عبد الستار العايدي

إستشارة الكترونية وطنية أو "إستفتاء شعبي"، وصل عدد المشاركين فيها إلى حدود كتابة المقال أكثر من ثمانين ألف مشارك، أغلب النسب ترجّح العقد الثلاثيني من العمر للمرتبة الأولى يليه العقد الأربعيني، هذه الفئات العمرية التي أولت إهتماما كبيرا للوضع السياسي والمرتبة الثانية للشأن الاقتصادي ثم المسألة الاجتماعية، مشاركات من الممكن أن تطغى عليها المطالب وتوفير السبل للعيش الكريم وليس تقديم الحلول خاصة في ظل أزمات إقتصادية وإجتماعية لم يجد لها النظام السياسي الطريقة الناجعة لإستئصال أورام هذه الأزمات المتفاقمة.

 ما رسمه قيس سعيّد ضمن الخارطة السياسية القادمة قد يحيل إلى أن معظم المشاركات لن تضيف الكثير إلى نقاط هذه المسودّة التي مازالت تنتظر نتائج الاستشارة الوطنية، فوسط المعطى الصعب للوضع الذي يعيشه المشهد السياسي الحالي لم تطرق أسئلة الشأن السياسي والانتخابي المبسّطة ،لغرض معيّن، الباب الكبير للتساؤلات الكثيرة حول النظام السياسي البديل الذي يسعى إليه رئيس الجمهورية إلى تأسيسه بعد تأكيده على فشل النظم السابقة وعلى أي مرتكزات سيقوم هذا النظام، بين إستقبال يدعوك لتحديد وجهة البلاد وإختيار مستقبل تونس وأسئلة حول النظام السياسي الذي سيدير شؤونها وطريقة الاقتراع   إلى جانب إقتراح تعديل الدستور أو إلغاءه وسحب الثقة من نواب البرلمان المجمّد وسؤالين حول القضاء والشؤون الدينية كان هذا هو مفهوم الشأن السياسي بالنسبة للجنة القيادة التي أعقبت لجنة الأكاديميين والباحثين الذين كتبوا النسخة الأولى من الإستشارة الشعبية، أسئلة قد أجاب عن أغلبها قيس سعيّد بعد 25 جويلية 2021 بإقراره الإجراءات الاستثنائية والسير نحو الهدف الذي يبتغي الوصول إليه.

حول مشاكل كل جهة من ولايات تونس، لم تضف الاستشارة كثيرا إلى المتداول من الأسئلة حول الوضع الاقتصادي المتردّي عموما في تونس وما يرافقه من فساد في الجهاز الإداري المرتبط بالاقتصاد والاحتكار والمحسوبية وندرة المشاريع والاستثمارات بعديد المناطق لأسباب يعرفها أغلب المواطنين، إلى جانب أن الأجوبة المتعلقة بالحلول في المناطق التي تعيش نقص الحلول الإقتصادية الناجعة جاءت لتلخّص جملة المطالب بتحقيق التنمية العادلة بين الولايات والتي لم تستطع أيّ من الحكومات تنفيذها منذ إندلاع الثورة 17 جانفي 2010 ، كان من المفترض أن توضع نقاط حول الخارطة الإقتصادية الجديدة لتونس التي تستتبع الخارطة السياسية لقيس سعيّد، وكيف السبيل للخروج من تواصل ارتفاع مديونية الدولة ورفع نسق الاستثمارات وسط نمط إقتصادي تغلب عليه الصبغة الخدماتية ومجتمع إستهلاكي بنسبة عالية. خارطة طريق إقتصادية هي التي ستكون هي بداية إنفراج الأزمة الاجتماعية

