مع تسرب الوقت المحدد للحكومة المؤقتة وبالنظر لما تقوم به من جهود لا يبدو أنها تراعي عوامل المعادلة الثلاثية التي يستوجب تحقيقها(استحقاق في إمكانات على زمن) وإلا ماذا أنجزت خلال الفترة المنقضية من الزمن؟ ... ولكن يبقى الثابت إنها استهلكت من الإمكانات ما استهلكت، التي قد يرى البعض أن أي إشارة للإمكانات مرتبطة بالصرف المالي المباشر، ولكن هذا ليس دقيقا وإن كان في المطلق صحيحا، ففي حالتنا هذه تبقى الإمكانات في صورة أو صور أخرى وإلا كيف تم تسيير البلد خلال المئة يوم الماضية دون اعتماد الميزانية؟!.
منذ البداية كانت كل الآمال المعلقة على الحكومة تتجه إلى استحقاق أساسي واحد، وهو إجراء الانتخابات في أجلها المحدد قبل نهاية العام، وما عداه على أهميته يبقى ثانويا وأن كان لا يقل أهمية بل ضرورة كمعالجة المختنقات العاجلة مثل أزمة الكهرباء ومواجهة الجائحة العالمية وتحسين الوضع المعيشي للمواطن، ولكن الجميع أُعد مسبقا لقبول أي عثرات أو حتى فشل وإبقاء الوضع كما كان عليه خلال عهدة سالفتها "الوفاق" مقابل النجاح في التحدي الأساس باعتبار النجاح فيه شرط أساسي لإنهاء الوضع البائس، والبدء في البناء لوضع بديل، وبديل لا تعني بالضرورة إزاحة الأزمة والخروج منها، بل تعني التخلص من حكومات الإملاءات التي لم تتمكن بطبيعة الحال من الخروج من بوتقة حلول الإملاءات الخارجية، وابتزازات دخلاء الداخل.
***************
حتى يتحقق "حلم" إجراء الانتخابات سواء كانت برلمانية أو رئاسية، لابد من توفر عدة اشتراطات ثلاثة، منها ما هو فني لوجستي ومنها ما هو تشريعي قانوني، ومنها ما هو أمني، وباعتبار أن الركن الأول المتعلق بالتجهيز الفني والإعداد اللوجستي من أهم مهام المفوضية العليا للانتخابات وباعتبارها مؤسسة مستقرة ولها تجاربها السابقة فقد حددت بشكل واضح ما تحتاجه بل وأعدت ما يمكن إعداده وتجهيزه ووضعت تقديراتها لما تحتاجه العملية الانتخابية من أمكانات بشرية ومادية، وهذا يبقى مؤشر مشجع لمواجهة بقية الاستحقاقات بما يتناسب وطبيعة كل منها.
أما الشق التشريعي القانوني، فهو على الرغم من اللغط الدائر حول إنجازه وتحديد أي قاعدة دستورية لتنظيم العملية الانتخابية إلا أنه ليس بالصعوبة التي يحاول البعض ولأغراض "موجهة" تصويره وطرحه كتحدٍ كبير، وهو في حقيقته بقدر أهميته التنظيمية الحاكمة للعملية بقدر بساطة الاعتماد على اختيار أسهل الخيارات المتاحة لاعتماده كقاعدة دستورية تتوفر فيها الاشتراطات الأساسية وتراعي الظروف من حيث الوقت واحتواء الخلافات، فكل القوانين التي يمكن أن تنظمها موجودة، كأن يتم العودة لما تم به تنظيم انتخابات البرلمان سنة 2014، أو حتى المؤتمر الوطني سنة 2012 مع التعديلات الضرورية أن لزم الأمر ذلك، أما اشتراط الاستفتاء على الدستور "المعيب" أو صياغة قادة دستورية جديدة فهذه لا تعدو كونها وسائل للمماطلة ووضع إجراء الانتخابات في وقتها المحدد تحدي إعجازي لا ضرورة لخوضه.
أما ما يتعلق بالأمن وتهيأة الظروف اللازمة لإجراء الانتخابات فهذا بالفعل يبقى التحدي الحقيقي والأهم والذي بدونه لا فائدة من إنجاز أيٍ مما سبق، ليس فقط لضرورة استتباب الأمن حتى تتم العملية ويتمكن المقترعون من الوصول لمراكز الاقتراع في أمن و آمان –وهو شرط أساسي- بل حتى يمكن استثمار ما ينتج عن العملية الانتخابية والقبول بنتائجها وضمان تسليم الجميع بذلك، وعدم التوجه لفرض نتيجة ما بما يخدم مراكز القوة، لاسيما أن مراكز القوة في البلد اليوم ودون استثناء لا أمان لجانب أي منها، فما لم يعالج الوضع الأمني الحالي بما يضمن حماية العملية الانتخابية فأن كل ما يدور الآن وكل ما يراه الليبيون حلم يراودهم للخلاص من هذا الوضع البائس سيكون انتكاسة ومجرد كابوس آخر ضمن سلسلة "أحلام التغيير" التي لازالت رغم مرور عشر عجاف تراوح مكانها.

الآراء المنشورة ملزمة للكاتب و لا تعبر عن سياسة البوابة