عبد الستار العايدي

كشفت دائرة المحاسبات أن تونس ستسدد، بداية من عام 2021 وحتى عام 2025، دفعات قروض بقيمة ألف مليون دولار سنوياً. وهو ما يعكس معضلة الدين الخارجي، الذي تورطت فيه الحكومات المتعاقبة في البلاد بعد 2011. وتقدر بعض الإحصائيات نصيب كل فرد تونسي من الديون الخارجية للدولة في حدود ثمانية آلاف دينار (2.6 آلاف دولارات). ومن المتوقع أن تبلغ نسبة المديونية وفق مشروع قانون المالية لعام 2021 التسعين في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، أي حوالى 100 مليار دينار (30.3 مليارات دولار). وتحتاج تونس هذا العام (2021) حوالى 6.5 مليارات دولار من القروض، إذ تصل القروض الخارجية إلى حدود 4.5 مليارات دولار والداخلية في حدود ملياري دولار. وتكشف هذه المؤشرات وطأة الأزمة المالية، التي تتخبّط فيها البلاد.

أكد النائب عن الجبهة الشعبية منجي الرحوي، خلال جلسة حوار نظمتها جمعية "كلنا تونس" بالعاصمة تحت عنوان "ميزانية 2018 ساعة الحقيقة" بتاريخ 9 نوفمبر 2017 ، أن ارتفاع نسب المديونية في تونس سيكون له تأثير مباشر على النمو. وأشار الى أن حجم ديون البلاد ما بين 2011 و2016 بلغ ضعف ما تم اقتراضه منذ الاستقلال (سنة 1956) إلى غاية 2010.

في تقرير نشرته مجلة "لوبوان" (lepoint) الفرنسية في 18 أفريل 2021 يقول الكاتب بونوا ديلما إن ديون تونس تراكمت خلال فترة الانتقال الديمقراطي نتيجة لسوء التصرف. مما أفقد البلاد مصداقيتها مع الجهات المانحة.ةويؤكد الكاتب أن العجز المالي والتدهور الاقتصادي في تونس خلال السنوات الماضية جعل البلاد تنزلق نحو القروض بشكل غير مسبوق، إذ تضاعف إجمالي الدين العام ثلاث مرات خلال السنوات التسع الأخيرة. وخلال عشر سنوات تداولت على السلطة ثماني حكومات. وعملت كل منها وفق أجندة خاصة وأولويات مختلفة عن سابقتها، حيث أنه في كل مرة يتأجل النظر في المسائل والملفات الشائكة حسب الولاءات والتوازنات، كما يقول الكاتب.

ويبرز ديلما أن البلاد تسير دون رؤية ودون خطة إصلاح جادة. وهو ما يمسّ من مصداقيتها أمام الجهات المانحة. وأضاف أن الخطر الحقيقي يكمن في تغليب الجانب السياسي على الإصلاحات الاقتصادية. ويقدر البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية أن ما يقرب من 90% من المساعدات المرصودة لتونس لم تُصرف بعد، في ظل بطء تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة وغياب الإرادة السياسية. إن هذه الأوضاع، التي تمر بها البلاد وحاجتها المستمرة إلى الاقتراض، تصب في صالح عدد من البنوك التي تسيطر عليها عائلات متنفذة أنهكت الاقتصاد التونسي منذ عقود، بحسب الكاتب.

ورغم التحذيرات المستمرة من انهيار الاقتصاد على مدى السنوات الماضية، يرى الكاتب أن إعلان الإفلاس والعجز عن دفع رواتب 800 ألف موظف عمومي ليس أمرا مطروحا. غير أنه يجبر الدولة على أن تلهث باستمرار وراء القروض من الخليج وأوروبا والولايات المتحدة. عبّر صندوق النقد الدولي عن "استعداده لمساعدة تونس والشعب التونسي على مكافحة تأثير الأزمة والمضي نحو التعافي الشامل واستعادة الموارد المالية المستدامة"، وفق ما أكده المتحدث باسم صندوق النقد الدولي جيري رايس في تصريح إعلامي.

في حين أكد المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي في اختتام مشاورات المادة الرابعة لعام 2021 مع تونس بتاريخ 26 فيفري 2021 أن جائحة كوفيد-19 ألحقت ضررا بالغا بتونس، ما أدى إلى هبوط اقتصادي غير مسبوق. فالتقديرات تشير إلى انكماش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة قدرها 8,2% في عام 2020. وهو أكبر هبوط اقتصادي شهدته تونس منذ استقلالها. وقفز معدل البطالة إلى 16,2% في نهاية سبتمبر 2020. وسجل عجز المالية العمومية ومستوى الدين العام ارتفاعا حادا في عام 2020

وتشير التقديرات إلى أن عجز المالية العمومية (باستثناء المنح) بلغ 11,5% من إجمالي الناتج المحلي. وانخفضت الإيرادات نتيجة انخفاض الحصيلة الضريبية. كما أدى التوظيف الإضافي (40% منه تقريبا في قطاع الصحة لأسباب من بينها مكافحة جائحة كوفيد-19) إلى رفع كتلة أجور القطاع العام إلى 17,6% من إجمالي الناتج المحلي، لتصبح ضمن أعلى الكتل في العالم. وتم تعويض ارتفاع النفقات بانخفاض نفقات الاستثمار ودعم الطاقة. ونتيجة لارتفاع عجز المالية العمومية والانكماش في إجمالي الناتج المحلي تشير التقديرات إلى ارتفاع الدين العام المركزي إلى قرابة 87% من إجمالي الناتج المحلي.

