مصطفى حفيظ

كيف سيكون شكل البرلمان المقبل في الجزائر بعد تاريخ 12 يونيو/حزيران 2021؟ سؤال يطرح نفسه بقوّة هذه الأيام. هل ستسفر الاستحقاقات المقبلة عن هيئة تشريعية في مستوى تطلعات الشعب الجزائري؟ أم سنرى برلمانا مشابها لتلك البرلمانات التي استنسخت نفسها على مدار عهدات الرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة؟ أيّ جديد ستحمله نتائج هذه الانتخابات التي تشارك فيها أحزاب تقليدية من التيار الوطني والإسلامي، وأحزاب توصف بالمجهرية، وقوائم حرّة دون لون سياسي؟   

قد تكفي لمحة سريعة على أهم التشكيلات السياسية المشاركة في هذه الانتخابات لفهم أيّ نوع من البرلمانات سيكون عليه البرلمان الجزائري المنتظر بعد 12 يونيو، فمجمل الأحزاب المشاركة هي تلك الأحزاب التي عرفها الشعب الجزائري طيلة العشرين سنة الأخيرة من عمر الحياة السياسية التي حكم فيها الرئيس الأسبق بوتفليقة الجزائر، منها أحزاب شكّلت ما ظلّ يُعرف بالتحالف الرئاسي الذي أخذ على عاتقه مهمّة تمرير كل مشاريع الرئيس عبر البرلمان بحكم سيطرته على أغلبية مقاعد البرلمان منذ 1997 حتى 2019، وهي سنة بداية الحراك الشعبي الذي أخلط أوراقها واضطرها للانسحاب ثم إعادة الهيكلة والعودة بوجوه جديدة للمشاركة في اللعبة السياسية. لكن هل ستحصد نفس النتائج السابقة؟  إنّه احتمال بعيد الحدوث بالنظر إلى شكل وهوية المترشحين في القوائم الحرّة التي لا يمكن وصفها سوى بغير المتجانسة. هذه القوائم والبالغ عددها 837 قائمة حسب السلطة الوطنية (الجزائرية) المستقلة للانتخابات، فاقت القوائم الحزبية المقدّرة ب 646 من أصل 1483 قائمة تم قبولها للمشاركة في الانتخابات. ومنه، يبدو واضحا أنّ المترشحين الأحرار أكثر عددا من المترشحين المتحزّبين، هذا المعطى قد يُحدث الفارق في النتائج المنتظرة، بحكم أنّ الأحزاب سبق وأن فقدت شرعيتها وسمعتها وحتى مستقبلها السياسي في عيون الشعب، تجسّد ذلك من خلال الشعارات التي حملها المتظاهرون في مسيرات "الحراك الشعبي" منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق بوتفليقة، لكن هل سيثق الشعب في مترشحي القوائم الحرّة؟ إنّه احتمال أقرب للمستحيل إذا ما نظرنا إليه من وجهة نظر شعارات الحراك، وقد رأينا ما حدث في الانتخابات الرئاسية السابقة، وبعدها الاستفتاء على الدستور، حيث خرجت الجماهير قبل الانتخابات وبعدها رافضة للفكرة ككل، أي، أنّ الانتخابات بمنظور الحراك لم تعد حلا للتغيير، فما الذي تغيّر الآن، وما الذي دفع كل هؤلاء إلى الترشّح ضمن قوائم حرّة ومعظمهم شاركوا في مسيرات الحراك؟ الظاهر أنّ من يريد المشاركة في الانتخابات قد آمن فعلا بأنّها الطريقة الوحيدة للتغيير وكسر الصورة النمطية التي سادت خلال معظم العهدات البرلمانية السابقة، أيّ تلك الصورة التي كانت تجعل الناخبين يصدّقون مسبقا بأنّ النتائج محسومة سلفا، وأنّ السلطة قسّمت الكعكة على مجموعة من الأحزاب الموالية، ومجموعة أخرى من الأحزاب التي تلعب في الظاهر دور المعارض للسلطة داخل البرلمان.  

