مصطفى حفيظ

تتخذ الجزائر دوما موقفا محايدا عندما يتعلق الأمر بالحروب، فهي لا تتدخل في الشأن الداخلي للدول، وهو عرفُ الدبلوماسية الجزائرية منذ انضمامها لمنظمة عدم الانحياز، لكن اليوم، مع بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، ثم اعلان أمريكيا وحلفاءها دعم هذه الأخيرة بالسلاح وفرضها لعقوبات اقتصادية على روسيا، بدأت بعض الدول فعلا بإعلان مواقفها المساندة للغرب، دون ذكر تلك التي تساند روسيا بشكل مباشر كالصين وكوريا الشمالية وإيران وسوريا، ووسط كل هذا، كيف سيكون الموقف الجزائري إزاء هذه الحرب؟ هل ستفكّر ببراغماتية وتراعي مصلحتها قبل كل شيء؟ لماذا لا تستفيد من ارثها الدبلوماسي مثلا وتلعب دور الوساطة بين دولتين علاقاتها جيدة معهما؟ 

إذا ما نظرنا إلى ما قالته المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا بشأن مخاطر الغزو الروسي على أوكرانيا، فالهجوم الروسي على أوكرانيا يشكّل حسبها "خطرًا اقتصاديًا كبيرًا على المنطقة والعالم، الأمر الذي يهدّد النمو العالمي"، والجزائر ليست بمنأى عن هذه المخاطر، خاصة فيما يخص السوق العالمية للقمح والحبوب عامة، لأن ارتفاع الأسعار قد يضر الجزائر المعتمدة أساسا على استيراد هذه المادة، ولم تصل بعد لتحقيق اكتفائها الذاتي من القمح، مع ذلك، ستستفيد من هذه الأزمة من حيث كونها دولة نفطية وضمن أكبر عشر دول منتجة ومصدرة للغاز الطبيعي، إذن، فأي ارتفاع لأسعار الطاقة سيعود عليها بالمنفعة بملايين الدولارات، وربما امكنها تغطية عجز الموازنة العامة نتيجة الركود الاقتصادي الذي تعاني منه، خاصة في العامين الأخيرين بسبب كورونا ونقص الاستثمارات الأجنبية.

والأكيد أن القمة الأخيرة المنعقدة في قطر للدول المصدرة للغاز تكون قد درست كافة الاحتمالات التي من الممكن تخلفها الحرب الروسية على أوكرانيا على سوق الطاقة، لذلك، يبدو جليا بأن الدول العربية المصدرة للغاز، أهمها قطر والجزائر، درست الوضع قبل حدوثه، حتى أن الرئيس الجزائري كان قد أكد عزم الجزائر البقاء كدولة مزودة بالغاز الطبيعي، أي أنه في حال نقص أو توقف الامدادات بالغاز الروسي إلى أوروبا، وستعمل الجزائر قدر الإمكان على تعويض السوق الاوربية، هذا ما أعلنت عنه شركة النفط والغاز الجزائرية-سوناطراك، على لسان مديرها التنفيذي الذي قال في تصريحات إعلامية مؤخرا بأن الشركة مستعدة لتزويد القارة بكميات إضافية من الغاز عبر أنبوبها الرابط بين الجزائر وإيطاليا في حال تقلصت الصادرات الروسية، حتى أن زيارة وزير الخارجية الإيطالي إلى الجزائر مؤخرا، يمكن أن تدخل ضمن هذه الأجندة، ودراسة إمكانية قيام الجزائر بمهم تعويض الغاز الروسي.

 وهذا يعني بأن الجزائر تتجه نحو التعامل بمنطق براغماتي مع الأزمة الراهنة جراء الغزو الروسي لأوكرانيا، ولا يُفهم من هذا إن كانت ستعرف علاقاتها مع روسيا توترا نتيجة ذلك، مع العلم أن العلاقات الجزائرية الروسية جيدة وضاربة في القِدم لدرجة قد لا تفكر موسكو في التخلي عن هذه العلاقة في حال حلّت الجزائر بديلا عنها في امداد أوروبا بالغاز إن آلت الأمور إلى إقدام روسيا على قطع امداداتها إلى دول الاتحاد الاوروبي، والجزائر شريك استراتيجي قوي لورسيا، فهي تستورد منها السلاح والقمح، مثلما تستورد الحبوب من أوكرانيا، إذن، هل قيام الجزائر بدور منقذ أوروبا بالغاز سيؤثر على هذه العلاقات ذات البعد الاستراتيجي؟  

