاً له، على الأقل في الوقت الحالي، غير أسواق الولايات المتحدة. نتيجة لذلك، ارتفعت صادرات النفط الخام الكندية إلى الولايات المتحدة بنحو 100 ألف برميل في اليوم في عام 2013 مقارنة بعام 2012. في المقابل انخفضت واردات الولايات المتحدة من النفط الخام الفنزويلي والمكسيكي بنحو 280 ألف برميل في اليوم، في حين انقطعت تماماً الواردات من روسيا. في الوقت الحاضر، باستثناء كندا، تستورد الولايات المتحدة نحو 4.5 مليون برميل في اليوم من النفط الخام، بما في ذلك أكثر من مليوني برميل في اليوم من النفط الخام المتوسط الحامضي من منطقة الشرق الأوسط، أكثر من نصف هذه الكمية من المملكة العربية السعودية، ونحو 2.3 مليون برميل في اليوم من الخامات الأثقل من أمريكا اللاتينية.
المصدر : صحيفة الاقتصادية