من جهته أبرز المعز الحاج منصور رئيس مرصد الشفافية والحوكمة بتاريخ 08 ماي 2021 أن البنك الدولي يتأهب لإعلان إفلاس الدولة التونسية مشيرا إلى أن تقرير صندوق النقد الدولي قد رفض مشروع المقترحات المقدمة من حكومة المشيشي للحصول على قرض قيمته 4 مليارات دولار. وردّ ذلك للأسباب التالية:

بلوغ تونس عتبة الإفلاس بدين خارجي يتجاوز 100 ألف مليار، أي ما يعادل 100٪ من الدخل السنوي الخام.

احتياج تونس إلى مبلغ ضخم خلال السنة الجارية لتغطية ديونها الخارجية وتمويل ميزانيتها، حيث تحتاج إلى مبلغ 10.2 مليار يورو، أي ما يعادل 35 ألف مليار ويناهز 80٪ من الميزانية من أجل سداد ديونها السنوية. وهو أمر بات مستحيلا.. 

أكثر من 115 مؤسسة عمومية كبرى في وضعية إفلاس وعجز كلي بفعل تفشي الفساد..

وفي مقالها، الذي نشرته صحيفة "لوموند" (Le Monde) الفرنسية قالت الكاتبة ليليا بليز إن تونس المثقلة بالديون في خضم مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 4 مليارات دولار. وهذه المرة الرابعة خلال عقد من الزمن التي تطلب فيها البلاد مساعدة مالية من هذه المؤسسة الدولية. بينما تلقي آثار جائحة "كوفيد-19" بظلالها بشكل كبير على الاقتصاد المتدهور.

وفي نفس السياق، أفادت وكالة التصنيف "ستندار اند بورز غلوبال رايتينغ" في تقرير لها الثلاثاء 11 ماي 2021 أن سيناريو تخلف تونس عن سداد ديون سيادية قد يكلف البنوك بالبلاد زهاء 7.9 مليارات دولار (21.4 مليارات دينار)، أي ما يمثل 102 بالمائة من إجمالي الأموال الذاتية لكامل المنظومة المصرفية و17.3 بالمائة من الناتج الداخلي الخام المتوقع لسنة 2021. وأضاف التقرير أن الأزمة الاقتصادية الناجمة عن جائحة كوفيد - 19 وعدم الاستقرار السياسي الحالي في البلاد تسببا في تفاقم وضع الميزانية، ما دفع الوكالة إلى مراجعة ترقيم ثلاثة بنوك نحو الانخفاض. وقد خفضت الوكالة ترقيم الإصدار على المدى البعيد لكل من البنك العربي لتونس و"بي هاش بنك" وبنك تونس والإمارات بدرجة من " ب سلبي" إلى " س س س". وهذا الترقيم سيكون هو الآخر عقبة أمام مطلب تونس للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي. وينتظر أن ترتفع نسبة الدين العمومي إزاء الناتج الداخلي الخام إلى 91.2 بالمائة هذه السنة، مقابل 87.6 بالمائة سنة 2020. وذلك حسب معطيات إحصائية لصندوق النقد الدولي، الذي يتوقع انتعاشة متواضعة بنسبة 3.8 بالمائة سنة 2021، بسبب تراجع الناتج الداخلي الخام.

هل من سبيل لتخطي مأزق المديونية؟

تتضمن الإصلاحات المقترحة من قبل صندوق النقد العديد من الإجراءات، منها مخطط لتجميد الأجور في الوظيفة العمومية هذه السنة بهدف تقليص كتلة الأجور إلى 15 بالمائة من الناتج الداخلي الخام مقابل 17.4 بالمائة خلال العام المنقضي. كما تتضمن الإجراءات التشجيع على العمل بدوام جزئي والتقاعد المبكر.

ولقد اعتبر وزير المالية السابق حسين الديماسي في تصريح لـ"اندبندنت عربية" أن الإجراءات، التي كان من الممكن اتخاذها للتحكم في المديونية، قد تأخرت كثيرا. وأصبح من الصعب اتخاذها الآن للتعاطي مع التداعيات الكارثية للدين، مشيرا إلى تنامي النفقات العمومية للدولة التونسية على حساب الاستثمار.

كما عبرت الصحافية المختصة في الشأن الاقتصادي جنات بن عبد الله لنفس الصحيفة عن "أن الدولة التونسية في حال إفلاس غير معلنة، مع تجاوز حجم التداين الخارجي مستويات غير مسبوقة. وأكدت أن تونس لم تُحسن التعاطي مع جائحة كورونا، لافتة إلى أنه كان من الأجدر، التخلص تدريجيا من التداين الخارجي والتعويل على الموارد الذاتية وتقليص العجز. فضلا عن تدعيم الاستثمار من خلال التخفيض في نسبة الفائدة

من جهته أعلن وزير المالية والاقتصاد على الكعلي في تصريح لوكالة "رويترز" الأحد 31 جانفي 2021 أن تونس ستصدر 2021 سندات قد تصل إلى 3 مليارات دولار. وأكد سعي تونس للحصول على ضمان قرض بمليار دولار من واشنطن. وأضاف "أن البلاد تستعد أيضا لسداد ديون قياسية في 2021 وتدشين حزمة إصلاحات عاجلة لإنعاش اقتصادها العليل."

كما كشف الكعلي أن تونس ستصدر أيضا صكوكا (سندات إسلامية) بالسوق المحلية بقيمة 300 مليون دينار في النصف الأول من العام. ورجح أيضا إصدار صكوك بالسوق الدولية في وقت لاحق.