مصطفى قطبي

لن أنصب نفسي محاميا عن الإعلام الليبي، أدعي أنه يمكنني فعل ذلك، مع أني منذ عام 2011 أتابع وأرصد الكثير مما يكتب عن الإعلام الليبي، وأيضاً ما يطرح في نظريات الإعلام وما صارت عليه...
في ليبيا، أصبحت الغالبية من الشعب الليبي، تدرك قيمة أن يكون الإعلام وطنياً، إذ في العواصف الهائجة التي تلف من حول ليبيا، بات الجميع يدرك على الدوام أن الحرب الإعلامية لم تعد وسيلة لتحقيق المصالح المؤامراتية، بل أمست غاية بذاتها، تهدف لتأليب الشعب، وتوجيه الرأي العام العالمي الشعبي، والحكومي لدى الدول المتآمرة، ولاسيما أنه عصر الالكترونيات والاتصالات الذي يجوب العالم من مشارقه إلى مغاربه، ومن شماله إلى جنوبه، يُعَولِم كل شيء كما يشاء. 
وغايتنا اليوم، حينما نتناول الإعلام الوطني الليبي، لا تنحصر فقط بمحاربة الفساد، المهمة جداً بتوقيتها اليوم، الذي تتعرض فيه ليبيا، دولة وشعباً لكل هذا التآمر، وتستعد لإعادة إعمار ما دمَّره الاحتلال والإرهاب، بل من أجل أن يقطع هذا الإعلام الطريق على الإشاعات والأقاويل التي تجد لها كل المناخات المناسبة في فضاء (وسائل التواصل الاجتماعي) الأزرق، والتي لها - أي الإشاعات - من الآثار النفسية والاجتماعية السلبية على الجميع ما يفوق آثار الفساد بحدِّ ذاته، لا بل إن هذا الفضاء الافتراضي الأزرق، الذي لا تضبطه ضوابط، ولا تحكمه قواعد أخلاقية، بات في زمن العدوان على ليبيا، منصة لأقطاب منظومة العدوان، لبث كل ما من شأنه أن ينشر الذعر والقلق في نفوس المواطنين، ويقلب الحقائق في أذهانهم، ويروِّج لأفكار وأخبار ما أنزل الله بها من سلطان. 
وكلنا يعلم تماماً أنه منذ اليوم الأول للحرب الإرهابية التي شنَّتها منظومة العدوان وحتى يومنا، لم يدَّخر أقطاب العدوان جهداً إعلامياً تضليلياً أو وسيلة دجل معروفة أو طريقة التفافية إلا واستخدموها لتحقيق أهدافهم المشبوهة، وكان في مقدمتها هذا الفضاء الأزرق، الذي يمكن بثّ كل إجرامهم من خلاله. فكم نشروا من فوضى هدامة عبره، وكم وتَّروا الأوضاع الميدانية وأججوها على صدر صفحاته، وكم حاولوا تدمير الدولة الليبية ومؤسساتها وجيشها الوطني وتهجير شعبها وتجويعه عبر الإشاعات التي ملأت سماءه، كم قرأنا عن ذلك في صفحاتهم المشبوهة، فلم يدَّخروا فيلماً هوليودياً إلا وأخرجوه للعلن عبرها، ولم يوفروا تقريراً كيدياً إلا ونشروه بين سطورها، فكانت منصة مهمة لهم في الهجوم على ليبيا، ومحاولة إدانتها تمهيداً للعدوان عليها غير مرة. 
إنّ تصميم الشعب الليبي، هو الذي سند إعلام بلاده الوطني، ولاسيما الشباب الليبي، الذي تحوَّل طيف كبير منه، بلمح البصر، لإعلاميين يعملون مباشرة بوسائل التواصل الاجتماعي. التطوع والشباب والإعلام، هذا الثالوث بات يسعى على الدوام للارتقاء بالمجتمع وتحقيق مصالحه، إذ يعسر علينا فهم التطوع من دون الشباب وروحه المعطاءة، كما يعسر علينا الدراية بالإعلام من دون الشباب وشريحة واسعة من الشباب تسعى لعرض الصورة الحقيقية، لما يجري على أرض الواقع في ليبيا. وهنا لا نتكلم عن التطوع، بالمعنى اللفظي والأكاديمي للكلمة، بل نتحدث عن روح التطوع الذي يحثُّ المراسل للتوجه إلى المناطق الساخنة، والكثير من شبابنا وشاباتنا في ليبيا، ممن ترجم محبته للوطن عن طريق التطوع، والشعب الليبي يعيش حبه للوطن كل لحظة من لحظات حياته، ولا سيما في هذه الظروف الصعبة التي تتذلل عند أقدامه بفضل الله، وتصميمه وتصميم إعلامه الوطني الحر. 
أما الإعلام الخارجي المزيَّف، والتضليلي فما هو إلا نتيجة حتمية، لسياسات الدول المتآمرة، وليس في كل هذا جديد لأن تاريخ الغرب وأتباعها في منطقتنا هو تاريخ الغزو من أجل نهب الثروات وتدمير البلدان وتفكيكها والعمل حصراً بما يخدم مصالحه، ولكن القديم الجديد هو في تداول البعض لمثل هذه الخطب المنافقة واعتقادهم بأن هذا السياسي الغربي يعني ما يقول، وأنه من الممكن أن يكون في قلبه وعقله ذرة حرص على الشعب الليبي، أو أن ليبيا والليبيين تظهر على رادار وزارته إلا بما يدعم مصالحه وينهب الثروات الليبية. 
