إستقبلت تونس الخميس العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود بكثير من الترحاب الأخوي والأمل في أن تسفر هذه الزيارة عن المزيد من توطيد العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين ،

 ويشير المراقبون الى أن زيارة سلمان  التاريخية تمثّل رسالة دعم وتضامن للجمهورية التونسية وهي تحتضن الدورة الثلاثين للقمة العربية ، وتأكيدا على عمق التاريخية والحضارية بين البلدين  ، وعلى الأبعاد الإستراتيجية المهمة التي تعطيها القيادة السعودية لعلاقاتها مع تونس، ضمن جهودها المكثفة لرص الصفوف وتوحيد الأهداف وتوطيد قيم التعاون والتضامن والتكافل بين الدول العربية في مواجهة  أخطار التمزق والتشتت ومؤامرات التطرف والإرهاب والتهديدات والأطماع الأقليمية والدولية المحدقة بالأخص بمحور الإعتدال الذي طالما كانت تونس إحدى ركائزه منذ إستقلالها في العام 1956 وتدشين عمل أبنائها على بناء دولتهم المدنية الحديثة 

وتأتي زيارة العاهل السعودي الى تونس لتزيد من توطيد أواصر الأخوة والتعاون بين البلدين ، ولتقطع الطريق أمام الصائدين في الماء العكر ، وخاصة من أولئك الذين يسعون الى إختطاف تونس من موقعها الراسخ في محور الإعتدال والعقلانية ، الى محاور  الفوضى والفتنة والتطرف ، والذين يتبنون وجهات النظر المعادية للعرب والعروبة ، وما إنفكوا يدفعون في السر والعلن الى توتير العلاقات بين الأشقاء 

 وتتنزل زيارة سلمان الى تونس ضمن ثوابت رؤيته للعرب كوحدة متماسكة ، وهي الرؤية التي طالما حددت مواقف القيادة السعودية وخاصة في السنوات الأخيرة ، عندما بدأت الرياض في النظر الى كل الجهات ، وفي الإهتمام بكل ما يدور في المنطقة العربية من المحيط الى الخليج ، بإنفتاح سياسي وديبلوماسي بات سابقا للأحداث ، وصانعا للتوازنات ، ومؤثرا في الوقائع ، ومتصديا لكل أشكال التآمر على الأمن القومي العربي ،ومبادرا الى إحتضان الأشقاء بما يساعدهم على تجاوز أزماتهم ، وتطوير مقدراتهم ، وتحصين دولهم وشعوبهم ومجتمعاتهم مما يحاك لها في الغرف المظلمة 

كما أن زيارة سلمان الى تونس ، تعتبر  الزيارة الرسمية الأولى من نوعها التي يؤديها الى أحدى دول المغرب العربي منذ توليه الحكم في يناير 2015 ، وتأتي بعد 120 يوما تقريبا من الزيارة التي أداها ولي العهد محمد بن سلمان الى الجمهورية التونسية في 28 نوفمبر 2018 ، والتي تلتها بعد أسبوعين زيارة رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد الى الرياض في 12 ديسمبر الماضي 

ويرى سفير المملكة العربية السعودية بتونس محمد بن محمود العلي، أن العلاقات بين البلدين تتميز بعراقتها حيث تعود الى عهد الملك المؤسس عبدالعزيز ال سعود الذي استقبل سنة 1951 زعيم الحركة الوطنية التونسية آنذاك الحبيب بورقيبة وبصحبته محمد المصمودي الذي تولى لاحقا حقيبة الخارجية ،  وما قامت به المملكة من الدعم المعنوي والمادي الذي ساهم في دعم الحركة الوطنية في نضالها من أجل نيل الاستقلال. 

 كما يشير السفيرالسعودي الى  الجهود المبذولة لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين حيث  شملت جل المجالات وكان أهمها الاتفاق على تنظيم الدورة العاشرة للجنة المشتركة خلال العام القادم بالعاصمة السعودية بالإضافة الى البرنامج التنفيذي لمذكرة التفاهم بين مركز النهوض بالصادرات بتونس وهيئة تنمية الصادرات لعامي 2018-2019 ،مشيدا في هذا السياق بالتعاون في المجال الصناعي والتعاون في مجال الطاقة والتعدين بالإضافة الى المجال المصرفي والمالي والجمارك. و في مجال التعاون الانمائي فقد قدم الصندوق السعودي للتنمية مبلغ 85 مليون دولار أمريكي لإنجاز وتجهيز مستشفى الملك سلمان الجامعي بمدينة القيروان ومنحة بقيمة 15 مليون دولار أمريكي لترميم جامع عقبة ابن نافع بنفس المدينة.

كما تم توقيع اتفاقية قرض بقيمة 85 مليون دولار أمريكي لإنجاز مشروع المساكن الاجتماعية امتدادا للمرحلة الاولى التي مولها الصندوق عام 2013 واتفاقية قرض بقيمة 40 مليون دولار أمريكي لإنجاز وتجهيز مستشفيين بالإضافة الى موافقة الصندوق السعودي للتنمية على تقديم قرض لتونس بقيمة 129 مليون دولار.

أما في مجال الاستثمار فقد بلغت قيمة الاستثمارات السعودية 561 مليون دينار كما بلغت المشروعات التنموية التي يمولها الصندوق السعودي للتنمية 500 مليون دينار. 

