برهان هلّاك

جريمة اغتصاب بشعة كانت ضحيتها طفلة لا يتجاوز عمرها ثلاثة أعوام تعرضت للاعتداء الجنسي والعنف من قبل حارس روضة للأطفال في مدينة المرسى شمال العاصمة تونس. التداول على اغتصاب طفل ببلدية حمام سوسة من محافظة سوسة التونسية لمدة سنتين كاملتين من قبل 7 موظّفين يعمل جلّهم ببلدية المنطقة حيث يعمل والد الطّفل. تحرّش مدير ثانوية بمنطقة كندار من محافظة سوسة بتلميذات قاصرات و اغتصاب إحداهنّ و هرسلته للطفلة موضوع الإعتداء بفضحها إذا ما بلّغت عن اعتداءه عليها. تعرّض طفلة عمرها 16 سنة إلى الاغتصاب والاعتداء الجنسي الجماعي من قبل مجموعة من الأشخاص بإحدى مناطق محافظة القيروان. إطار أمني سابق، كان يشغل خطة مدير عام للأمن الرئاسي، يحاول الاعتداء جنسيا على قاصر يبلغ من العمر 17 سنة بمحافظة سوسة. يكفي أن تطالعك مثل هذه الأنباء لتقف على حقيقة الطفولة المهدورة و المنتهكة في تونس، في ظل أرقام مرعبة عن إشعارات بانتهاكات جنسية و اعتداء بالعنف و إهمال لأطفال لا يتجاوزون في كثير من الأحيان عتبة 14 سنة.

و يكشف أحدث التقارير الإحصائية السنوية لنشاط المندوبين بإدارة حماية الطفولة لسنة 2020 ( الجهة الحكومية الرسمية المسؤولة عن تأطير و هيكلة و مراقبة وضع الأطفال بتونس) عن تطور الإشعارات بالاعتداء على الأطفال التونسيين خلال العشرية من 2009 إلى 2019؛ يبلغ العدد الإجمالي للإشعارات التي تلقاها المندوبون المسؤولون بإدارة حماية الطفولة خلال سنة 2019، في كامل المحافظات الأربع و العشرين، 17506 إشعارا! و هو ما يثبت تسجيل تطورّ بما يقارب الضعف خلال 10 سنوات بين 2009 و 2019. و شهدت تلك العشرية بصفة عامة في بدايتها انتكاسة فيما يتعلق بعدد الإشعارات الواردة على الجهات الرسمية و ذلك بين سنتي 2009 و 2013. و ليشهد عدد الإشعارات ارتفاعا مستمرا رغم أن نسق الارتفاع لم يشهد انتظاما يُذكَرُ.

كما اعتبر التقرير أن الطفولة التونسية مهددّة تهديدا جسيما باعتبار بلوغ معدّل يومي من الإشعارات التي يتفاعل معها المندوبون بإدارات حماية الطفولة سنة 2019 قرابة الـ 67.33 إشعارا، أي ما يعادل 1.68 إشعارا جديدا في كل ساعة و 336 إشعارا في الأسبوع.

و إنّ نوعية و عدد جرائم الاغتصاب والتحريض على الاغتصاب و التحرش الجنسي و سفاح القربى و الاعتداء على القاصرين في تونس لهي دليل صريح على قصور المؤسسات و القوانين عن حماية المجتمع من الانزلاقات و الانحرافات ذات الآثار المدمرة على الأطفال الذين هم مستقبل أي وطن في العالم؛ إذ كيف يمكن تفسير هذا الكم الكبير من الإفلات من العقاب على مثل هذه الأفعال الوحشية؟ و الإجابة عن هذا السؤال تتمثل في أنّه، و على الرّغم من الاصغاء لضحايا الاعتداء الجنسي اليوم و و التحقيق في ملابساته، فإن الجدية في إثبات واقع الاعتداء و سلوك مسار التحقيق حتى آخره ليس بالأمر الطبيعي و المعتاد و الذي من المفروض أن يكون اليوم.

و أما عن القصور المؤسساتي فيما يتعلق بدور الجهات الرسمية ( إدارات حماية الطفولة و وزارة شؤون المرأة و الأسرة التونسية أساسا)، فقد أكّد المندوب العام لحماية الطفولة، في جلسة عقدتها لجنة شؤون المرأة والأسرة والطفولة والشباب والمسنين بالبرلمان التونسي يوم الاثنين 20 جويلية 2020، على أن مندوبي حماية الطفولة يتعرضون للعديد من الإشكاليات منها تدني مستوى العمل التشاركي و غياب نص يمكّنهم من صلاحيات رقابية، إضافة إلى صعوبات تفعيل الصلاحيات فيما يخصّ ايواء الاطفال بمراكز الرعاية الاجتماعية و اخضاعهم للمتابعة النفسية الطبية. كما أشار المندوب العام خلال نفس الجلسة إلى الصعوبات المادية و اللوجستية، حيث أن مكاتب إدارة حماية الطفولة هي مكاتب غير وظيفية، مضيفا بأنه يجب التدخل كذلك من خلال تطوير النصوص المنظمة لعمل هذه الإدارة بما يسمح بإضفاء بعد وقائي حقيقي يحمي الطفل من أي إنتهاكات يمكن أن تقع له. و من هذا المنطلق يصبح مدى تواتر الإنتهاكات الجنسية أمرا " مفهوما " باعتبار شبه العجز الذي تجد إدارة حماية الطفولة نفسها فيه، خاصة في ظل نقص نقص فادح في الموارد البشرية (تضمّ مكاتب المندوبين بإدارة حماية الطفولة التونسية 79 مندوبا و 8 أخصائيين نفسانيين و أخصائيا اجتماعيا وحيدا من المفروض أن يغطوا العمل على كامل محافظات البلاد التونسية، و هو عدد ضعيف جدا يرقى لمصاف عدم الجدية في التعامل مع هذه الآفة).

