عبد الستار العايدي

رغم تصويت تونس لصالح مشروع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة حول الحرب في اوكرانيا بالاستناد إلى ديبلوماسية عدم الانحياز الكامل لأي من طرفي الصراع والوقوف إلى جانب التحالف الامريكي الاوروبي لضمان دعمه خلال المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وتنبيه الاتحاد العام التونسي للشغل إلى خطورة آثار الحرب في أوكرانيا وتداعياتها السلبية على الاقتصاد وخاصة الأمن الغذائي لتونس باعتبار أن النسبة الكبيرة من واردت الحبوب مصدرها أوكرانيا بالاضافة إلى إرتفاع أسعار برميل النفط القياسية خلال فترة وجيزة، لازالت الحكومة لم تجد السبيل الناجع لتعويض هذه الواردات لإرتفاع أسعار المواد الغذائية والحبوب مقارنة بالأسعار الاوكرانية، حرب سيكون لها آثار كبيرة على الوضع الاقتصادي الدولي والتونسي.

قذائف الحرب في أوكرانيا من الممكن أن يسمع دويّها في متاهة السياسات الاقتصادية التونسية العاجزة حاليا وهذا يعود إلى أن هذه الأزمة ستوفر أرضا خصبة للمحتكرين في الأسواق العالمية ورفع الأسعار لجميع البضائع القادمة من مناطق التوتر وهو ما سيؤثر على ميزانية الدولة بزيادة مخصصات الدعم الموجّه للخبز والمعجّنات أو الزيادة في الأسعار لتجّنب عجز إضافي بسبب توجّه تونس إلى أسواق محدّدة إلى إستيراد المواد الأساسية، حيث تستورد تونس نحو 80% من القمح من منطقة البحر الأسود وأساسا روسيا وأوكرانيا، وبنسب أقلّ من فرنسا وبلغاريا، فاحتياجات تونس من الحبوب تتراوح بين 30 و32 مليون قنطار سنويا ولا تنتج منها إلا 10 ملايين قنطار، أي ما يعادل 70% من حاجياتها وذلك بالأسعار العالمية التي شهدت في الأشهر الأخيرة ارتفاعا ملحوظا، ليتجاوز سعر القنطار 110 دينار ليكلّف استيراد القمح الدولة ما بين 1.6 و2 مليار دينار سنويا تسدّدها تونس بالعملة الأجنبية، إلى جانب  أن الدولة تعيش صعوبات مالية وعدم توفير الاعتمادات اللازمة لسداد فواتير واردات القمح التي يطالب أصحابها الدفع المسبق قبل تفريغ شحنات الحبوب.

وضع دفع إتحاد الشغل وإتحاد الفلاحة والصيد البحري إلى كشف إستياءهم وإنتقادهم لتمشي الحكومة الاقتصادي الذي يتعمّد عدم التخطيط لسياسة زراعية واضحة وإهمال للسياسات الغذائية التي تحمي البلاد من الأزمات العالمية مبرزين رفض الحكومات دعم الزراعة المحلية للحبوب مقابل قبول كل شروط وأسعار السوق العالمية وهو ما تمّ إعتباره تهديد للأمن الغذائي لتونس التي تعتبر من أكثر البلدان إستيرادا واستهلاكا للحبوب.