تملك الجزائر مخزونا استراتيجيا من الغاز، وبرغم استهلاكها لنحو 60 في المائة من انتاجها، فهي تصدّر 40 في المائة منه، وتزود أوروبا عبر أنبوب الغاز الرابط بين الجزائر وإيطاليا، مثلما لا تزال تزود اسبانيا عبر خط ميدغاز المتوسطي الذي لا يمر عبر الأراضي المغربية، بعد قرارها وقف الأنبوب الذي كان يمر عبر المغرب إلى اسبانيا، مع أنها كانت ستستفيد أكثر لو كانت تقديرات الجزائر تنتظر هذه الحرب القائمة حاليا بين روسيا وأوكرانيا، ربما لو وقعت الحرب قبل قرار الجزائر قطع العلاقات مع المغرب ثم قرار وقف أنبوب الغاز العابر عبر الأراضي المغربية، لكانت قد حققت أرباحا كبيرة مستفيدة من الأزمة بين أوروبا وروسيا، هل كان الموقف بخصوص قطع أنبوب الغاز عن المغرب سيكون مختلفا ومغايرا لو كانت في تقديرات الجزائر وقوع هذه الحرب؟

لا يتضح الموقف الجزائري حتى اليوم بخصوص هذه الحرب، فلم يصدر أي بيان من وزارة الخارجية لا بالتنديد بالغزو الروسي لأوكرانيا، ولا بالدعوة إلى تسوية النزاع سلميا عن طريق الحوار، فهي في كل الأحوال، دولة ذات عُرف دبلوماسي مشهود له في حل النزاعات الدولية عن طريق الدبلوماسية، والأمثلة على ذلك كثيرة، أهمها النزاع بين إيران والعراق، ماذا لو حاولت أن تستفيد من هذه الإرث الدبلوماسي وتبادر بخطوة في هذا الاطار، بحيث تدعو الدولتين روسيا وأوكرانيا إلى طاولة الحوار، ففي النهاية للدبلوماسية الجزائرية وزنها، وبما أن لها علاقات جيدة مع الدولتين، فالأكيد بأن فرص النجاح أكثر من فرص الفشل، لكن الصمت أو لنقل الحياد الذي تلتزم به الجزائر لحد الساعة، هل سيفيدها أم أن الأمور ستنتهي إلى نظام دولي جديد قريب إلى الثنائية القطبية التي سادت أيام الحرب الباردة، وكانت الجزائر السباقة حينها في الدعوة إلى تأسيس منظمة عدم الانحياز إلى أي قطب، فهل تؤول الأمور إلى تلك النتيجة؟ وهل سينفع الحياد حينها؟

الأكيد أن روسيا تبحث عن مجد ضائع وهو الاتحاد السوفياتي، أو أكثر من ذلك، تريد أن تكون إحدى صانعي النظام الدولي الجديد، لكن الغرب الآن، بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بدأ في حشد حلفاءه، والجميع ممن أعلن تضامه ومساندته للعقوبات على روسيا هم دول حليفة لأمريكا والغرب، ومنهم حتى تلك الدول النووية كالهند، أو مجموعة ال 22 التي أغلب أعضاءها تبنوا الاتجاه الأمريكي المساند لأوكرانيا عن طريق فرض المزيد من العقوبات على روسيا، إذن، وسط كل هذا، أين ستقف الجزائر إزاء هذه الحرب، وهل ستتصرف وفقا لما تقتضيه المصلحة، أي أن تضع مصلحتها فوق أي اعتبار آخر، علاقاتها مع روسيا مثلا، لأن أي عقوبات تُفرض على روسيا، قد يمتد تأثيرها إلى حلفاءها، وقد تتأثر أي دولة تتعامل مع روسيا بهذه العقوبات بشكل ما، مع العلم أن الجزائر حليف استراتيجي لروسيا كونها تشتري منها السلاح والقمح، فهل ستبقى الجزائر في موقفها الحيادي وتواصل تحركها بحسب المصلحة؟