إنّ " الطموح مشروع " كما يقول السياسيون في الجزائر، لكن أن تكرر أحزاب سياسية من قبيل حزب جبهة التحرير الوطني (الأفالان) والتجمّع الوطني الديموقراطي (الأرندي)، بالأخص، التجربة من جديد، وتطمح في الحصول على مقاعد في برلمان "الجزائر الجديدة" الذي يرافع له الرئيس الحالي عبد المجيد تبّون، فهذا الذي يعدّ ضرب من الجنون، أو ربما فهم ذكّي للعبة السياسية في الجزائر. فهل يعقل أن يدخل حزب (الأفالان) الذي كان دوما يوصف بالحزب الحاكم في الجزائر، معترك الانتخابات البرلمانية وهو الذي وُصف من قبل الحراك الشعبي بـ " الحزب الفاسد " الذي وجّب ارساله إلى المتحف بالنظر لارتباط اسمه بجهة التحرير الوطني التاريخية ودورها في الثورة والاستقلال؟ يبدو أنّ الحزب فهم اللعبة جيّدا وجدد خطابه وغيّر الوجوه القديمة بوجوه جديدة لم تكن من قبل في الواجهة برغم أن معظمها كان مرتبطا بالقيادة القديمة التي دعمت كل عهدات بوتفليقة. وحتى القوائم الانتخابية التي دخل بها الانتخابات أدرجت بها أسماء جديدة حسب تصريح الأمين العام للحزب أبو الفضل بعجي، الذي أكّد أن كل القوائم تقريبا ضمّت كفاءات من شباب الأفالان، بعيدا عن المال الفاسد على حدّ قوله، لكن أصداء من ذات الحزب قالت إنّ بعض القوائم شملت أقارب وأصهار قيادات ونواب سابقين في الحزب، ما يعني أنّ عقلية العشائرية لا تزال تسري في دمّ حزب السلطة الذي لا يختلف كثيرا عن غريمه وشريكه الأسبق في التحالف الرئاسي الأرندي. 

هذا الأخير دخل معترك الانتخابات المقبلة أيضا، وأظهر تجديدا في الخطاب بما يتماشى وخطاب السلطة الحالية، وغيّر قيادته المطعون فيها بقيادة جديدة في محاولة لتجديد صورته أمام الشعب بقوائم انتخابية في ظاهرها وجوه وكفاءات شبانية وفي باطنها أسماء ذات صلة بالنوّاب والقيادات السابقة، كأنّما يريد هؤلاء توريث البرلمان لأبنائهم. وبعيدا عن هذه الأطروحة التي كثر اللغط الإعلامي بشأنها، ما يثير الانتباه هو أنّ أحزاب التحالف الرئاسي كلها دخلت الانتخابات، وجميعها لها وعاء انتخابي مضمون، أيّ أنّ إمكانية حصولها على مقاعد في البرلمان مضمونة أكثر، فالأفالان مثلا يملك من المنخرطين في صفوفه ما يضمن له مقاعد بالمجلس الشعبي الوطني (الغرفة السفلى للبرلمان)، برغم غضب نفير من القواعد النضالية الموالية لقيادات معيّنة، والتي رُفضت ملفات ترشحها، ونفس الشيء للأرندي، فهو أيضا يملك من المنخرطين ما قد يضمن له الحصول على مقاعد في المجلس، كم عددها، ذلك أمرٌ قد تكون السلطة حسبت حسابه ورتّبت أجندتها وفقا لحسابات أخرى، دليل ذلك ربّما، هو القوائم المفتوحة، بالنظر لعدم تجانسها، فهي من جهة، قد تساهم في خلق برلمان بدون أغلبية، حسب تحليلات الملاحظين للشأن السياسي الجزائري، فإنّ هذا البرلمان لن يختلف عن سابقيه، من حيث وجود أحزاب سياسية عشعشت داخله، قد يكون الاختلاف الوحيد هو عدم وجود أغلبية وتوزع المقاعد على اكثر من حزب وقائمة حرّة، بحيث يكون برلمان غير متجانس، وهو ما سيسهّل على السلطة اختيار الحكومة وأعضاءها من وزير أول ووزراء دون ضغط من أي حزب يطالب بحقّه في حقائب وزارية بحكم حصوله على أغلبية. ومنه فأكثر احتمال وارد هو أنّ يكون البرلمان المقبل مشكّلا من أحزاب تقليدية كالأفالان، الأرندي، الأحزاب الإسلامية مجتمعة، جبهة المستقبل، ثم تلك الأحزاب التي توصف بالمجهرية وبعض القوائم الحرّة. وإنّ حصل واسفرت هذه الانتخابات عن برلمان بهذا الشكل، فالأكيد أنّ ذلك سيساعد السلطة على إجهاض الحراك أولا، ثم تمرير أية مشاريع قوانين دون معارضة حقيقية في ظل غياب الأحزاب الليبيرالية أبرزها حزب العمال، وجبهة القوى الاشتراكية، والتجمع من أجل الثقافة والديموقراطية.