مصطفى حفيظ

يبدو أن مصير الإسلام السياسي واحد سواء في تونس أو المغرب أو في الجزائر، فبعد الخطوة التي قامت بها تونس ضد حركة النهضة التي ترأس البرلمان، لتورطها في قضايا فساد والارتباط بجهات أجنبية لا تريد الخير لتونس، ثم سقوط حزب العدالة والتنمية المغربي في الانتخابات الماضية، وهو الحزب الاخواني الذي كان يرأس الحكومة السابقة في المغرب، ها هو الحزب الاخواني المعروف باسم "حركة حمس" في الجزائر يتعرض لضربة موجعة من طرف السلطة بعد زبر العديد من قوائم مرشحيه في الانتخابات المحلية التي ستجري شهر نوفمبر/تشرين الثاني، بتبريرات أمنية بعد "شبهة الإرهاب" في حق بعض المرشحين، حيث ثارت ثائرة رئيس الحركة عبد الرزاق مقري الذي اتهم السلطة الأمنية في البلاد بالوقوف وراء العملية الانتخابية، فهل يعني ذلك بداية السقوط للتيار الاخواني في الجزائر؟ وهل ستدخل الحركة في مواجهة مع السلطة؟

عندما قلنا إن مصير الإسلام السياسي واحد في كل المنطقة المغاربية، قصدنا أنّ الأحزاب السياسية ذات النهج الاخواني انتهت صلاحيتها بالنسبة للسلطة السياسية، سواء في تونس، أو في المغرب، وحتى في الجزائر، وربما في ليبيا لاحقا، فما حدث في تونس في الصائفة الماضية بعد قصف الرئيس التونسي قيس سعيّد لحركة النهضة الاخوانية وتجميد عمل البرلمان والحكومة، ثم جرّ مسؤولين سياسيين مرتبطين بالحركة إلى القضاء بتهم الفساد والارتباط بجهات أجنبية كانت تسعى للتغلغل داخل المؤسسات السياسية ودوائر القرار في تونس، كنا أشرنا في مقال سابق بأن هذا الأمر ستكون له ارتدادات على المستقبل السياسي لحركة النهضة التونسية، وأن صورة الأحزاب الاخوانية في المنطقة المغاربية ككل، أي في المغرب والجزائر وليبيا وحتى موريتانيا، كلها ستهتز. 

 ورأينا كيف أن الحزب الاخواني في المغرب (العدالة والتنمية) الذي شاءت الظروف مطلع سنة 2011 أن توصله إلى الحكم على أعقاب ما سمي وقتها بثورات الربيع العربي، أو ربما كانت إرادة السلطة الحاكمة في المغرب ترى بأن تقريب الاخوان منها كان حلاّ لتجنب وصول حمى الربيع العربي إليها. وبالفعل فاز الحزب الذي كان يقوده عبد الإله بن كيران آنذاك بالانتخابات التشريعية في المغرب، وترأس الحكومة لعهدتين، حكومة بن كيران في (2011-2016) وحكومة العثماني في (2016-2021)، لكن في نهاية المطاف، وقبل الانتخابات التشريعية الأخيرة في المغرب، كان الحزب قد بدأ يعرف التقهقر والصراعات الداخلية، تماما عقب تعرض حركة النهضة في تونس لضربة موجعة من طرف الرئيس قيس سعيّد، والنتيجة هي خسارته في الانتخابات، حيث حصل على 12 مقعدا فقط في مجلس النواب مقارنة بـ 125مقعدا في انتخابات 2016.

واليوم، يبدو أن المشهد سيتكرر بصفة مشابهة نوعا ما في الجزائر، فحركة "حمس" ذات النهج الاخواني، والتي اختارت أن تكون في المعارضة بعد فشلها في تحقيق أغلبية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في الجزائر شهر يونيو/حزيران 2021، تواجه مصيرا مشابها للإخوان في المغرب، أي أنها على أعقاب انتكاسة انتخابية جديدة في انتخابات المجالس المحلية التي ستجري أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، فهذا الحزب الاخواني المرتبط بشكل ضمني بتنظيم الاخوان المسلمين العالمي، وأيضا بتنظيم الاخوان في إسطنبول بتركيا، يقول رئيسه عبد الرزاق مقري إنّ جهات أمنية وراء عمليات الزبر التي تعرضت لها قوائم مرشحيه على المستوى المحلي، حيث تم رفضها ( زبرها) تحت مبرر ارتباط هؤلاء المرشحين بالجماعات الإرهابية وكونهم خطر على الأمن العام.   