بالإضافة إلى الأسئلة حول حالة الرعاية التي يتلقاها أصحاب الإحتياجات الخاصة وكبار السن والمشاكل التي يواجهها الأطفال والمراهقين، كانت البقية منها، ضمن محور الشأن الاجتماعي، حول الوضع الأسري وما هي الصعوبات التي تعترض أفرادها، وأهمّها الوضعية المالية، ليجيب السؤال الثاني عن باقي كل الأسئلة، ما هي الحلول للحدّ من البطالة في جهتك، ليخلص الجانب الاجتماعي إلى نفس خانة المسألة الاقتصادية، بتحسّن الأوضاع الإقتصادية للعائلة وأفرادها ستتحسن حالة العائلات المعوزة والعائلات التي بعض أفرادها من أصحاب الاحتياجات الخاصة أو وضع رعاية كبار السن، أسئلة قد لا تقدر أن تطفأ الاحتجاجات المتواصلة على أوضاع بائسة لازالت متواصلة منذ عهد بن علي في خضمّ رفض الدولة فتح باب توظيف الشباب العاطل عن العمل تنفيذا لتوصيات لصندوق النقد الدولي وعجزها عن تقديم كل القروض بأموال طائلة للآلاف من باعثي المشاريع.       

محور التنمية والانتقال الرقمي، سقطت منه مفردات الانتقال الرقمي ، حول مسألة الطاقة والقطاع الفلاحي والتنمية والمستدامة والمياه كانت نقاط هذا المحور، ولا توجد أي من الأسئلة التي تجمع بين المجالين خاصة وأن عقما لازال يسيطر على مفهوم التنمية وعلاقتها بالانتقال الرقمي، وهذا ما لم تجد له عديد الدول حلاّ ناجعا خاصة دول العالم الثالث، لا أحد يدرك سبب إقصاء مفهوم الانتقال الرقمي، وهو الجمع بين خصائص التنمية الحديثة الذي سيكون الانتقال الرقمي أحد أسسها، بمعنى لن تقدر على المنافسة في الأسواق العالمية أو إستقطاب الاستثمارات الخارجية لرفع نسب النمو الاقتصادي في الأجزاء أو الأقاليم التي تعاني من معوقات التنمية وتكون تهيئة الأرضية المناسبة والبنية التحتية الجيدة من الأساليب المعتمدة دوليا في الاقتصاد هي الأساس الأول. تنمية دون إستراتيجية ستضطر الدولة للبحث عن أبواب أخرى للتداين وزيادة ثقل الديون على أصحاب المشاريع الخاصة الصغيرة.  

لازال يعوّل من نشر هذه الاستشارة على بقايا نسبة الأمية التي مازالت عالية في بعض الولايات من الجمهورية التونسية، وهي من الفئة العمرية فوق 50 سنة أو المنقطعين حديثا عن الدراسة، في حين أن النسب العالية من المشاركين في هذه الاستشارة هم من الفئات التي تلقت تعليما وتفقه التعامل مع كل الوسائل الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي، وتعي كذلك أن سياسة الدولة التعليمية لازالت لم تجد حلاّ منذ بداية إهتراءها على يد نظام بن علي سنة 2004 لغاية مزيد تفعيل إتفاقية الشريك المتميّز مع الاتحاد الأوروبي حينها، وأسئلة مفرغة حول الشأن الثقافي لا تفي بعمق الأزمة التي يعيشها المشهد الثقافي هو أيضا وذلك بسبب نقص دعم الدولة للإنتاج الأدبي وللأعمال الدرامية المسرحية والسينمائية والتلفزية .

تركت محور جودة الحياة كعنصر أخير لأنها ملخّص كل ما سبق من المحاور، فإذا لم يتحقق أي من العناصر السابقة كان مفهوم جودة الحياة مجرد عبارة فضفاضة لا تعبّر عن الواقع، الأسئلة عن جودة خدمات النقل العمومي وجودة الخدمات الإدارية الالكترونية وجودة الخدمات الصحية وماذا ينقص الشخص للتمتع بهذه الخدمات والمنشآت الترفيهية التي تفتقر لها بعض المناطق، جودة الحياة أصبح لها مفاهيما أخرى تجاوزت هاته الأخيرة من الخدمات الأساسية الضرورية والتي أصبحت حق مكتسب بسيط في دول أخرى.

إستشارة شعبية فعلا، لا تقتضي منك التفكير طويلا لتجيب عن الأسئلة، لا ينتظرون منك الإجابة عما هو الأصلح لتونس، هم أصلا يملكون الإجابة مسبقا، لن يستطيعوا أو لن يستطيع قيس سعيّد صاحب هذه المبادرة تحقيق ما يطلبه الشعب ما لم يتحقق المطلب الأساسي في كل محاور هذه الاستشارة، وهو المطلب الاقتصادي.