كنت احاول ان اقول في ما تناولته من تحت هذا العنوان . بان التصْحير والتصحّر والصحراء . قد يتخذ صيغة مركّبة . على غير تلك الاولية التى انتجتها الطبيعة . فى هيئة تصّحير وتصحْر وصحراء . وما ابدعته الحياة عليها  من ثقافة صحراوية . في خطوة اولية من الحياة  لعبور المتاهة الصحراوية . الى عالم ما بعد الصحراء . 

       ولكن قد يذهب عقل ما بعد الصحراء . بعدما انعتق من ملاحقة دابته فى متاهتها  الصحراوية  . ولإمر في نفسه . الى صياغة التصحير والتصحر والصحراء . بالاتكاء على ما ابدعه علم ما بعد الصحراء . في مجالات علم الانسان . والنفس . والاجتماع . والاتجاه بهذه العلوم . نحو صياغة وبرّمجة (عقل ما) في آلياته وضبط قنوات مخرجات تفكيره . من خلال تغذية هذا العقل المسّتهدف . بكل ما يساعد على استدراجه الى الصحراء و متاهاتها . وذلك بجعل  المفردات والمفاهيم الصحراوية برموزها وايقوناتها . دائمة الحضور في تلافيفه . ليضل بذلك .  حبيس الصحراء اليباب . ولينتج اليباب . ويضيف اليباب الى اليباب  . 

   وربما الشاهد الفاقع على ذلك . في جغرافيات شرق المتوسط وجنوبه . ما عرف في تاريخ هذا الفضاء الجغرافى بمعاهدة (سايس – بيكو) في وجهها الإنجليزي تحديدا .  وبأيقونته العتيدة  . والتى صارت تعرّف به وبشخص لورنس العرب . 

       فقد استطاع الانجليز من وضع يدهم على هذا الفضاء الجغرافي الواسع . وتمكنوا من استغلال موارده الطبيعية والبشرية وموقعه الجغرافى الهام ووظفوها جميعها . بعيدا عن فضاء شرق المتوسط وجنوبه . ولصالح بلادهم . 

       كل هذا جاء بعدما تداكا هؤلاء . على أعرابي شرق المتوسط وجنوبه حينها . واقنعوه باعتلاء راحلة بعيره والقتال فى صفوفهم   .  وبعدما صار ومند ذلك الحين . جل شرق المتوسط وجنوبه فى قبضتهم . صار هذا الأعرابي وبعيره وصحرائه  فى قبضتهم ايضا .  

     فقد تمكنوا من تحقيق ذلك . بالاجتهاد وبدون كلل . على استدعاء ثقافة التصحير والتصحر والصحراء . بوجهيها المعنوي والمادي . الى الفضاء الجغرافى لشرق المتوسط وجنوبه . والعمل بكل السبل على توّطينها وتجّذيرها فى هذا الفضاء الحيوي . والذى سيدر عليهم بالكثير . ما دام هذا الأعرابي مشبّع بثقافة التصحير والتصحر والصحراء . يجوب بها ومن وراء  بعيره فضاءاتها  الواسعة . 

    ولقد حافظوا على استمرارية كل هذا . وعلى امتداد هذه الفترة الزمنية المديدة . التى قد تصل الى قرن من الزمان . بالاجتهاد على تجديد وادامة ادواتهم المنّتجة . لأساليب وطرق جديدة . تتمكن بها هذه . من استدعاء واستدراج . التصحر والتصحير والصحراء . الى فضاء شرق المتوسط وجنوبه الحيويين . وايضا بالانتباه والعمل على الوقوف فى طريق كل السبل . التى قد تساعد وتنبه هذا الأعرابي . وتدفعه نحو  الخروج  من متاهة الصحراء التى تنّتجه ويُنّتجها . 

     فها نحن نعايش احد ارهاصات شرق المتوسط وجنوبه .   للقفز بنفسه  الى خارج دائرة التصحير والتصحر والصحراء  . ولكن وفى المقابل نشاهد ونحس بالعراقيل . التى لا تقف ولا تكل عن اعتراضه . وتجتهد بكل ما لديها  فى استنزاف طاقته . فى محاولة منها للوصول الى ترويضه . وثم  لجّمه وجره الى تصحّره وصحرائه . 

      فما محالة جر الليبيين والذهاب بهم الى مؤتمر الصخيرات . والانتهاء به وبهم الى اجسام موازية لخياراتهم الوطنية  . ما هى الا احد المحولات . لتفريغ اجتهادهم  من ابعاده ومضامينه الانسانية . فى سعيهم نحو التاسيس لدولة المواطنة . ومن ثم استدراجهم من جديد .الى فضاء التصحير والتصحر والصحراء فى احد وجوهه العديدة .  

الآراء المنشورة ملزمة للكاتب و لا تعبر عن سياسة البوابة