من هنا، تبدو مسألة تقديم بعض الأشخاص عبر بعض الشاشات الليبية، بوصفهم أصحاب فكر ورؤية وملاءة في كيفية معينة، قضية فيها نظر، لأن مثل هؤلاء الذين يطلون على الجمهور عبر الشاشات الليبية، لا يكفيهم ما يغدق عليهم من صفات من قبيل المفكر الاستراتيجي والمحلل السياسي، لجهة إيهام المشاهد الليبي بملاءتهم الفكرية والسياسية والعلمية، عبر إسباغ تلك الصفات على شخوصهم، حيث يكتشف المتابع لمثل هؤلاء ضحالة مخزونهم الفكري والسياسي، ما يجعله يحجم عن متابعة هكذا وسائل إعلامية مسيرة. إن محاولة إبراز بعض الطحالب عبر بعض وسائل الإعلام الليبية، تحت عناوين براقة، وإعطائهم مساحات واسعة في البرامج التلفزيونية والإذاعية، واستضافتهم في كل المناسبات على سطحية ما يقدمونه، يجعل المتابع الليبي الحصيف يصاب بالدهشة، من الهدف المرجو من ذلك أهو غسيل للأشخاص أم غسيل للمواقف، وما الجهة التي تحاول أن تسوق مثل هؤلاء بين جمهور يعرف الغث من الثمين، في فضاء إعلامي عابر لكل الحدود، ولعل استمرار ممارسة هكذا أداء إعلامي فاشل هو مسار خاطئ، وخسارة محققة بكل المعاني وشكل من أشكال العبثية، إلى جانب أنه يعكس قصوراً في الرؤيا واستخفاف في عقول الجمهور الليبي، وتسطيح للأمور وتجاهل للحقيقة، والأخطر من ذلك هو سعي لما يمكن تسميته غسيلاً للأشخاص لجهة إسباغ هالة واهمة عليهم.
اليوم مسؤولية الإعلام الليبي مركبة... فمن ناحية هو مهتم بإظهار الدور الوطني وكشف خيوط المؤامرات التي تحاك ضد الشعب الليبي... ومن ناحية أخرى معول عليه أن يكون حاملاً رئيسياً ومباشراً لعملية البناء الداخلي وكشف الفساد، وإصلاح مؤسسات الدولة (المقصرة)، والأهم من كل ذلك دوره في قيادة الحوار، بعد الفوضى والتي وصلت إلى السطحية والشخصنة والتشفي في مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال وضع منهجية حقيقية لحوار وطني ناضج... القضية الأخرى والمهمة في موضوع الإعلام الوطني الليبي، هي الوصول وإقناع المؤسسات العامة والوزارات بأنه (أي الإعلام) شريك حقيقي، وعمله يتكامل مع عملها وصولاً إلى كشف التقصير والفساد ومعالجته بعيداً عن الشخصنة والكلام العام... 
وهذا لن يتم إلاّ عبر تفاعل المؤسسات والوزارات مع ما ينشر في الإعلام الوطني وتسهيل تقديم المعلومات الصحيحة للصحفي بكل مصداقية وجرأة بدلاً من الاختباء وراء الأزمة، وتحميلها سبب التقصير والفساد... صحيح أن الأزمة تركت تداعياتها الخطيرة وخلقت (قلة) من تجار الحروب والأزمات تآمروا مع الفاسدين من المسؤولين لضرب الاقتصاد الليبي سواء عن قصد أم غير قصد إلاّ أن النتيجة نفسها... فالمرحلة القادمة هي مرحلة (الإعلام الوطني الرسمي)... فهل سيكون الإعلام الوطني الرسمي على قدر المسؤولية وعلى قدر الثقة...؟
 خلاصة الكلام: المشهد اليوم أكثر وضوحاً وشفافية، الكل يعرف دوره... واجبه... ما عليه... وأيضا له ما يجب أن يقدم، مهما كان صغيرا، ولاسيما في دعم الإعلام الوطني، وإذا كنا نتحدث في الشفافية سنقول أن الكثيرين من لا يطورون أنفسهم ولا يتابعون وغير قادرين على الخروج من شرنقة العجز. فلا التدريب ولا التأهيل يمكنه أن يفعل شيئا ما لم تكن رغبة الصحفي وهوسه بالمهنة هي الأساس... ولابد من حراك فكري وثقافي وورشات عمل... أما ما لم يقل فهو كثير.. علينا أن ننتقل من ردة الفعل إلى الفعل، ومن إعلام النسخ واللصق إلى إعلام الوعي وبناء المعرفة والثقة... إن ربح الجمهور الليبي واستمالته لإعلامه الوطني، مسألة غاية في الأهمية، وهذه مسألة ممكنة التحقق عبر التقيد بالمهنية والمصداقية والموضوعية، وسرعة في نقل الخبر، وملامسة حقيقية لقضايا الجمهور ووضعه بصورة الواقع، عبر استضافة نخب حقيقية وفاعله، تمتلك خطاباً مقنعاً ومعلومة صحيحة، وقادرة على التأثير في الرأي العام وإقناعه، ومن ثم تحصينه من كل مؤثر خارجي، لا تنفيره وإحباطه عبر إعادة إنتاج يائس، لعناوين وأشخاص استهلكها الزمن، وأصبحت في ذاكرة الجمهور المستهدف من ركام الماضي.