وهنا، يجب الإشارة إلى أن السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات في الجزائر، هي المسؤولة عن قبول أو رفض قوائم المرشحين للانتخابات المحلية، وتعمل منذ أكثر من شهر على غربلة القوائم والتدقيق في ملفات المترشحين من كل الأحزاب والقوائم الحرّة بمعية السلطات الأمنية المختصة، وذلك للفصل في سلامة الملفات ومطابقتها للشروط القانونية التي تضمنها قانون الانتخابات الجديد، بعد التعديلات التي طرأت عليه مؤخرا، إذن، تكون هذه السلطة قد توصلت إلى قناعات بشأن قوائم تضم مرشحين لا يستوفون بعض الشروط المتضمن في القانون المذكور، لذلك كانت قراراتها زبر كل الأسماء المشبوهة التي تشكّل خطر على الأمن العام والانتماء إلى جماعات إرهابية.

وطبعا لم يهضم مقري تهمة "الإرهاب" التي ألصقت بمرشحيه للانتخابات المحلية، أو بعبارة أدق، لبعض الأسماء التي وافق عليها ضمن قوائم أعدتها قواعد حزبه في بعض الولايات (المحافظات)، ومادام وافق عليها هو، فالأكيد أنه يعرف معدن من ترشح من حزبه لهذه الانتخابات، وعندما تقوم السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات بزبر تلك الأسماء، أي رفض ملفات ترشحه، تحت مبرر الخطر على الأمن العام وارتباطهم بالجماعات الإرهابية، فهي أيضا تعرف جيدا ماذا تفعل، أي، أنها بمعية السلطات الأمنية تدقق جيدا في ملفات المرشحين، أما مسألة كيف توصلت لقناعاتها بخطورة هؤلاء على الأمن العام، فذلك أمر يخصها، وربما تملك أدلة على ذلك، فهل مثلا، كان مقري على علم بملفات هؤلاء؟ أم إنها كما قال هي مجرد "تهم غي مؤسسة"، وعن هذا قال أيضا: "إن هذه التهم غير المؤسسة والخطيرة طالت نائب رئيس مجلس الشورى الوطني وإذا ثبت ذلك عليه حقا فعبد الرزاق مقري يهدد أيضا الأمن العام"، ويصف مقري هذه التبريرات بالخطيرة، ثم يوجّه أصابع الاتهام للسلطة متهما "جهات أمنية" بالوقوف وراء عملية اقصاء مترشحين من حركة حمس، وأن هناك "تسييرا أمنيا " للعملية الانتخابية. 

تنتقد حمس نظام سلطة الانتخابات وتقول عنه إنّه غير محيّن وخائب لأنّه أسقط 50 ألف توقيع لمرشحيها على المستوى الوطني، على الرغم من أنهم مسجلين في القائمة الانتخابية وحاملين لبطاقات الانتخاب الخاصة بهم، وكانت عملية الزبر قد مسّت 9 قوائم ترشيحات لانتخابات أعضاء المجالس الولائية على غرار ولايات الجلفة، سعيدة، سيدي بلعباس، كما تم رفض 37 قائمة بلدية، وسبق لهذا الحزب أن انتقد السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة، وكان وجّه اتهامات مباشرة لها بالتلاعب بنتائج الانتخابات والتزوير، وذلك كي يبرر عدم قدرة حزبه على تحقيق الأغلبية التي كان يروج لها قبل الانتخابات، وفي لعبة السياسية، الجميع يلعب على التصريحات والحرب النفسية من أجل كسب المعركة النهائية لكن هذه المرّة لا تبدو النتائج المنتظرة في صالح هذا الحزب.