كما يبرز قصور المعالجة المؤسساتية للدولة من خلال انعدام الاهتمام بالتباينات بين مستوى توزيع التهديد بحسب المكان أو المتسبب في التهديد أو في مستوى أسباب التهديد و الخطر المحدق بالطفل؛ إذ تخلو تقارير إدارة حماية الطفولة من اختبارات إحصائية لمعرفة دلالة درجة الاختلاف بين هذه المؤشرات، واقتصرت على تبيان اتجاه واقع التهديد دون التدقيق في دلالة المعطيات بحسب ما يؤكده أستاذ علم الاجتماع بالجامعة التونسية، عبد الستار رجب.

و يجدر الثناء على بعض المجهودات العفوية لتونسيين يرومون الوقوف كحصن يوفر الأمان للأطفال التونسيين بإمكانيات ذاتية بسيطة و لكنها في غاية النبل و الغيرية غير المحدودة؛ و نذكر في هذا السياق مبادرة الرائع وسيم مسالمي، الشاب التونسي الذي كان لي مؤخرا شرف التعرف عليه من خلال ما بادر به على المجموعة الفيسبوكية " أنا زادة " ( النسخة التونسية لحركة أنا أيضا  MeTooالرامية إلى فضح الاعتداء الجنسي و التحرش حول العالم). يشير وسيم، الخلوق و النبيل، بأن التحرش و انتهاك الأطفال و القاصرين على الإنترنت كظاهرة هي آخذه في التعاظم، و يبدو بأن الدولة التونسية غير ملقية بالا إلى ذلك. و هو ما يدفعه إلى القيام بواجبه تجاه صون براءة و سلامة الأطفال الذين يستعملون الإنترنت بشكل يومي، و ذلك عن طريق التعامل مع الحسابات الوهمية على وسائط التواصل الاجتماعي و الموظفة لابتزاز و تهديد القاصرين،  و ذلك بحكم خبرته و تكوينه و تجربته في مجال السلامة المعلوماتية و الاتصال الرقمي في إطار مشاريع نسوية تحمي النساء و الفتيات القاصرات من التحرش الجنسي على وسائل التواصل الإجتماعي. و يعرض خبير السلامة المعلوماتية، وسيم المسالمي، المساعدة المجانية في فسخ هذه الحسابات الوهمية و كشف معطيات من يقف وراءها و استرجاع حسابات تم إغلاقها بتآمر من المبتزين و المعتدين. كما أنّه يتعهّد في خضم كل ذلك بصون هويات الضحايا، بل و بتوجيههم نحو فهم شامل لحقوقهم في إطار توجيههم نحو اللجوء لقوانين مكافحة الجرائم الإلكترونية و ما يجب اتخاذه من تدابير بهدف ملاحقة المنتهكين قضائيا.

بالمحصلة، تظل سياسات الدولة و مؤسساتها غير قادرة على استيعاب تفرعات مفهوم التحرش و الاعتداء على الأطفال، بما هو استخدام أو محاولة استخدام الصغير لإشباع الرغبات، ويشمل ذلك تعريضه لأي نشاط أو سلوك جنسي من قبيل ملامسته أو حمله على ملامسة المتحرش جنسيا. و تكمن المشكلة في تونس بأن فعل التحرش و الاعتداء على الأطفال غير مدرج ضمن قانون خاص، ما يعني أن هذا الجرم يتم إدراجه ضمن قانون العقوبات. و يؤدي ذلك إلى صعوبة إثبات وقوعه أمام القضاء، إذ يتوجب أن تكون البيّنة على من ادّعى بأن يكون إثبات وقوع الفعل على عاتق الضحية، فضلاً عن شروط أخرى قد تعيق مجرى العدالة. و ينص قانون العقوبات التونسي على عقوبة التحرش بالأطفال، لتبدأ العقوبة من السجن سنتين وصولاً إلى 12 سنة إذا وقعت من شخص لديه سلطة على الضحية. و من ثمة فإن هذا الإطار التشريعي المحدود يمثل أهم نقائص إجراءات الدولة التونسية في محاربتها لانتهاكات جنسية في حق القاصرين، إذ توجد نصوص تعاقب على التحرش الجنسي عموما وعلى الأطفال خصوصا ولكن لا يوجد قانون خاص بالجرائم الجنسية بحق القُصّر.