كما أثر الحرب خطر يهدّد بطون التونسيين، سيكون ارتفاع أسعار برميل النفط سيكون هو أيضا خطر يهدّد سير عمل المؤسسات الاقتصادية والبطون الحديدية لوسائل النقل العامة والخاصة، فميزانية الدولة لسنة 2022 لازالت عرجاء في خضمّ عدم الحصول على القروض اللازمة لتمويلها وهذا يحيلنا إلى بيان أن الميزانية قد تمّ إعدادها بفرضية حساب سعر برميل النفط في حدود 75 دولارا في حين تجاوز  107 دولار حالي، وإستنادا إلى أن كلّ دولار يضاف لسعر البرميل يكلّف صندوق الدعم وميزانية الدولة ما يقارب 120 مليون دينار إضافية ممّا سيرتدّ سلبا ومزيد تعميق الأزمة المالية التي تعيشها تونس وفرض أمر واقع لطلب قروض أخرى لتغطية هذا العجز، وسيفرض هذا على تونس البحث عن حقول نفطية جديدة أو رفع منتوجية الحقول الحالية لزيادة إنتاج كميات البترول وتعويض هذا الفارق الكبير في سعر البرميل، وهذا كلّه كان نتيجة لعدم إستغلال الحكومات السابقة إنخفاض سعر برميل النفط خلال بداية جائحة كورونا وتفاقمها لتوفير تغطية تكفي مدة سنة أو سنتين من واردات النفط.  

ورغم التوقعات الايجابية للحكومة بعد تراجع انتشار فيروس كورونا  بتسجيل انتعاشة في قطاع السياحة فإن هذه الحرب الروسية الأوكرانية، مع الأخذ بعين الاعتبار الموقف الديبلوماسي التونسي تجاه روسيا، قد بعثرت هذه التوقعات بالنظر إلى أهميّة أعداد الوافدين السيّاح من بلدان أوروبا الشرقية، وروسيا خاصة وما توفّره هذه السوق من مردودية مالية لصالح القطاع السياحي في تونس، مما سيجبر جامعة النزل التونسية ووكالات الأسفار على تغيير الوجهة نحو بعض البلدان الأوروبية وغيرها من الدول لتكثيف حملات الدعاية لتعويض أعداد الوافدين وتقديم أفضل الأسعار لضمان نسبة تنافسية جيّدة ضمن أسواق السياحة الدولية، وضع قد يقود القطاع السياحي إلى تحمّل نسبة خسارة مهمة من عائداته السنوية في ظلّ أزمته المتراكمة منذ سنوات. 

آثار إقتصادية سلبية ستقع على كاهل الدولة على المدى القصير أو المدى الطويل ستستتبعها آثار سياسية على العلاقات الديبلوماسية بين تونس وروسيا في خضم التقارب الجزائري الروسي بخصوص رسم خارطة جيوستراتيجية جديدة لمنطقة شمال إفريقيا والحضور الروسي العسكري والاقتصادي في المسألة الليبية، معطيات الحرب الحالية ترجّح فوز الدب الروسي مقابل الحضور الاوروبي والامريكي ممّا سينعكس بالضرورة على الوضع الاقتصادي والسياسي مستقبلا في إعادة تقسيم مناطق النفوذ الاقتصادي حول العالم ومنطقة شمال إفريقيا التي تعتبر البوابة الأمامية لإفريقيا ، وفي إنتظار ما سيقدمه الدعم الأوروبي والأمريكي في مفاوضات السلطات التونسية مع صندوق النقد الدولي وهو من المعطيات غير المؤكدة في ظلّ عدم رضا هذه الدول على التمشي السياسي الحالي لقيس سعيّد سيكون على الحكومة تضميد هذا الخدش الذي شوّه بعض الشيء ورقة العلاقات السياسية مع روسيا.

وسيبقى أثر هذه الحرب الأهم هو تأثّر المواطن التونسي بمزيد تضخم الدينار التونسي وتقهقر القدرة الشرائية مقابل إرتفاع الأسعار في خضم إحتقان شعبي على إرتفاع نسبة البطالة بما يفوق 18 بالمائة بعد قرار منع الانتدابات إلى موفّى سنة 2024 ، وتعدّد الاضرابات التي مسّت قطاعات مختلفة من الجهاز الإداري وعدد من المؤسسات الاقتصادية العمومية وإصرار الاتحاد العام التونسي للشغل على إلغاء المنشور الحكومي الذي يقرّ إلغاء المفاوضات الاجتماعية في الفترة الحالية والقادمة.