لكن، ماذا لو كانت السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات على حق؟ ماذا لو قدّمت حركة حمس فعلا مرشحين مشبوهين ويشكلون فعلا خطرا على الأمن العام؟ هل يعني ذلك بداية تسلل التطرف إلى المجالس المنتخبة؟ أي بعبارة أخرى، هل كان هذا الحزب الاخواني يخطط فعلا للسيطرة على المجالس المنتخبة في الولايات والبلديات كي يمارس سلطته عليها بعدما فشل في تحقيق هدفه في البرلمان؟ إنّ أسئلة مثل هذه مشروعة، فالمؤكد أن حمس التي اختارت المعارضة على مضض بعد عدم قدرتها على تحقيق أغلبية تمكنّها من تشكيل الحكومة، فكّرت منذ دلك الوقت في تعويض تلك الخسارة بفوز ساحق في الانتخابات المحلية، فهي ربما أرادت أن تقيس مدى شعبيتها محليا، أو قد تكون رأت في غياب بعض الأحزاب السياسية المعارضة كالديموقراطيين مثلا، فرصة لكسب المزيد من الأصوات، دون نسيان أن لديها قواعد نضالية منضبطة، وتعمل جميعها لصالح الحزب، وحمس توصف بكونها أكبر حزب إسلامي في الجزائر، لكن ذلك ليس من حيث التأثير والانتشار بل لعدد مناضليها وانضباطهم في المواعيد الانتخابية، لكن هل لديها شعبية وسط الجزائريين؟ ذلك أمر آخر، لأن الواقع أثبت عكس ذلك، خاصة مع استمرار اهتزاز صورة الاخوان مغاربيا بعد تونس، والمغرب، يضاف إلى هذا، تراجع ثقة الجزائريين بالسياسيين عموما، وبالعملية الانتخابية بشكل خاص.

في اعتقادنا، وهذا ما يؤكده الواقع اليوم، أن الأحزاب الاخوانية في الجزائر، مثلها مثل أقرانها في المغرب وتونس، وربما لاحقا في ليبيا، أو موريتانيا، مصيرها السقوط، فقد بدأت فعلا بالتراجع عن ذلك الدور الذي لعبته في السنوات الأخيرة، أي، مثلا، بالنسبة لحركة النهضة الاخوانية في تونس التي فازت بالأغلبية في البرلمان وسيطرت على الحكومة، رأينا كيف كانت علاقتها بقطر وتركيا، وهما الدولتين اللتان تدعمان التنظيم الاخواني العالمي، ثم تلك النكسة التي تعرّضت لها بعد ما قام به الرئيس التونسي، والتي ما تزال ارتداداتها إلى اليوم، أو في المغرب وتلك الخسارة التي مني بها حزب العدالة والتنمية الاخواني في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وما تبعه من صراع داخلي عاشه هذا الحزب بين قياداته، أو ما يحدث حاليا من صراع بين أعضاء تنظيم الاخوان المسلمين العالمي في الخارج، بين جبهتي إسطنبول ولندن، يؤكد كل هذا، بأن التنظيم الاخواني سواء في مصر، أو في الخارج، وكل الأحزاب والجمعيات المرتبطة به بشكل مباشر أو ضمنيا، منها الأحزاب الإسلامية في الجزائر، وأبرزهم حركة حمس، كلها تعرف تقهقرا، وربما حان وقت أفولها فعلا.

ربما تكون السلطة في الجزائر رأت بأن الوقت قد حان كي تبعد الإسلاميين عن الساحة السياسية، باستثناء حركة البناء الوطني، فعملية الزبر التي طالت قوائم حركة حمس، تكون الخطوة الأولى للسلطة كي تعيد صناعة خارطة سياسية جديدة ليس فيها أغلبية حزبية، خاصة إن تعلق الأمر بالإسلامين، لذلك، بدأت بحمس، ثم ربما، الأحزاب الاخوانية الأخرى، خاصة التركيز حاليا منصب على إعطاء الفرصة للقوائم الحرة أكثر، وهي في الغالب تمثّل المجتمع المدني، في حين، ضيّقت الطريق على آلاف المرشحين المتحزبين، أبرزهم حركة حمس، إذن، هل أرادت السلطة ابعاد حمس وتقليل تأثيرها في المشهد السياسي؟ وإن خسرت حمس معركة المحليات، هل يكون ذلك بداية سقوط التيار الاخواني في الجزائر، كنتيجة حتمية لما يحدث للتنظيمات الاخوانية مغاربيا وكذا تنظيم الاخوان المسلمين العالمي؟ وهل اتهامات حمس للسلطة بالتسيير الأمني لعملية الانتخابية سيفتح النار عليها، خاصة بعد ابعاد مرشحيها بشبهة الإرهاب؟