بعد انهيار الدولة العثمانية وتسليمها معظم المنطقة العربية لأعداء العروبة والإسلام تطلعت النخب العربية من مثقفين وغيرهم إلى النموذج الديموقراطي للدول الغربية باعتباره نموذجا في شكله النظري العام مجرد من أي نوع من أنواع الدكتاتورية باعتبار أن ماكانت عليه السلطة العثمانية كان يشكل أقسى وأبشع ماتعنيه الدكتاتورية والحكم التعسفي الجائر .

ولكن هذا التوجه اصطدم بحقيقة لازلنا نعاني آثارها حتى يومنا هذا ألا وهي حقيقة الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين العربية والاستعمار الفرنسي للجزائر وغير ذلك من مناطق الصراع التي لازالت منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية تشكل عائقا أمام العلاقات العربية العربية والعربية الدولية خصوصا بعد تقسيم المنطقة وفق مانصت عليه اتفاقية سايكس بيكو حيث وجدت كل جماعة عربية نفسها داخل إطار جغرافي ألزمت به كوطن رأته الدول الاستعمارية لها أن يكون بهذا الشكل ووفق ما يحافظ على التوزيع الجغرافي الذي تشكله السيطرة البريطانية الفرنسية بشكل خاص بعد اقتسامهما منطقتنا ومن خلال الانتداب تم حكمها بشكل مباشر وعندما واجهت حركات تحرر ومقاومة خلال إنهاك بعد حروب عالمية انتهت بأزمة اقتصادية في وقت تزخر فيه منطقتنا بثروات على رأسها البترول ، بدأت تعطي تلك الدول استقلالا منقوصا لشعوبنا لتتحكم فيها وتحكما وتستعمرها بشكل سلمي في الانتفاع من ثرواتنا .

وهذا تطلب وضع أنظمة حكم تابعة مأمورة تسير وفق مالا يتعارض ومصالح تلك الدول وهذا كان على حساب قضايا عربية وإسلامية جوهرية على رأسها القضية الفلسطينية هنا كان ولابد

 أن ترفض القوى العربية الحية هذا الخضوع الذي يبني المنطقة بناء يتعارض مع الأمة ومصالحها الاستراتيجية كأمة كانت تشكل نطاقا موحدا لايستهان به رغم ضعف الدولة العثمانية ، فبدأ التحرك العربي للأدباء والشعراء خاصة والحركات الرافضة للاستعمار كجمعية عمر المختار في ليبيا وهذا حفز جنودنا وضباطنا العرب في معظم الدول العربية لرفض هذا الواقع المهين فكانت ثور 23-يولو -1952 لتكون أساسا محفزا للقيادات العسكرية العربية للتحرك لمساندة القوات المسلحة العربية المصرية وكانت ثورات مختلفة ومظاهرات داعمة لثورة مصر وفي ليبيا خاصة كانت قوية وقد استشهد عدد من الطلاب في مظاهرة 1967 وغيرها مما مهد لقيام الثورة 1969 التي سرعان ما التحمت بثورة مصر في حربها ضد الاستعمار وتحقق الانتصار الكبير على العدو عام 1973 حرب اكتوبر المجيدة .

لقد شكل الاحتلال الاسرائيلي هاجسا ولازال يشكل للجيوش العربية فبين خطورة وجود هذا الكيان وبين السعي للتوجه الديمقراطي لازالت معضلة الأنظمة العميلة تشكل خطرا على القوى العربية الحية داخل القوات المسلحة العربية وخارجها مما تسبب في تناقضات داخل أنظمتنا مابين تطلع شعوبنا للرفاهية بشكل طبيعي وبين وضع غير طبيعي بوجود كيان غاصب يتحين من خلال القوة النووية والتكنلوجيا المتطورة فرص النيل من أمتنا ومن شعوبها في تصريحات خطيرة وواضحة وعلنية واستجلاب تاريخي لقضايا قديمة منذ أكثر من 1400 عام .

