رمزي حليم مفراكس

إن من قرأ أو شاهد أو حتى سمع عن الانتخابات الرئاسية  في التاريخ السياسي،  يدرك أن جميع الدول الديمقراطية  تصنع قياداتها بموجب الدستور المكتوب أو الغير مكتوب المعترف به في بلادهم، وليبيا ليس بمعزل عن العالم المتحضر الذي يسعى على تحقيق استقرار البلد دستوريا منذ الإطاحة بالنظام السابق الذي رفع جميع القوانين المعمول بها في البلد، بداية بالانقلاب الدستوري في عام 1969 ميلادي . مظاهر وأشكال انتخابية رئاسية وبرلمانية تبرز علينا من حين الى آخر ومن عدة دول خارجية عموما و خصوصا من سفراء  دول أجنبية، دعمهم القوي لجهود السيدة المستشارة الخاصة وليامز لتسهيل عقد الانتخابات قريبا لتحقيق تطلعات الشعب الليبي.

لقد يحث البعض عن أهمية الانتخابات الرئاسية قبل إجراء الاستفتاء على الدستور الليبي، في أحرز على استقرار ليبيا بعد حرب التحرير وثورة السابع عشر من فبراير لعام 2011، وهو الحدث الهام في تاريخ ليبيا المعاصر، ولم يعطوا ليبيا أي أهمية من نقلها الى مسار الدول الديمقراطية دستوريا بل في انتخابات صورية في اتجاه يرمي الى التعويل على الشكل دون المضمون الدستوري وإهماله. ونحن نعلم أن لليبيا دستورا شرعيا لعام 1951 في نظام المملكة الليبية المتحدة، ومشرع دستوري بعد ثورة التكبير في ثورة شعبية أطاحت بنظام سياسي كان جاثما على قلوب الملايين من الشعب الليبي، إلا أننا قد نتسارع على الانتخابات قبل الدستور وهو الطريق الذي ارتضاه لنا القوى الخارجية لتخرجنا من النفق المظلم بتوحيد المؤسسات الدولة الليبية ثم الرجوع الى الدستور الليبي. مكثت معنا الأزمة الليبية الى يومنا هذا بالرغم من عدم إرسال مبعثا أممياً جديدا الى ليبيا وبالتمسك ببقاء الأميركية ستيفاني وليامز على رأس البعثة بالإنابة، لحل الأزمة الليبية من وجهة نظرها التي ستمد من إجراء الانتخابات أولا في ليبيا وهو المخرج الوحيد للازمة الليبية في اعتقادها الجازم.
      
ومن يقول أن الشعب الليبي ليس راغب بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية، انه افتراض خاطئ لتوصل الى حل جذري للازمة الليبية ، بل كان فرض علينا قبل الاستفتاء على الدستور من القوى الدولية التي تتحكم في المشهد السياسي الليبي. لكن، يبقى السؤال بلا جواب في إذا كانت الأمم المتحدة، ببعثها لدعم في ليبيا جادة واستطاعت المستشارة السيدة ستيفاني وليامز السماع الى النص الدستوري والقاعدة الدستورية لقانون الانتخابي و بأجراء انتخابات دستورية شرعية وخراج حكومة جديدة دستورية. التوصل الى حل الوسط في ليبيا، هو بالأحرى حل الرجوع الى دستور ليبيا لعام 1951 ونقله الى الدائرة القضائية في المحكمة العليا  ثم الاستفتاء عليه مرة أخرى بعد إجراء التعديلات المطلوبة  للبلد، في ما كان منصوص عليه بتمثيل الشعب الليبي من برقة وطرابلس الغرب وفزان والمجتمعين بمدينة طرابلس، فمدينة بنغازي في الجمعية الوطنية التأسيسية.

يتمحور الخلاف في ليبيا ما بين الانتخابات أولا أم الدستور، وعلى أساس القاعدة الدستورية نطلق الى الانتخابات الرئاسية  ثم الى الانتخابات التشريعية من المادة الأولى لدستور الليبي، بان ليبيا حرة مستقلة ذات سيادة لا يجوز النزول عن سيادتها ولا عن أي جزء من أرضيها. ومن الواضح وبناء على ما تقدم به مجلس الأمن وبعثة الأمم المتحدة في مسار الملف الليبي، ليس بتغير أشكال ووجوه من يقود القضية الليبية ولكن بإبقاء الملف الليبي  كما هو عليه ، وعدم تسليم قيادة الدولة الليبية الى حكومة شرعية دستورية. إن ليبيا بات على حافة التفكك، والتقسيم، مخالفين القانون الدستوري الذي نص على عدم النزول عن سيادة ليبيا ولا عن أي جز من أرضيها الى أي من كان له مصلحة في البلد، وربما ليبيا تشكل اليوم أكثر تسارعا من أي دولة أخرى على المحافظة على وطنيتها القومية...