وترتقي العلاقات السعودية التونسية بأهميتها إلى مصاف العلاقات التاريخية المتجذرة، ذلك لما للمملكة وتونس من ثقل تاريخي في العالمين العربي والإسلامي، حيث يحرص البلدان في كل لقاء يجمعهما على زيادة تفعيل آليات التعاون وتعزيز العلاقات تماشيًا مع النهج نحو إرساء علاقات طيبة بينهما.

ومنذ توليه الحكم ، أظهر الملك سلمان بن عبد العزيز ، إهتماما خاصا بالعلاقات مع تونس ، وعبّر في أكثر من مناسبة عن تعاطفه مع قيادتها وشعبها في مواجهة الإرهاب والتطرف ، كما أوصى في مناسبات عدة بتقديم كل أشكال الدعم الأمني والعسكري لتونس في مواجهة كل الأخطار التي تتهددها ، الى جانب توسيع المشاورات السياسية في كل ما يخص العلاقات المشتركة والوضع الإقليمي والدولي ، وشهد العام الماضي تنفيذ مناورات جوية مشتركة بين القوات الجوية الملكية السعودية وسلاح طيران الجيش التونسي، بهدف دعم أواصر التعاون والعلاقات بين القوات الجوية في البلدين وصقل وتأهيل الأطقم الجوية من طياريين وفنيين وتبادل الخبرات في مجال الإمداد والإسناد الفني، وتوج ختام هذا التمرين برعاية الفريق الركن تركي بن بندر بن عبدالعزيز قائد القوات الجوية الملكية السعودية.

وفي مايو 2017 أدى الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي زيارة الى الرياض للمشاركة في القمة العربية الأمريكية  ،حيث أشاد بالعلاقات الأخوية التي تربط البلدين الشقيقين ووصفها بالتاريخية والمبنية على الاحترام المتبادل والتشاور المستمر، وقال أن  "علاقات تونس مع المملكة العربية السعودية يرجع تاريخها إلى الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ والزيارة التي قام بها الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة إلى المملكة والتي كان لها تأثير بالغ في مستقبل تونس"، مشددا على الدور المحوري للمملكة سواء في المنطقة أو العالم كقوة سياسية وإقتصادية وروحية ، 

  وتأكيدًا لوقوف المملكة الى جانب تونس في المجالات التنموية فقد أوضح معالي نائب الرئيس العضو المنتدب للصندوق السعودي للتنمية المهندس يوسف بن إبراهيم البسام خلال تمثيله للمملكة في منتدى الاستثمار "تونس 2020 "  المنعقد في نوفمبر 2016، أن المملكة تدعم كل ما من شأنه أن يرسخ الاستقرار السياسي والاقتصادي التونسي، ومن ذلك المساهمة في تحفيز إنعاش النشاط الاقتصادي من خلال مساهمات مستمرة للصندوق السعودي للتنمية في تمويل المشاريع التنموية المختلفة في تونس منذ سبعينات القرن الماضي والتي تجاوزت مبالغها  3.375 ملايين ريال ( حوالي مليار دولار أمريكي ) ، معلناً في حينها عن دعم المملكة لتونس بمبلغ 3 مليارات ريال منها 375 مليون ريال منحة خصصت لإنشاء مستشفى شامل التخصصات في مدينة القيروان وترميم مسجد عقبة بن نافع والمدينة القديمة في القيروان، وباقي المبلغ وضع في هيئة قروض ميسرة لتمويل مشاريع تنموية في قطاعات مختلفة وتمويل الصادرات بين البلدين.

كما شهد نفس العام مصادقة مجلس نواب الشعب التونسي على اتفاقية قرض بقيمة  100 مليون دولار  لاستكمال المرحلة الثانية من مشروع السكن الاجتماعي لفائدة محدودي الدخل، وفي يناير 2019  منحت المملكة تونس قرضا بقيمة 500 مليون دولار،بشروط ميسرة لتمويل الميزانية، 

وتشهد التعاون  التونسي السعودي تنوعا وثراء حيث يشمل الى جانب  التنسيق  السياسي  والأمني  والعسكري،  مجالات الصحة والثقافة والرياضة والشباب والكشافة والعمل التطوعي والأثار  والخدمات والتعاون الفني وتبادل الخبرات ، ويوجد أكثر من 16 ألف إطار تونسي يعملون على أراضي المملكة ،من بينهم أطباء ومهندسون وأساتذة جامعيون وخبراء متخصصون ، 

كان الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة يرى أن السعودية هي قلب العرب ونبض العروبة ، ويصرّ على أن تكون علاقة بلاده بها ، علاقة متينة وإستراتيجية ، وإعتبر ذلك من أسس الديبلوماسية التونسية ، وهو ما سارت عليه تونس لاحقا ، ويعمل الرئيس الباجي قائد السبسي على أن يكون إمتدادا له ، ولعل زيارة سلمان العزم والحزم التي تنطلق اليوم خير دليل على أن الثوابت لا تزال في رسوخها ، والقيم الحقيقية هي التي تنتصر دائما ، والرؤية الواضحة هي التي تحدد المسارات المؤدية الى طريق التضامن والتكامل والشراكة بين الأشقاء

شاعر و كاتب تونسي 

الاراء المنشورة ملزمة للكاتب و لا تعبر عن سياسة البوابة