لقد أصبح واقعنا الديمقراطي والتنموي بشكل عام بين سندان الدعم الغربي للاحتلال الاسرائيلي وبين وجود هذا الاحتلال فوق أرض فلسطين يتربص بالأمة جمعاء فبين التمسك بالحقوق العربية الإسلامية وبين العيش بنعيم وتعايش سلمي مع المجتمع الدولي يشكل وجود الاحتلال الاسرائيلي خطرا كبيرا - فكل الدول العربية التي بنت ترسانتها العسكرية وفق مسار التوجه الغربي الداعم لأمن الاحتلال الاسرائيلي نجدها لم تتعرض لما تعرضت له دول الممناعة المتمسكة بثوابتها وبمسيرة كفاح الأمة وحقوقها المغتصبة منذ 1911 وأول هذه الحقوق حق الوحدة الجغرافية التي كانت عليها الأمة والتعايش الديني السلمي مسلمين ويهود ومسيحيين قبل إثارة فتن مابعد الحرب العالمية ثم احتلال فلسطين العربية .

فبعد ما تحقق للعدو من انتصارات في ليبيا وتونس وما يحدث في سوريا وبالرغم من الإخفاق في مصر نجد من خلال تطبيع عدد من الدول العربية العلاقات مع الاحتلال الاسرائيلي أن هذا التطبيع قام على أساس ماتم الاتفاق عليه فلسطينيا وإسرائيليا في أوسلو 1993 بحل الدولتين ، لكن الخطورة تكمن في أن الاحتلال والبناء الاستيطاني يتجاوز كل يوم المزيد من أراضي 67 

مما ينذر بمؤشرات خطيرة تقول أن هذا التطبيع مالم تصحبه سياسات تحوطية عسكرية فإن الاحتلال سيصل برقة والحجاز والموصل وحتى اليمن مرورا بإثيوبيا وارتريا والصومال .

نعم نحن في ليبيا علينا أن نتطلع لحياة ديمقراطية ونلتفت لشأننا الداخلي أولا وأن نستفيد من تاريخنا النضالي الذي دفعنا كلنا كليبيين ثمنا غاليا له لاينبغي أن نشوهه بل نعتز به وفي نفس الوقت علينا أن لاننساق في اتجاه الانفتاح على المجتمع الدولي بشكل أعمى فينبغي علينا في نفس الوقت أن لانستهين بضرورة إعداد القوة العسكرية التي تكفل لنا الجاهزية التامة التي يخشى العدو حدوثها بعد تدمير الجيش 2011 لأن العدو يسعى لضرب قوة القوات المسلحة دائما بخلق قوى سياسية مضادة لها تتحالف مع دول خارجية وهذا بدوره يحتم على الجيوش العربية أن تكون جاهزة لحماية نفسها من الانجرار وراء التبعية العمياء باسم الديمقراطية التي تلغي الهوية وتجعلنا مجرد أدوات بشرية تسيرها لوائح وأعراف وقوانين بعيدة عن خصوصيتنا وأعرافنا وديننا .

فبين ضرورة التمسك بوحدة القوات المسلحة العربية  وبناء سيادة الوطن بهيبتها وتماسكها بالقاعدة الشعبية وبين الرؤى السياسية والديمقراطية للنخب المختلفة المنفتحة على الغرب بشكل تام .. تجد الشعوب العربية المسلمة نفسها أمام ما أفرزه الإسلام السياسي من فظائع اجرامية تجد الشعوب نفسها ملزمة بتمسكها بقواتها المسلحة حفاظا على هويتها ودينها ووحدة ترابه وسيادتها ..

لكنها في نفس الوقت ترفض أن تلتف بعض القوى تحت شعارات مختلفة تستغل إرادة الشعوب لتخلق مراكز قوة تشكل جميعها من خلال القوات المسلحة ومصالحها وما امتلكته من مقومات قوة نظاما دكتاتوريا يجعل من السهل على العدو خلق قوى سياسية واجتماعية مضادة لها يوظفها لتحقيق مصالحه بادعاء القضاء على الدكتاتورية .

فلابد من قطع الطريق على الجميع بقراءة متعمقة للمشهد للمحافظة على ما تحقق من بناء القوات المسلحة بوضع الحقوق والواجبات موضع الجدية لدى جميع مكونات المجتمع وفق ضوابط قانونية حازمة تضع كل مخالف لها أي كانت صفته وماقدمه تحت طائلة القانون.

الآراء المنشورة ملزمة للكاتب و لا تعبر عن سياسة البوابة