حميد زناز

منذ استقلت الجزائر سنة 1962 والخلاف بينها و بين جارتها المغرب قائما بطريقة او بأخرى و ذلك بسبب مشاكل حدودية موروثة من العهد الاستعماري وصلت الى نشوب حرب سنة 1963 سميت بحرب الرمال. ثم تأزمت الامور بين البلدين أكثر مع ظهور قضية الصحراء "الغربية" بلغة النظام الجزائري و  "المغربية" بلغة النظام في المغرب. و ازداد الوضع تعقيدا بعد تنظيم المغرب للمسيرة الخضراء التي شارك فيها اكثر من 350 الف مغربي  دخلوا الى الصحراء سنة 1975 . و بعد أشهر قليلة   و في ظروف مأساوية طردت السلطات الجزائرية كرد على تلك المسيرة مئات العائلات المغربية التي كانت مقيمة في الجزائر منذ العهد الاستعماري. و منذ ذلك الحين لم تتوقف الحرب الاعلامية و الدبلوماسية بين الطرفين و توترت العلاقة بين البلدين رغم الروابط العائلية و الانسانية التي جمعت الشعبين منذ قرون.  

وما زاد الطين بلة ذلك الاعتداء الارهابي على فندق اطلس سني في مراكش يوم 24 اوت 1994 الذي راح ضحيته 37 مواطنا مغربيا و اتهمت السلطات المغربية مباشرة المخابرات الجزائرية و قد نفت الحكومة الجزائرية  الاتهام جملة و تفصيلا. و مع ذلك فعلت السلطات المغربية ما فعلت نظيرتها الجزائرية سابقا و طردت عددا من الجزائريين كانوا مقيمين بالمغرب علاوة على سائحين كانوا، من سوء حظهم، على الاراضي المغربية.  

و رغم كل ذلك، تحسنت العلاقة بين الجارين بعض الشيء مع مجيء بوتفليقة سنة 1999 و الذي حضر شخصيا مراسيم جنازة الملك الحسن الثاني في نفس السنة. ثم تدهورت العلاقة من جديد وتم غلق الحدود البرية بين البلدين. و لئن تواصل تبادل الاتهامات المختلفة و الخطيرة احيانا ، فلم تصل العلاقات بين الجارين الى هذا المستوى من التردي الذي تعرفه اليوم.  لقد تصاعد التوتر في الاسابيع الماضية بداية  مع قضية رئيس البولزاريو و دخوله الى اسبانيا للعلاج باسم مستعار بجواز ديبلوماسي جزائري مرورا  بإعلان المملكة على لسان مندوبها في الامم المتحدة عن دعمها لحق تقرير مصير شعب القبائل في الجزائر ووصولا الى ازمة برنامج التجسس "بيغاسوس". 

وإن استبشر البعض خيرا بخطاب العرش الذي خصص الملك محمد السادس، نصفه للحديث عن العلاقة بين الجزائر و المغرب داعيا الى فتح الحدود البرية لمصلحة البلدين فإن ذلك لا يغير من الامر شيئا اذ سبق للملك أن وجه في سنة 2008 في خطابه للعرش نداء إلى السلطات الجزائرية يدعوهم إلى فتح الحدود وإقامة شراكة ، والتوجه الى التنمية   والتكامل الاقتصادي  بدل تضييع الوقت في النزاعات كما دعا في 2018 إلى حوار مغربي جزائري جاد. و حتى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون صرح أخيرا بأنه لا مشاكل للجزائر مع المملكة المغربية و ان كانت مشاكل فهو مستعد لمناقشتها مع العاهل المغربي في أي وقت يريد. "هاذي يدي ممدودة مدي يدك"، تقول اغنية مغربية شهيرة". 

يدان ممدودتان لا تلتقيان ! كل هذا يدخل في مواصلة الحرب المستترة بوسائل أخرى إذ كل طرف متيقن بأن الرد سيكون سلبيا من الطرف الآخر. فلا الجزائر توقف دعمها للبوليزاريو و لا المغرب يغير موقفه من هذا الدعم. قليلون في الجزائر و في المغرب هم المتفائلون بحصول تطور ايجابي في العلاقة بين البلدين في السنوات القادمة بسبب الشروط التعجيزية التي يطلبها كل طرف من الآخر. و تبقى دار لقمان على حالها و قد تحترق في اية لحظة. فإن تم التحكم في هذا العداء المستمر منذ عقود، فلا أحد يستطيع التكهن بعدم انفلاته مستقبلا نحو مواجهة عسكرية قد تقضي على أحلام الشعبين

ولكن مهما يكن الأمر و رغم صب الزيت على النار من طرف ابواق النظامين عبر وسائل الاعلام و مواقع التواصل الاجتماعي فلا شيء و لا خلاف فوقي يستطيع اعادة النظر في ذلك العمق الاخوي الشعبي بين المغاربة وجيرانهم الجزائريين.