واقع "جديد" صنعته التغييرات اواخر 2010" هذا ما ذهب اليه الكثير من الباحثين، وهو الواقع الذي نشهده اليوم، حيث تم من خلاله إعادة الخارطة السياسية والجيو-سياسية، والجيو-اقتصادية، ومن ثم "إعادة تقييم: النظام "الإقليمي العربي"،،، 

فبعد محاور سبقت، كـــ محور السعودية – مصر - سوريا - مقابل محور الهاشميين " اربعينيات الي ستينيات القرن الماضي"، ومحور المد القومي التقدمي بقيادة مصر مقابل محور "الرجعيين" ستينيات القرن الماضي، ومحور دول الصمود والتصدي في مواجهة مصر كامب ديفيد، "سبعينيات الي تسعينيات القرن الماضي، الي تشتت المحاور بعد الحرب العراقية - الإيرانية "ثمانينيات الي تسعينيات القرن الماضي، ليأتي الي نهاية الحرب الباردة وتغير المحاور تسعينيات القرن الماضي وما زلنا نراوح فيها، حيث شكلت محوراً جديدا تحت ما يعرف بــ محور الاعتدال ومحور الممانعة، حيث تمثل عودة مصر لقيادة النظام الاقليمي العربي بداية لتشكل هذا المحور والذي يضم ما سمي بدول الاعتدال العربي (مصر والأردن ودول الخليج). وكان لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية التي تلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر (2001) والقاضية بمحاربة "الإرهاب" بالإضافة لخروج العراق من المشهد العربي إثر الغزو الأمريكي له (2003) أثر كبير في تعزيز هذا المحور.

أذكت الأحداث والتفاعلات الجارية في النظام الإقليمي العربي، (منذ عشر سنوات)، معادلات أمنية جديدة، إزاء تغير بنية القوة بين فواعل النظام، و"تقلب" أنماط التحالفات، وصور الاستقطاب البيني، وتنامي الاختراق الخارجي داخل ساحته، على حساب تهدئة الأوضاع، وتسوية الصراعات، مما راكم أزمات مضاعفة في المنطقة بشكل عام، حيث يري الباحث تولستي في كتابه "التقدم نحو النظرية السياسية الدولية، " تغيرات بنيوية معتبرة في هيكلية موازين القوي الفاعلة داخل ساحته، نظير "تراجع" أدوار تقليدية عن واجهة المشهد، وتصدر أخري ناصية "الهيمنة Hegemonos أو، على الأقل، التطلع لحيزها Aspiring- Hegemonos”"، مقابل اكتفاء دول "طرفية" بممارسة "الحياد"، وذلك ضمن سياق مسار تحولي، لن تستقر ملامحه، أو تتضح قواعده إلا بعد فترة من الزمن، قد تطول أو تقصر  ، وفق ديناميات التغيير وسرعتها، والمحددات الداخلية، والإقليمية، والدولية المتداخلة.

فهناك إتجاهات ستغطي مجال الأحداث القادمة، لحين إعادة التمركزات واستقرار التحالفات مجدداً، ومن بين تلك السياسات أو السيناريوهات الثلاث كما وصفها الباحثين ومن بينهم الباحثة "إيمان رجب" أولها: الدولة ليست الفاعل الوحيد المؤثر، ثانيها: سيطرة نمط التحالفات "المرنة، ثالثها: قيادات متعددة و"مؤقتة". وبهذا تصبح ▪قوة الدولة ذات طبيعة نسبية وليست مطلقة وذات طبيعة مؤقتة وليست دائمة، وتغدو الإتفاقات تأتي بشكل تالفات وتفاهمات أقرب من كونها تحالفات، وأصبح من الواضح أن البحث عن الدولة القائد في النظام العربي، لا يتفق والواقع الجديد الذي صنعه التغيير الهش، خاصة مع التحول في مركز الثقل السياسي Shifting-Center-of-Gravity في المنطقة.

إن تلك العناصر التقليدية التي كنا نقيس من خلالها ضعف الدولة او قوتها وتحديد ما اذا كانت الدولة اداة فاعلة ولاعب رئيسي على الساحة الدولية او الإقليمية ام لا، قد تغيرت بشكل جوهري، فالتغيرات هائلة والتطورات كبيرة لدرجة انه اصبح من الصعب ملاحظتها ومتابعتها، ولعل أبرز المؤثرات في نشؤ العوامل الجديدة المؤثرة في قوة الدولة، وهي جزء من الساحة العربية الإقليمية والشبه إقليمية والدولية، هي تأثيرات النظام العالمي الجديد، وفق تسارع وتوسع التاثير المتبادل بين الدول مما جعله أكبر بكثير من ذي قبل، بحيث أن ما يحدث داخل دولة معينة بات يبلغ تأثيراته دولة أخرى، ففي حالة إنتشار الفوضى في دولة ما، فإن ذلك سيؤثر سلباً علي الدولة الحدودية والمرتبطة بنسق سياسي أو إقتصادي أو أمني مع دول أخري.  كما أن المسارات الجديدة عززت من تآكل مجال السيادة الدولة الوطنية، لصالح الدول الكبرى المهيمنة على وسائل العولمة (التكنولوجية والمالية والعلمية) ومساراتها؛ ويحصل ذلك خصوصا في المجالات الاقتصادية والسياسات المالية، وفي المجال السياسي-الأمني أيضا. 

فلم تعد كل دولة في العصر العالمي (النظام العالمي الجديد)، قادرة على التفرد بسياساتها الخارجية، أو القيام بأنشطة أمنية داخل حدودها أو خارجها، من دون مراعاة تأثير ذلك على النظام الدولي والنظام الإقليمي، وبهذا خلقت علاقات قوة جديدة وحدت من مجالات قوة الدول وقلصت من سيادتها، والأهم، بأن كل المحاور العربية سالفة الذكر لم تعد تلبي وتوفي بإحتياجات القادم، ليصبح بالضرورة الإرتباط العربي بشكل اقليمي ودولي هو المعزز للقوة والإستقرار، كما هو الحال، علي سبيل المثال ، في الملف الليبي والسوري واليمني، واشكاليات الصراع الدولي والإقليمي بحوض شرق المتوسط، والنزاع الإيراني الخليجي، والتدخلات التركية بالملف العراقي والليبي والسوري، وهو ما سيدفع لمزيد من  تفاهمات متناقضة بين دول كبري وأخري  وما يدور في مجالها النفعي والمصلحي الاقليمي او المحلي. 

نلتقي مجدداً في الجزء الثالث 

الآراء المنشورة ملزمة للكاتب و لا تعبر عن سياسة البوابة