كانت من احد عادته اليومية  . الولوج الى بعض من صفحات ومواقع الفيس بوك . يطالع ما تحّمله من جديد . وكان نادر ما يعالج اِدراجاتها بمداخلاته . عدى ذلك اليوم . الذى طالعته فيه احد الصفحات وهى تتحدث عن الجنوب الليبيى . بصيغة تقطر الم وضيق . حول مُساكنة فزان واستكانتها . لهذا الواقع العابث . الذى اجتهد على تهّميشها وابعادها عن المشهد الوطني  . بل وشطبها كمفردة من مفردات الجغرافيات الليبية . 

    دفعه ما جاء في ادراج تلك الصفحة .  الى تدوين رد  سعى به . نحو اثراء ما جاء به الموقع وصفحته    . فكان رده على هذا النحو . (  اعتقد بان هذا الجنوب الذى يُؤلمك . قد اُسس له وظهر للوجود على يد العقود الاربعة الماضية . فقد اجتهدت وسعت هذه العقود . نحو تهميشه ومن ثم شطبه . واستبّدلته بجنوب وافد . نفخت فيه من روحها وحقنت عروق هذا الوافد . بقدر هائل من اموال النفط . فصارت له وبها مخالب وانياب . وبتحّريض ودعم من تلك العقود . ابتلع هذا الوافد الجنوب قاطبة . فصار بذلك الجنوب هو الوافد . والوافد هو الجنوب . وعندما طٌوّى سجل تلك العقود . ورحلت الى الماضى . عجز هذا الوافد عن التواصل مع الجغرافى الديمغرافى الثقافى الليبيى . وذلك لنشأته في حواضن جغرافيات بعيدة عن الجغرافية الليبية . ولكن الاستفهام الضاغط يقول . هل كان هذا التهّميش ومن ثم الشطب . هو خطوة مبكّرة على الطريق . الذى انتهى بالجنوب وليبيا الى هذا المنتهى ؟ ؟ ؟ .  والاهم من ذلك . والذى يجب ان ينشغل به جميع الجنوبيين والوطنيين الليبيين يقول . هل من سبيل . وكيف النفخ في روح الجنوب . كى ينتفض كعنقاء من تحت الرماد في جنوب جديد . تكتمل به خريطة ليبيا الجغرافية الديمغرافية الثقافية . ؟ ؟ ؟ .  

    ما ان انتهى من معالجة ما حمله رده . بإرساله الى ذلك الموقع وصفحته . حتى اَلِف ذاكرته . تستدعى حدث من ماضى يفّصله بعقود ثلاثة ونيف من الزمان . عن حاضره الذى يحتوى لحظة ما خطه في سُطوره هذه . كان وجاء الحدث مع بداية تسعينات القرن الماضى . عندما جرّته الحاجَة الى ولوج الاحياء السكنية الجنوبية . لحاضرة الجنوب الليبيى . حيث التمركز السكانى الكثيف للجنوب الوافد . كانت بغّيته منزل لصديق يقّطن  ذلك الحيي السكنى . استوقف احد المارة . كان شاب في عشّرينات العمر . للاستفهام عن المنزل المطلوب . فجاءه الرد . بان المنزل المعنى يوجد في  نجع (عَيتْ فُلان) . فعاود الاستفسار عن نجع (عَيتْ فُلان) . فأشار الشاب العشّرينى بيده . فى اتجاه عمارة ذات اربعة طوابق تتدثر بلون اصفر فاقع . وتتوسط الحيي السكنى  قائلا . أتشاهد تلك ؟ . هو عين المكان لنجع (عَيتْ فُلان) .  في طريقه نحو العمارة ذات الطوابق الاربعة . انشغل تفكيره بما تحّمله عبارة ( نجع عيت فلان) من مضامين وايحاءات صحراوية . فتساءل في ما بين نفسه . هل جيئا بهؤلاء كأداة لتصّحير كل ما هو حضري ؟ . ولماذا ؟ . هل سعى من اتى بهم . الى الجغرافية الليبية . لليّي عنق الحياة بعيدا عن مسارها الطبيعى , عسفا . صوّب تَصّحير الحياة . والتصحّر والصحراء ؟؟  . ولكن ايضا لماذا؟ ! . 

       لقد نجحت تلك العقود , وبمثابرة استثنائية في الترويج . لمضامين اُخْتزلت في مفردات . النجع . الخيمة . الراحلة . الخ . وصارت العقود الاربعة تحّتفى بكل هذا  .  فتُزيّن بها شوارع مُدنها وساحتها . وتُفّسح لها حيزا مضاء بمصابيح النيون . جنب الى جنب لمزاحمة ماركات مسجلة . ابدعها عقل عصر الجينوم والاتمتة وثورة الاتصال والربوتتات  الخ .  ولكن ايضا . لماذا كل هذا ؟ ! . هل كان هذا وفى مجّمله . خطوة مبكّرة . في اتجاه تأهيل الجغرافية الليبية . لتكون جزأ من حاضنة جيدة وواسعة . عندما يحين الوقت , لتُغدى كل هذا الذى نشاهدة ونحسّه ونعايشه وهو يعصف بكل انحاء ليبيا . ويتشعّب بتمدده . ليطال فضائها الاقليمى القريب والبعيد   ؟ ؟ ! .  كان كلما حاول ومِرارا . ان يتخطى هذه الاستفهامات . ليجعلها من وراء ظهره .  كان ومرارا يتعثر . بما تحتوى مخازن ومعسكرات تلك العقود الاربعة . من اسلحة وذخائر حربية . تفيض عن حاجتها . بل وحاجة فضائها الاقليمى . فيعاود وتعاود به تعثراته من جديد . لتُسمّره عند وقبالة استيقافاته واستفهاماته  .        

الآراء المنشورة ملزمة للكاتب و لا تعبر عن سياسة البوابة