حميد زناز
يردد النظام منذ أكثر من سنتين عبر رجالاته وإعلامه أننا نعيش في "جزائر جديدة" استكملت بناء مؤسساتها ودخلت في عهد جديد واستقرت سياسيا وخاصة بعد نجحت في توقيف مظاهرات الحراك الأسبوعية مع ظهور كوفيد 19. ورغم الملاحقات والاعتقالات والمحاكمات اليومية والزج بالجزائريين داخل السجون، بقي إعلام النظام المدجن يتغنى بالاستقرار والمستقبل الزاهر في حين أن الأمور تزداد سوءا كل يوم اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا. وفي وقت تقدم فيه نشرات الاخبار جزائر متصالحة مع نفسها وسائرة نحو الامام بخطى ثابتة، تأتي وكالة الانباء الجزائرية الرسمية لتعيد النظر في كل ذلك عبر تقرير أشارت فيه الى أن يد الرئيس عبد المجيد تبون ممدودة للجميع وأن كلمة إقصاء لا وجود لها في قاموسه وأنه يسخّر كل حكمته للمّ شمل الأشخاص والأطراف التي لم تتفق في الماضي.
وما أثار الاستغراب هو عدم تقديم تقرير وكالة الانباء تفاصيل بشأن هذا المشروع التصالحي المفاجئ. والاغرب أن الرئيس تبون لم يتطرق الى الموضوع في الاعلام نهائيا سوى في كلمات خلال لقائه مع الجزائريين المقيمين بتركيا بعد مضي أكثر من أسبوع عن صدور تقرير وكالة الانباء. وهو الامر الذي اثار الكثير من التساؤلات حول هذا المشروع المبهم إذ لا أحد يعرف هوية المشمولين بهذا المسعى وما إذا كان يشمل رجال النظام المسجونين والمعارضين في الخارج. فما مضمون هذه الصفحة الجديدة التي يريد الرئيس عبد المجيد تبون كتابتها حسب وكالة الانباء؟ ما أهدافها؟ ومع من يكتبها؟ تلك هي أهم التساؤلات المطروحة بين مختلف الأوساط المعارضة في الجزائر، أما الأحزاب الموالية للسلطة فكعادتها المعهودة فقد هللت للمبادرة وأثنت عليها وأظهرت استعدادا لامشروطا للانخراط فيها قبل فهم حتى محتواها. وفي الحقيقة كل جزائري حر يتوق الى العيش في نظام ديمقراطي تعددي تحفظ فيه الحريات الفردية والجماعية ولا أحد من الجزائريين يرفض مبادرة تسير في هذا الاتجاه وقد نزل الجزائريون بالآلاف بل بالملايين إلى الشارع مطالبين بدولة الحق والقانون وكان رد السلطة سلبيا وراحت تطبق خريطة طريقها دون الالتفات لمطالبهم فقاطعت أغلبية الشعب صناديق الاقتراع وضربت شرعية السلطة في مقتل وهذا ما تريد السلطة معالجته بعد ما اقتنعت بأن لا حل عن طريق القمع مع ازدياد عدد من ينضوون تحت لواء المعارضة و لو بالإنصات و متابعة ما يقول أقطابها في الخارج عبر اليوتوب وغيره من الوسائط الاجتماعية. في الحقيقة ليست هي المرة الأولى التي يخرج فيها النظام من تحت عباءته لعبة الوحدة والتصالح فمبادرة الرئيس عبد المجيد تبون المسماة "لم الشمل" هي على منوال "المصالحة الوطنية".
التي جاء بها الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة سنة 2004 مع اختلاف الأوضاع والاهداف بطبيعة الحال وقبلها قانون الرحمة الذي أطلقه الرئيس اليامين زروال. ولئن استطاعت مبادرة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ان تضع حدا للعنف الاسلاموي تحت شعار الوئام الوطني، فيبدو ان مبادرة الرئيس تهدف الى عقد صلح مع المعارضة في الخارج التي باتت مزعجة للنظام في السنتين الأخيرتين، وقد تم فعلا قبل الحديث عن هذه المبادرة محاولة الاقتراب من الناشطين في الخارج وعرض عليهم الدخول الى أرض الوطن دون خوف من أية متابعات قانونية. وقد تكون المبادرة في كليتها ورقة يريد النظام ان يظهر من خلالها بوجه المنفتح على المجتمع المدني والمعارضة السياسية. ومع ذلك يبقى الشك يلف المسألة نظرا لذلك الغلق المحكم الذي يفرضه النظام في المجال السياسي والإعلامي منذ أكثر من سنتين.
في الحقيقة كل ما يقال عن هذه المبادرة يبقى مجرد تخمينات لأنها لا تزال مبهمة وهي غير مكتوبة او معروضة بشكل تفصيلي رسمي ومن هنا لا يمكن سوى طرح بعض الاسئلة بشأنها: لم تصدر رئاسة الجمهورية بيانا في هذا الشأن، فمن يتبنى هذا المشروع؟ هل تتوفر إرادة سياسية حقيقية للتغيير لدى النظام؟ وما الذي تغير ليصبح مؤمنا بالتغيير، هو الذي كان يقول ان كل شيء يسير على ما يرام ولا داعي للتغيير؟ هل أصيب النظام بهلع جراء الاضطرابات التي يمر بها العالم بعد الحرب التي شنها بوتين ضد أوكرانيا واستمرار عزل روسيا الصديقة دوليا ؟ هل هي مجرّد مناورة تهدف السلطة من ورائها الى تخفيف الضغوط الممارسة عليها والتغطية على غياب أدنى منجز اقتصادي او سياسي او اجتماعي خلال كل ما مضى من عهدة الرئيس عبد المجيد تبون؟ ألا تكون المبادرة شبه تمهيد مبكر للإعلان عن عهدة ثانية للرئيس تبون سنة 2024؟ ألا يكون الأمر " بالون اختبار" من أجل جس نبض الجزائريين؟ هل هي حيلة لإطلاق سراح معتقلي الحراك الذين فاق عددهم الثلاثمائة في إطار عفو رئاسي عام قد يمس حتى المسؤولين السياسيين الذين خدموا النظام لسنوات طويلة كوزراء ورؤساء حكومة ورجال اعمال والذين سجنوا بغية تهدئة الجماهير الغاضبة مع بداية الحراك؟ من هم الذين يشير إليهم تقرير وكالة الانباء المذكور سابقا بالذين "تجاوزوا الخطوط الحمراء وأولئك الذين أداروا ظهرهم لوطنهم" والذين هم غير معنيين بالمبادرة حسب التقرير؟ هل تريد السلطة تهدئة الخواطر قبل احتفالات 5 جويلية، تاريخ الاحتفالات بالذكرى الستين للاستقلال وقبل اول نوفمبر ذكرى اندلاع الثورة الجزائرية وموعد انعقاد القمة العربية في الجزائر؟
لئن جاء هذا المشروع بغية لم شمل الجزائريين، فإن الغموض الذي يكتنفه قد شتت آراءهم حوله. وإلى ان يتم بلورة المبادرة وتبيان كيفية تجسيدها بشكل أكثر وضوحا على ارض الواقع، تبقى كل الشكوك والتساؤلات مشروعة.